طابع متهور اتسم به الإعلام المصري في السنوات الأخيرة، ذلك إن الفترة التي تلت ثورة 25 يناير وحتى الآن أبرزت صراعات لم تخل من الخلافات الثأرية وتصفية الحسابات في شكل فجّ. أخيراً تسبب الإعلامي أحمد موسى في حالة من الجدل، في واقعة تشبه إلى حد كبير قضية «فتاة المول» التي طرحتها ريهام سعيد وتسببت في وقفها عن العمل. نشر موسى عبر برنامجه «على مسؤوليتي» على فضائية «صدى البلد» مقطع فيديو يحتوي على صور فاضحة لواقعة تحرش قال إنه منسوب للنائب البرلماني والمخرج السينمائي خالد يوسف ضمن بلاغ قُدِم ضده. وتسبب مقطع الفيديو في إثارة الجدل مجدداً حول موسى بخاصة وأداء الإعلام المصري عموماً الذي يحصد انتقادات واسعة لدى مراقبين متهمين إياه بالخروج عن المواثيق المتعارف عليها في العمل الإعلامي. نقابات منها «السينمائيين» و «الصحافيين»، أعلنت تضامنها مع المخرج خالد يوسف، وأصدرت بيانات وتصريحات، دانت فيها تصرف أحمد موسى، واعتبرت أنها انتهاك للخصوصية وأعراض المواطنين، فضلاً عن عشرات التوقيعات التي تقدم بها نحو 100 صحافي للمطالبة بمعاقبة موسى وشطبه من عضوية النقابة. في الحلقة التالية خرج أحمد موسى عبر برنامجه، وأبدى رفضه للهجوم المثار ضده، قائلاً: «هناك مواقع تنشر صوراً أكثر إباحية عن مواطنين وأشخاص عاديين ويعيشون على الفضائح من دون أن يسألهم أحد». في المقابل رفض المخرج خالد يوسف الإدلاء بتصريحات صحافية إلى «الحياة»، لكنه اعتبر أن أحمد موسى ضرب بكل القيم وبالمهنية عرض الحائط، وأصبح طرفاً في معركته، وأن القانون سيظهر براءته. ونفى يوسف في تصريحات تلفزيونية، الإتهامات الموجهة إليه بشأن التحرش، موضحاً أن مواقع التواصل الاجتماعي أبرزت الغضب العارم ضد الفيديوات المفبركة، وفق وصفه. وكانت نيابة شمال الجيزة، أرسلت مذكرة بأقوال زوجة عميد كلية الآداب في جامعة الإسكندرية، في اتهام خالد يوسف بالتحرش بها، إلى المكتب الفني للنائب العام، المستشار نبيل صادق، لأخذ الرأي برفع الحصانة عن يوسف لسماع أقواله في الاتهامات. وفي تعليقها على الأزمة، أكدت الصحافية إلهام أبو الفتح، رئيس شبكة قنوات «صدى البلد» أن المخرج خالد يوسف هو ضيف وصديق نحبه ونحترم مواقفه.وقالت أبو الفتح ل «الحياة»: «الإعلامي أحمد موسى نقل الخبر من مواقع إلكترونية، نشرته بالفعل، في إطار حسن النوايا، وليس من أجل خلافات شخصية بينهما، من الممكن أن تكون هناك أزمة لو كانت الواقعة انفراداً أو تنشر للمرة الأولى، لكن موسى كان ناقلاً عن وليس ناقلاً فقط». وأضافت: «الجميع يعلم أن أحمد موسى وخالد يوسف صديقين، ومثل هذه الأمور لن تؤثر على علاقتهما، واعتقد بأن الأمر سينتهي في أقرب وقت، وموسى لم يقصد التعدي على خصوصيات الآخرين». ورأت أبو الفتح أن الانتقادات التي تطاول أحمد موسى، ما هي إلا دليل على نجاحه، وارتفاع نسبة مشاهدة برنامجه. وفي ردها على تكرار التعدي على أحمد موسى في زياراته خارج مصر، قالت: «أحمد موسى لم يتعرض لاعتداء جسدي، بل مجرد ألفاظ وشتائم، من أناس فقدوا الحجة، والضعيف هو من يلجأ للاعتداء والسب والشتائم، عندما يفقد حجته أو دليله». شكوى جديدة واعتبر المخرج مسعد فودة نقيب المهن السينمائية أن موقف النقابة أعلن في بيان رسمي يدعم خالد يوسف وينتقد أحمد موسى. وقال فودة أن النقابة تقدمت أيضاً بشكوى لنقابة الصحافيين بسبب خروج أحمد موسى عن المهنية، وتابع: «لا ننسى الدور الوطني الذي يقدمه الإعلام، ولكن لا بد من وقفة أمام هذه المسائل». وأكد أن الواجب المهني يحتّم عدم تناول الأمور الشخصية بالإعلام بخاصة لو كانت أمام النيابة العامة في مرحلة التحقيق. وقال فودة: «نناشد الإعلاميين في مصر، مراعاة الحياد، إلى انتهاء التحقيقات، بدلاً من التصعيد، وعلى الإعلام بناء مصر المستقبل، بعد الاستحقاق الثالث من خريطة الطريق، وإذا كان له جمهور، عليه أن يستفزه لإصلاح المجتمع». ولفت إلى ضرورة الخروج بنتائج بعد الاجتماع الذي عقد بنقابة الصحافيين لدارسة ميثاق الشرف الإعلامي. وتساءل: «هل هناك تصفية حسابات مع الداعمين لثورة يناير؟». أدوار معيبة ويرى أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة صفوت العالم، أن الإعلام ليس أداة لتوجيه الاتهامات، فواقعة خالد يوسف مجرد اتهام وليست حقيقة. وأوضح العالم أن الممارسة الإعلامية أصبحت انتقائية، وهناك تدعيم للإنقسام في وسائل الإعلام بين من كان يمثل قيادة للرأي في 25 يناير وتعظيم لرأي من يمثل 30 يونيو. وقال العالم ل «الحياة» : «علينا الانطلاق إلى الموضوع الأكبر. فالقصة ليست خالد أو موسى، إذا كان الإعلام لا يحترم العقول. نحن بحاجة إلى الضبط الإعلامي». ورفض العالم دعوات اعتذار موسى لخالد يوسف، «التصالح بهذه الصورة يتنافى مع الممارسة الإعلامية الصحيحة، وإهمال للقيم الإعلامية والإجراءات المفروض اتخاذها في مثل هذا الموقف». واعتبر العالم، أن الإعلام في مصر، يمارس الفوضى، وأدواراً معيبة، وسط غياب للمواثيق الحقيقية التي تضبطه. كما أشار الى أن التشريعات الإعلامية موجودة منذ 10 أشهر وعلى الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يسأل الحكومة عن سبب تعطلها. إعلام الفضائح ويؤكد الخبير الإعلامي والمدرس المساعد في كلية الإعلام جامعة الأزهر محمد أبوزهرة، أن واقعة موسى ويوسف، صورة سلبية من سيطرة الدولة ورجال الأعمال على الإعلام، وعدم وجود جهات مستقلة تمارس الإعلام بمهنية. وأوضح أبو زهرة أن الهدف من ممارسة إعلام الفضائح التسلط على بعض المشاهير، ونشر حياتهم الشخصية، من أجل تصفية الحسابات، أو الضغط عليهم. وقال أبو زهرة ل «الحياة»: «الواقعة تعد تجاوزاً مثل تجاوزات سابقة لم تتم المحاسبة عليها، بدلاً من تركها للقضاء للفصل فيها. لنا أن نسأل كيف حصل أحمد موسى على هذه الصور، ولو ثبت أنها مفبركة فما تصرفه وما الموقف المفترض اتخاذه؟». سقطات مهنية ومشادات على الهواء لا تعد واقعة أحمد موسى الأولى، فالإعلام المصري يملك سقطات سابقة وتجاوزات أثارت الجدل في الشارع المصري. ولعل أقربها، قضية «فتاة المول» التي تسببت في وقف برنامج «صبايا الخير» ومذيعته ريهام سعيد على فضائية «النهار»، بعد انتقادات كبيرة طاولت البرنامج بعد نشر صور خاصة لفتاة بعد سرقتها من هاتفها. ولا ينسى المشاهد الفيديو الذي بثه أحمد موسى على أنه ضربات روسية لمواقع «داعش» في سورية، ليتضح الأمر أنه مجرد مقطع من لعبة الفيديو الشهيرة «باتلفيلد». كما تسببت منى عراقي في إثارة الجدل بسبب نشر أخبار كاذبة عن ممارسات شاذة عبر حلقة «حمام باب البحر» في برنامجها «المستخبي» على فضائية «القاهرة والناس»، الأمر الذي تسبب في وقفها وحبسها 6 أشهر ودفع كفالة 1000 جنيه بعد إدانتها بتهمة «السب والقذف وإذاعة أخبار كاذبة». وعرف الإعلامي والبرلماني المصري توفيق عكاشة في فضائيته «الفراعين» بمواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، الكوميدية في بعض الاحيان، حتى تحولت تعليقاته إلى جمل ساخرة متداولة بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. هناك وقائع أخرى لخلافات ومشاجرات لفظية على الهواء أمام الجمهور، آخرها مشادة كلامية بين عمرو أديب وخالد صلاح أثناء مداخلة هاتفية من الأخير في برنامج «القاهرة اليوم»، تحولت لاتهامات وتجاوزات لفظية غير مقبولة بين الطرفين.