انشغل الشارع المصري أخيراً بالأزمة التي تسببت فيها المذيعة في قناة «النهار» ريهام سعيد مع «فتاة المول» التي وقعت ضحية التحرش ولجأت إلى الإعلام في محاولة لعرض قضيتها ومشاركة الرأي العام والحصول على حقها. القصة تعود إلى الحلقة التي أذيعت عبر برنامج «صبايا الخير» على فضائية النهار واستضافت فيها ريهام سعيد فتاة تحرش بها أحد المارة واعتدى عليها بالضرب أثناء محاولة الدفاع عن نفسها. وتسبب الفيديو بعد انتشاره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حالة من الجدل. لكنّ الفتاة التي تُدعى «سمية» فضّلت برنامج «صبايا الخير» ليكون منبرها كي تعرض قضيتها، ولم تدرِ أنّ الحلقة ستكون آخر مسمار يُدقّ في نعش برنامج ريهام الذي أثار كثيراً من الجدل. استضافة سمية أو «فتاة المول» لم تُحدث الجدل بعد فيديو التحرش، وقد انتشر في كلّ المواقع. لكنّ الصور الشخصية التي عرضتها ريهام سعيد للفتاة من دون إذنها مثّلت اختراقاً للخط الأحمر، لم يسمح الجمهور أن يتجاوزه، بخاصة أن الصور المعروضة «شخصية» جداً وتُظهر الفتاة شبه عارية بهدف تشويه صورتها والإساءة إلى أخلاقها، وفقاً لما فهمه كثر. انطلقت الشرارة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي وانطلقت مئات الدعوات لوقف ريهام سعيد ومحاكمتها، ومنها صفحة «فايسبوكية» عنوانها «إيقاف ومحاكمة ريهام سعيد»، شملت شخصيات عامة وأدبية وإعلامية، أبرزها الإعلامي باسم يوسف الذي تعهد للشركات المعلنة ل «صبايا الخير» بتقديم إعلانهم مجاناً على حسابه الرسمي على «تويتر» مقابل الانسحاب من البرنامج. واكتمل المشهد بالتصريحات التي أدلت بها «فتاة المول» لأكثر من وسيلة إعلامية وقالت فيها إن «فريق برنامج «ريهام سعيد» حصل على صورها الشخصية أثناء شحن الهاتف وقت تصوير البرنامج، ومطالبتها بالتوقيع على مستند تؤكد فيه مسؤوليتها الكاملة عما ورد بالحلقة، لتتسبّب الحلقة في أزمة حقيقية استفزت مشاعر الكثير من المشاهدين، وأثارت غضبهم. ربما لم يدرك مسؤولو قناة النهار، ردّ الفعل القوي الذي قوبلت به حلقة «فتاة المول»، والذي تكلّل بانسحاب رسمي للشركات المعلنة والرعاة للبرنامج واحدة تلو الأخرى، وهو ما اتضح في تأخر تعليقها، بعد تراجعها عن إلغاء حلقة تجمع الإعلامي خالد صلاح وريهام سعيد، ونشر بيان تقدم فيه الاعتذار إلى المشاهدين وتعلن تعليق البرنامج. وجاء في بيان النهار: «قررت شبكة تلفزيون النهار، تعليق بثّ برنامج «صبايا الخير» وفتح تحقيق موسع بشأن الحلقة المثار بسببها الجدل، وتؤكد اعتذارها لكل من استاء من الحلقة، واحترامها لكل سيدة وفتاة من بناتنا وأهالينا وشعبنا الكريم». اعتذار من دون خسارة وفي تعليقه على الأزمة، أكد عمرو الكحكي، مدير «قناة النهار»، وجود تجاوز في حلقات ريهام سعيد، «لكن هناك حملة ممنهجة ضد القناة، لتشويه الصورة بشكل عام». وأوضح الكحكي ل «الحياة» أن «مجلس إدارة النهار، كان يريدها أن تغادر شخصياً، قبل إيقاف البرنامج الذي كان سيتوقف بلا جدال مع اعتذارها، لكنّ تيار الإيقاف بلا اعتذار منها كسب في النهاية، والشركة التي تعمل بطريقة مهنية لا بد أن تصحح وضعاً امتد أكثر من اللازم، لتباين الآراء في الإدارة حول طبيعة التعامل مع الموقف، وليس أن الموقف صح أو خطأ». وأعلن الكحكي أن شركات الإعلانات التي ترعى «صبايا الخير» والتي انسحبت من برنامجها، ذهبت إلى برامج أخرى، ولم تتسبب في خسارة القناة. وانتقد أيضاً الهجوم الذي تعرضت له «النهار»، في مقابل تجاهل برامج وشخصيات إعلامية في محطات فضائية أخرى، تحرّض على الدجل والشعوذة والشذوذ، وتقدم سقطات مهنية، من دون أن يلتفت لذلك أحد. وأردف: «من الإنصاف التحدث عن النجاحات التي حققتها النهار والجوائز والتنويهات التي استحقتها أخيراً. ومثلما حدث مع برنامج ريهام سعيد، علينا أن نذكّر بالشكر الذي تقدمت به لجنة تقييم الأداء الإعلامي للانتخابات، بسبب ما وصفته بالتغطية المهنية». وتقدم الكحكي بالاعتذار شخصياً، عن حلقة «فتاة المول» وحلقات أخرى في «صبايا الخير»، على رأسها حلقة اللاجئين السوريين، التي تسببت في جدل واسع بعدما اعتبرها كثيرون إهانة لا تُغتفر للشعب السوري. تصفية حسابات من جانبه، يرى الدكتور سامي الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق، أنّ ريهام سعيد تجسّد حالة الفوضى في الإعلام الذي يعاني الانفلات وغياب ضوابط اختيار الإعلاميين. وقال الشريف ل «الحياة»: «الإعلام المصري يعاني من هؤلاء الذين امتهنوا الإعلام مصادفة وحققوا الأرباح الطائلة، وراء الإثارة، وعليه أصبحت ميزان سوق الإعلام، هذه الإثارة، في ظل اختراق خصوصيات الناس، والبعد عن معايير الإعلام. وعلى رغم ما تقدمه ريهام من برامج لمساعدة المحتاجين، لكنها قدمت الكثير من الحلقات المثيرة للجدل حول الجنس والدعارة، كما أن لها خصومات كثيرة، لكن جرح مشاعر فتاة تعرضت للتحرّش، والمشاركة في سرقة صورها، جرح بدوره مشاعر الأسرة المصرية». وأضاف: «ما قام به مقدمو البرامج في بعض الفضائيات، يمثّل تردياً واضحاً، وتصفية للحسابات، من شخص ريهام سعيد، لأن أغلبهم لا يراعون المهنية والضوابط في العمل الإعلامي، وأنا ضد حبس المذيعة بسبب هذا التصرف، وتعطيل حرية الإعلام، لكن مع الإجراءات التي تتخذها المحكمة بشكل قانوني». وأوضح الشريف أن الاعتذار الذي قدمته النهار وربما جاء متأخراً، وتعليق البرنامج شيء جيد يحسب لصالحها. وأكد ضرورة إيجاد حلول لما وصل إليه العمل الإعلامي في مصر، «الدستور نص على إنشاء ثلاث لجان لتنظيم قوانين وتشريعات الإعلام، لم ينشأ منها لجنة واحدة، ومن أمن العقاب أساء الأدب». ودعا الشريف الدولة المصرية إلى التدخل لوضع نهاية للوضع المتردي للإعلام، وفرض تشريعات تحمي حقوق الجمهور وخصوصياته، معوّلاً على البرلمان المقبل كي يسعى إلى إنشاء هيئات الإعلام وتنظيم العمل الإعلامي. وكانت ريهام سعيد أعلنت استقالتها من «النهار»، عبر حساب البرنامج الرسمي على «فايسبوك»، قبل مسح التعليق وكتابة «لن أتحدث الآن... والحقيقة ستظهر يوماً من الأيام، وهي صعبة وفوق قدراتكم على التخيل. وداعاً يا مجتمع الفضيلة والحق». وبلغ عدد التوقيعات المطالبة بوقف البرنامج نحو 80 ألف توقيع، فيما توالت بلاغات من محامين تطالب بالتحقيق مع المذيعة ومحاكمتها.