يبدو ان ستيف جوبز، مؤسس شركة «آبل» للكومبيوتر ومديرها، قد فعلها مجدداً. وبعد ان ضرب استراتيجياً مرتين في أقل من خمس سنوات، مع «آي بود» iPod و «آي فون» iPhone، أثبت ان نبع العبقرية عنده لم ينضب، على رغم شيبه وسنيه التي جاوزت الخمسين، فهزّ عالمي المعلوماتية والاتصالات معاً بإطلاقه جهاز «أي باد» iPad. لماذا هذا المنتج هو ضربة استراتيجية كبرى؟ المسألة تتجاوز أنه مزيج من كومبيوتر وخليوي. ثمة أجهزة تتمتع بهذه الصفة، لكنها لم تحرز نجاحاً كبيراً على رغم توافرها منذ سنوات طويلة، ولعل أبرزها هو «أي باك» الذي تصنعه شركة «آتش بي». ويصعب اختصار التغيير الذي فتح أفاقه بالاستفادة من شيوع تقنيات مثل الشاشات التي تعمل باللمس، وانتشار الهواتف الذكية التي تقدر على التعامل مع مواقع الإنترنت. ولا يختصر الأمر حتى بانتشار أجهزة قراءة الكتاب الإلكتروني، مثل «كيندل» (من صنع شركة «أمازون») و «ريدر» (تصنعه شركة «سوني»)، والتي أشارت الى وجود نهم هائل لدى جمهور الكومبيوتر والغنترنت للقراءة، على عكس ما يسهل على بعضهم ترداده. ويزيد في ضرورة التأمل في «آي باد»، أنه يركض على حطام تجارب فاشلة لإنتاج أجهزة ذكية تتكثّف فيها أبعاد عالمي المعلوماتية والاتصالات، على غرار أجهزة ال «ميني لاب توب» التي تنتجها أكثر من شركة، إضافة الى فشل تجربة كومبيوتر الإنترنت وحاسوب اليد (مثل «بالم كومبيوتر») وغيرها. وفي إنطباع أولي، يبدو ان جوبز كرّر ميله الواقعي لصنع أجهزة انطلاقاً مما يثبت أنه يمثّل حاجات الناس، وليس إسقاط منتجات تقنية عليهم. فقد استند الى رواج الموسيقى الرقمية وأشرطتها ومواقع تبادلها، عندما أطلق مشغل الموسيقى «آي بود». وارتكز الى «آي بود» نفسه، وإلى الرواج المذهل لأجهزة الخليوي وشبكاتها، وما توضّح من ميل الجمهور لاستعمال جهاز صغير للاتصال والترفيه الشخصي والبريد الإلكتروني والتحاور عبر الإنترنت واستعمال المواقع الاجتماعية مثل «فايسبوك»، فجمع تلك الأشياء في جهاز «آي فون» وغلفّها بشاشة تعمل باللمس ضمن أداة تعمل بتقنيات غير معقّدة. وفي نظرة عجلى، يتبنى «آي باد» المتغيّرات الضخمة التي حدثت في المحتوى، خصوصاً الاهتمام الهائل بالكتاب (وبمجمل القراءة) الذي اشّرت إليه مبادرات مثل «مكتبة غوغل» التي تحتوي مئات ملايين الكتب، و «المكتبة العالمية» التي تشرف عليها «مكتبة الكونغرس» ومنظمة «يونسكو» وغيرهما. ويتبنى «آي باد» الألعاب الإلكترونية، وهي من المحتوى الفائق الأهمية، وميل الجمهور النهم للأشرطة القصيرة، كما ظهر في رواج «يوتيوب»، إضافة الى تحوّل أفلام الشاشة الصغيرة الى صناعة ترفيه قوية. لقد جُمعت تلك الأبعاد كلها في جهاز واحد، لا ينسى أهمية الاتصالات الخليوية، وصولاً الى الجيل الثالث وتقنياته، واللاسلكية مثل «واي فاي» التي باتت «نقاطها الساخنة» منتشرة وتعمل كمنصات لاتصال الجمهور مع الإنترنت. وباختصار، كأنه جهاز صُنع من الأسفل الى الأعلى، بالمعنى الحرفي للكلمة. وبديهي القول انه يغيّر عالمي المعلوماتية والاتصالات، لأنه يؤشر إلى اتجاه جديد في هاتين الصناعتين، بمعنى التشديد على صنع أجهزة تستجيب ما يتطلبه الجمهور، خصوصاً الشباب، من التقنية وليس العكس، على نحو ما تفعله شركات التكنولوجيا الرقمية والاتصالات لحد الآن.