هل نواجه هذه الأيام ثورة كبرى في عالم النشر وطباعة الكتب؟ هل تواجه دور النشر، وكل ما يتصل بها من مطابع كبيرة ودور تصميم ومحترفات تغليف الكتب، شكلا جديدا من أشكال طباعة الكتاب؟ تنقل لنا وكالات الأنباء أنه قبل أيام قليلةانتصبت في دار نشر بلاكويل البريطانية، الواقعة في شارع تشيرينغ كروس (أو ما يسمى شارع الكتب) في لندن، آلة ناسخة عملاقة قادرة على تزويد القراء بأي عنوان من خمسمائة ألف عنوان بين الكتب التي أنتجتها الإنسانية. حتى المخطوطات القديمة والنسخ النادرة من الكتب يمكن تلك الآلة طباعتها وتوفيرها للقراء. الآلة التي أطلق عليها منذ سنوات The Book Espresso Machine، أي أنها تعد الكتاب كما تعد الآلات فنجانا من القهوة في المقاهي المنتشرة في أرجاء المدن المختلفة، تقوم بطباعة صفحات الكتاب وتغليفه تماماً كما تفعل المطابع الكبيرة. واللافت أن ذلك يتم خلال نحو خمس دقائق بينما ينتظر طالب الكتاب جانبا، ليشرب قهوته أو فنجان شايه أو يزرد شطيرته. أول مرة سمعت عن هذا النوع من طباعة الكتب كانت في محاضرة للباحث إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، في ندوة لمجلة «العربي» في الكويت قبل زهاء ثلاثة أعوام. كان الرجل متحمساً للغاية لهذا النوع من التطور في صناعة الكتاب وتنبأ حينها أن تلك الآلة سوف تحل محل المطابع الكبيرة. وقد أدهشتني الفكرة وقتها، ودهشت أكثر عندما علمت أن آلة شبيهة بتلك التي تمتلكها دار نشر بلاكويل الشهيرة موجودة في مكتبة الإسكندرية نفسها، وهي تعمل على تزويد من يقصدها بالعناوين الموجودة لديها من الكتب القديمة والمخطوطات وما نفد من السوق من الكتب التي لا تخضع لقانون حقوق النشر، أي الكتب التي مر على نشرها أكثر من خمسين عاما وأصبحت ملكيتها للجمهور القارئ. هذا ما تقوم به دار نشر بلاكويل أيضا، لكنها تطمح إلى زيادة عدد العناوين التي لديها إلى أكثر من مليون عنوان؛ كما أنها تطمح إلى تزويد القراء بعناوين حديثة بالاتفاق مع دور النشر. فإذا أصبح ذلك ممكنا فإن دور النشر لن تعود بحاجة إلى طباعة كتبها في مطابع كبيرة، وسيصبح بإمكان أي قارئ أن يذهب إلى مقهى أو مكتبة لديها هذا النوع من الخدمة ويطلب الكتاب الذي يريد. إنها ثورة حقيقية في عالم الطباعة والنشر، وفتح سيمكّن دور النشر والمكتبات الصغيرة من منافسة دور النشر والمكتبات الكبرى. لا ضرورة بعد اليوم للمساحات الواسعة والأرفف التي تعلوها الكتب، لأن بطن آلة صنع الكتاب - القهوة ستتسع لما لا يحصى من العناوين والصفحات. كل ما تحتاجه تلك الآلة هو الورق والحبر وورق الغلاف، وذلك يمكن توفيره كلما احتاجته المكتبة من مخزن صغير ملحق بها. دخل الكتاب عالما جديدا لم نتخيله على الإطلاق، وقد يصبح ممكناً في المستقبل أن نشتري آلة شبيهة مصغرة (وربما يكون سعرها أرخص مئات المرات من سعر آلة بلاكويل) ونطبع بها ما نريد من كتب!