ارتفعت أخيراً درجة المخاوف الغربية والأميركية من عمليات إرهابية قد ينفذها تنظيم «القاعدة» في اليمن ضد منشآت وأهداف على درجة عالية من الأهمية، خصوصاً مع وجود تقارير استخباراتية أميركية تتحدث عن تنامي قدرات «القاعدة»، وتوفر المناخ المناسب لتحرك المتطرفين الذين يتواجدون في بيئة غير مستقرة، يعجز معها النظام الحاكم عن القيام بدوره كما ينبغي بسبب مشاكل أمنية وسياسية واقتصادية، ما جعل التنظيم يمثل «تهديداً للأمن القومي الأميركي واليمن» على حد سواء. ويواجه اليمن الذي أضحى محور اهتمام أجهزة الاستخبارات على مستوى العالم الكثير من الانتقادات والضغوط الدولية وبخاصة الأميركية، التي ترى أنه لا يزال عاجزاً عن ملاحقة عناصر «القاعدة» والحد من تحركاتهم داخل أراضيه، على رغم كل الجهود التي يبذلها في سياق شراكته للمجتمع الدولي في الحرب ضد الإرهاب، وما يبديه من تعاون في هذا الشأن وبخاصة مع أميركا، والنجاحات التي يرى أنه حققها في العمليات الاستباقية التي نفذها خلال الشهور الأربعة الماضية ضد مراكز وتجمعات عناصر «القاعدة» في أكثر من منطقة. غير أن هذه الجهود في نظر واشنطن لم تقض على التنظيم الإرهابي وبالتالي فالخطر لا يزال قائماً، بل وأشد من أي وقت مضى، خصوصاً مع وجود تقارير تتحدث عن نجاح الفرع المحلي للتنظيم في استقطاب عشرات العناصر الأجنبية إلى صفوفه، بما في ذلك عناصر أميركية، وعناصر من دول مجاورة كالسعودية ودول الخليج، إضافة إلى أولئك القادمين من جنوب شرقي آسيا وباكستان وغيرها من الدول، علاوة على أن التنظيم لا يزال يحتفظ بكافة قياداته الإقليمية المؤثرة، ويتمتع بقدرة عالية على المناورة وإثبات الوجود، من خلال البيانات والرسائل الصوتية التي يدلي بها قادته بين الفينة والأخرى. تهديدات في البحر وتعززت مخاوف واشنطن إثر المعلومات التي كشفتها استخبارات البحرية الأميركية في 21 آذار (مارس)، والتي توقعت فيها تنفيذ «القاعدة» عمليات إرهابية تستهدف السفن والبوارج التي تبحر قبالة السواحل اليمنية، وبأسلوب مماثل للهجومين اللذين استهدفا المدمرة الأميركية «يو أس أس كول» قبالة خليج عدن في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2000، وناقلة النفط الفرنسية «ليمبرج» أمام سواحل محافظة حضرموت في تشرين الأول 2002. وقالت استخبارات البحرية الأميركية في بيان نشره موقعها على شبكة الإنترنت إن «السفن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي بين اليمن وجيبوتي وخليج عدن على امتداد الساحل اليمني هي الأكثر عُرضة للخطر»، وأكدت أن «المعلومات تُشير إلى أن تنظيم القاعدة لا يزال مهتماً بالهجمات البحرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن على امتداد ساحل اليمن»، الذي قد يستخدم فيه «القاعدة» زوارق ملغومة مثلما حدث مع «كول» و «ليمبرج»، وقد يلجأ «للصواريخ والمقذوفات». السلطات الأميركية لم تكتفِ بالتحذير من الهجمات المحتملة ل «القاعدة»، ولكنها أيضاً أوفدت وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات في الولاياتالمتحدة الأميركية جيمس كلابر، الذي التقى الرئيس اليمني على عبدالله صالح مساء الاثنين 22 آذار، وقالت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» التي بثت الخبر أن اللقاء «بحث العلاقات الثنائية ومجالات التعاون المشترك وفي مقدمها التعاون في المجال الأمني والتدريب ومكافحة الإرهاب وخفر السواحل، كما تناول البحث الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والصومال وجهود مكافحة القرصنة». ووفقاً لمصادر ديبلوماسية غربية في صنعاء تحدثت إلى «الحياة» فإن المسؤول الأمني الأميركي أبلغ السلطات اليمنية تلقي أجهزة الاستخبارات الأميركية معلومات تؤكد وجود تواصل بين عناصر «القاعدة» في اليمن والصومال، وأن جيمس كلابر عبر عن مخاوفه من انتقال متشددين إسلاميين في القرن الأفريقي إلى الأراضي اليمنية ضمن مجموعات اللاجئين الصوماليين الذين يدخلون البلاد يومياً بالعشرات وأحياناً بالمئات، وقالت المصادر أن وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الاستخبارات طلب من اليمن تشديد إجراءاته الأمنية والرقابية على السواحل اليمنية، وأبدى استعداد بلاده لتقديم المزيد من الدعم لليمن في هذا الجانب، علاوة على تبادل المعلومات الأمنية التي ترصد تحركات العناصر المشتبهة. المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها أكدت أيضاً أن واشنطن تمارس ضغوطاً كبيرة على صنعاء، لتنفيذ ضربات جوية جديدة تستهدف «القاعدة»، مماثلة للضربات التي استهدفت عناصرها في محافظتي أبين وشبوة، غير أن السلطات اليمنية بحسب مصادر أمنية وسياسية، تفضل التعامل مع تلك العناصر بطرق أخرى تجنبها الحرج أمام مواطنيها، وفي الوقت نفسه تحقق نتائج إيجابية على صعيد مكافحة الإرهاب وتضيّق الخناق على «القاعدة». 40 ضربة جوية وأعلنت وزارة الداخلية اليمنية أنها تواصل ملاحقة العناصر الإرهابية على مدار الساعة ولن تتوقف أبداً، وستضربها بقوة في كل مكان تظهر فيه، وأكدت أن اليمن لن يكون بعد اليوم ملاذاً آمناً للإرهاب والعناصر الإرهابية من تنظيم «القاعدة»، التي أصبحت تعاني من شلل تام وعزلة كاملة في مناطق نائية ووعرة وخالية من السكان في محافظات أبين وشبوة ومأرب ومناطق أخرى، بحيث لم تعد هذه العناصر قادرة على مغادرة مخابئها، والظهور في أي مكان عام، لأن الأجهزة الأمنية تقف لها بالمرصاد، بعد الضربات القاسية التي وجهتها للتنظيم الإرهابي وقياداته، وأشارت إلى أن أجهزة الأمن تتعامل مع تهديدات «القاعدة» بجدية، وأنها فرضت إجراءات مشددة على السواحل اليمنية والمدن والمناطق القريبة منها. وقالت الوزارة أن أجهزة الأمن وجهت 40 ضربة نوعية للعناصر الإرهابية خلال الفترة الماضية، كان آخرها الضربة التي نفذت مساء الأحد 14 آذار 2010، والتي أودت بحياة زعيم «القاعدة» في محافظة أبين جميل العنبري، وسمير الصنعاني وهو من أصول سعودية، واعترفت مصادر مقربة من التنظيم ل «الحياة» بأن مقتل العنبري «يمثل ضربة موجعة، باعتباره من القيادات الهامة والخطيرة، مشيرة إلى أنه سافر إلى العراق لمقاتلة القوات الأميركية، وعاد إلى اليمن بين عامي 2005 و2006، وتمكن في مرات عدة من الإفلات من كمائن كانت تنصبها له أجهزة الأمن في الكثير من المواقع بينها مطار صنعاء عند عودته من العراق». المخاوف الأميركية من عمليات إرهابية محتملة ينفذها تنظيم «القاعدة» ضد سفن وبوارج أميركية وغربية تتواجد على مقربة من السواحل اليمنية لم تأت من فراغ، ولكنها تستند بحسب المصدر الديبلوماسي الغربي إلى «معلومات دقيقة استخلصتها أجهزة الاستخبارات الأميركية من تحليلها للرسائل الإعلامية لقادة «القاعدة» ومن المعلومات التي جمعتها طائراتها التجسسية المتواجدة بشكل دائم في سماء اليمن»، ويؤكد مواطنون يمنيون في محافظات أبين وشبوة ومأرب اتصلت بهم «الحياة» أن طائرات التجسس الأميركية تحلق فوق مناطقهم على ارتفاعات منخفضة تسمح لهم برؤيتها بسهولة. مصدر مقرب من «القاعدة» ولم يستبعد مصدر مقرب من تنظيم «القاعدة» تنفيذ عمليات «استشهادية تستهدف أساطيل الصليبيين التي تحتل سواحل اليمن ومياهها الإقليمية» على حد قوله، واستدل المصدر الذي تحدث إلى «الحياة» وطلب عدم ذكر اسمه بالتسجيل الصوتي الذي بث في 8 شباط (فبراير) الماضي لنائب زعيم تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» السعودي سعيد الشهري، الذي تحدث فيه عن تطلعات تنظيمه للسيطرة على مضيق باب المندب، وقال الشهري في حينه «هذه الحرب قد خطط لها منذ زمن وكما سمعنا ورأينا فهذه التحركات الدولية وتداعي الأمم الكافرة وأعوانها يبين لنا أهمية هذه الحرب العقائدية لعدونا وما تعني لهم جغرافية المنطقة وبخاصة البحرية وأهمية باب المندب الذي لو تم لنا السيطرة عليه وإعادته إلى حاضنة الإسلام لكان نصراً عظيماً ونفوذاً عالمياً». وأشار الشهري في التسجيل الذي يعد الأول من نوعه أن أميركا تقوم «بجمع المعلومات من خلال طائرات تجسس من دون طيار، وحذر القبائل اليمنية من هذه الطائرات التي أكد أنها ما زالت تحلق في سماء مناطق يمنية عدة لتحديد المواقع التي سيتم قصفها لاحقاً، ودعاهم إلى «عدم التعاون مع العملاء الذين يتآمرون على المسلمين»، وقال في اختتام التسجيل أن الجهاد يعد المخرج الوحيد أمامهم. خطابا الشهري وبن لادن وكشف المصدر «أن حديث الشهري الذي جاء في أعقاب التسجيل الصوتي لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وبثته قناة الجزيرة في 29 كانون الثاني (يناير) الماضي، «مثل استجابة لتوجيهات الشيخ أسامة التي حملها تسجيله الصوتي» الأمر الذي يرفع درجة المخاوف مما يخطط له عناصر التنظيم وتحمله الأيام المقبلة لجهة المواجهة مع القوات اليمنية، ويأتي مؤشر الخطورة وفقاً للمصدر من «تناغم الخطاب الإعلامي التهديدي لقيادة فرع جزيرة العرب في اليمن مع خطاب زعيم «القاعدة» في أفغانستان الذي حمل مؤشرات جوهرية التقطت بعناية وتمت ترجمتها في الخطاب الأخير للشهري». وكان أسامة بن لادن دعا إلى الامتناع عن التعامل بالدولار و«التخلص منه بأسرع ما يمكن، لتحرير البشرية من الرق والتبعية لأميركا وشركاتها». وقال: «أحسب أنه ستكون خسارته (الدولار) أمام اليورو أكثر من 100 في المئة بكثير»، وتابع: «لا يخفى على العارفين بالعلوم العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أن نجم أميركا إلى أفول واقتصادها إلى ذبول، وسفينة الدولار تغرق والسعيد من وُعظ بغيره»، واختتم بن لادن بالقول: «فيا أيها الناس، أهل الأرض جميعاً، ليس من الإنصاف والعدل ولا من الحكمة والعقل أن يترك العبء على المجاهدين وحدهم في قضية يعم ضررها العالم أجمع، فالمطلوب منكم يسير، وهو أن تحكموا عليهم الحصار». المصدر المقرب من «القاعدة» أوضح أن هذا التسجيل كان عبارة عن «رسائل وأوامر واضحة لشبكة «القاعدة» في العالم عامة وفرع اليمن بخاصة»، وقال إن الحديث عن الدولار كان بمثابة «التحذير من التحويلات البنكية بين فروع التنظيم وعناصره المنتشرة في معظم دول العالم، والبحث عن وسائل أخرى أكثر أمناً، وفي ذات الوقت التخطيط لعمليات تستهدف بدرجة رئيسية المصالح الاقتصادية، بالتزامن مع الأهداف العائمة في البحر»، وأكد أن المقصود من قول زعيم القاعدة «وسفينة الدولار تغرق» هو «ضرب السفن والمنشآت الحيوية»، في حين أن دعوته لمساندة «المجاهدين» والتي ذيلها بعبارة «أن تحكموا عليهم الحصار» تمثل دعوة «لكل عناصر القاعدة لمساندة إخوانهم المجاهدين في اليمن لتخفيف الضغط والحصار المفروض عليهم من خلال تنفيذ عمليات غير متوقعة من خارج الأراضي اليمنية». وكانت أجهزة الأمن اليمنية لجأت خلال الشهرين الماضيين إلى العمليات الخاطفة، ومداهمة المواقع التي يوجد فيها عناصر «القاعدة» تفادياً لتكرار ما حدث في أول ضربة جوية استهدفت تجمعاً للتنظيم في منطقة المعجلة بمحافظة أبين جنوب البلاد في 17 كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، وهي الضربة التي تسببت في مقتل 42 من الضحايا المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال، الأمر الذي سبب للحكومة اليمنية حرجاً شديداً ودفعها أخيراً للاعتذار العلني عن العملية على لسان نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن وزير الإدارة المحلية رشاد العليمي، الذي التزم أيضاً أمام البرلمان نيابة عن الحكومة بتعويض أسر الضحايا والاهتمام بتنمية المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات. انتقادات للانتهاكات وتلقت السلطات اليمنية انتقادات حادة وواسعة بسبب تلك العملية، علاوة على اتهامها بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في سياق حربها على الإرهاب، حيث كشفت ندوة حقوقية في صنعاء أن الحرب على الإرهاب في اليمن تطاول بإجراءاتها القاسية والمخالفة للنظم والقوانين أبرياء لا ذنب لهم بما يحدث من عمليات إرهابية، وعدد السكرتير التنفيذي لمنظمة «هود» الحقوقية المحامي أحمد عرمان في الندوة التي أقامتها منظمة (سجين) تحت عنوان «ضحايا الحرب على الإرهاب»، أشكال الانتهاكات التي تبدأ بالاختفاء القسري و «الرهائن» والاعتقالات، من دون مسوغ قانوني، إضافة إلى دخول المنازل من دون إبراز إذن قضائي، واقتياد العديد من أقارب وأصدقاء ومعارف المتهمين الفارين إلى الأمن السياسي واحتجازهم لفترات.