لا تخرج مقولة «عمره الفني أكبر من الفعلي» عن المجاز، إلا في حال الممثل والنجم قيس الشيخ نجيب، إذ يعتلي المسرح مذّ كان جنيناً في رحم أمه الفنّانة خديجة العبد التي كانت حاملاً به في شهرها السادس، حين مثّلت في مسرحية «غربة» لمحمد الماغوط، مع والده الممثل والمخرج محمد الشيخ نجيب الذي مرّت ذكرى رحيله منذ أيام قليلة. يفرض هذا الإرث الفني شروطه على الفنان السوري حتى اليوم بكل ميزاته وأعبائه، إذ يظل أحد القلائل الذين يأتي الدور إليهم ولا يذهبون إليه، على رغم إدراكه أن ذلك قد يقلّل من حضوره أحياناً. يستذكر الشيخ نجيب والده ووالدته في مقابلة مع «الحياة»: «هما المعلمان الأولان، كبرت في كنف عائلة فنيّة، احترمَت خياراتي وساعدتني. وبسبب خوفي من أن يقال عني إنني وصلت إلى النجومية بسبب والدي، لم أتجرأ على الوقوف إلى جانبه في أعماله، إلا بعدما استحققت فعلاً لقب ممثل». يشعر الشيخ نجيب بالرضا عن كل ما قدّمه درامياً، فيقف إلى جانب أهم وجوه الدراما من جيله: قصيّ خولي، باسل خيّاط، مكسيم خليل وتيم حسن وآخرين. الشيخ نجيب لم يدخل «كارتيل» ماكينات التسويق عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فحساباته بيده حصراً وتواصله مباشر مع جمهوره، على رغم معرفته الجيدة بمعايير الانتشار، لكنها طريقته للحفاظ على معادلته الخاصّة «الممثل النجم». يقول: «النجومية صفة تتربص بكثيرين ممّن ظنوا أنهم ممثلون لكنهم هبطوا فجأة ونسيهم الجمهور، أمّا من يخلّد في الذاكرة فهو الممثل النجم الذي إن عرف كيف يدير ويطوّر نفسه سيستمر ويصبح إرثاً فنيّاً». لا يندم الشيخ نجيب على أيّ عمل قدمه. يوضح: «أتأنى كثيراً واعتذر عن كثير من الأعمال، اختار فقط المناسب لي والذي أحبه وأقتنع به، فأقدم الشخصية بعد تعب وجهد حقيقي، وأعطي من قلبي في كل تجربة أؤديها». ولكن هل تغيرت معايير اختياره للأدوار بعد سنوات الخبرة المتراكمة؟ يجيب بثقة إنه يحافظ على الصدق كمعيار دائم وثابت، لكن الشرط الأساسي «أن يضيف لي كل دور شيئاً جديداً إلى مسيرتي. التجديد بالشخصيات والمواضيع ضروري جداً». ويكشف المساومة الفنية الوحيدة التي قد يقدمها: «لا أرفض دوراً أحبه حتى إذا لم يكن دور البطولة، قد أشارك كضيف في عمل إذا أعجبتني شخصية ما ستضيف الكثير إلي، فأؤديها من دون أي تردد». يقضي الشيخ نجيب أيّامه البيروتية في قراءة عدد من النصوص الجديدة لأعماله المستقبلية، بعد أن أنهى أخيراً تصوير خماسية «امرأة كالقمر» (كتابة ريم حنّا وإخراج المثنى صبح) في الجزء الثالث من «أهل الغرام». يؤدي فيها دور البطولة إلى جانب سلافة معمار، بشخصية «شاب مغترب في إسبانيا لعشرين عاماً، يأتي في إجازة إلى لبنان مكان إقامة أخته التي تبدأ عملية البحث عن عروس له، في حين يقع هو في غرام امرأة أخرى». لا يعتبر «أهل الغرام» مجرد عمل جديد، بل «صاحب مكان في الوجدان»، يستذكر مشاركته في الجزء الأول قبل عشر سنوات، ويعتبر أن وجوده في الجزء الثالث منه اليوم هو «بسبب الشعور بالانتماء للعمل، الذي لاقى جماهيرية واسعة ويجتمع فيه أهم نجوم وكتاب ومخرجي سورية في خماسيات منفصلة لكل منها خصوصية ورمزية محددة، في عمل أعاد جمع شمل عدد كبير من صنّاع الدراما السورية، وأرجعنا إلى حالة من النوستالجيا، شعرنا من خلاله أننا نقدم فناً حقيقياً». يرفض الشيخ نجيب تصنيف تقديم الدراما السوريّة أعمالاً بعيدة من الأزمة الحالية في وطنه أمراً خاطئاً. يعتبر أن «هناك كثيراً من الأعمال التي تتحدث عن الأزمة. لكن المشاهد بحاجة إلى الابتعاد عن أخبار الموت، نحن من خلال تقديم الأعمال الاجتماعية والرومانسية مثل «أهل الغرام» نعيد إلى الناس حنينهم إلى الحب الصادق وإلى المشاعر الحقيقية والإنسانية، لأن الحب هو وسيلة النجاة من براثن الحب، وفي ظل سقوطنا في بحر من الدماء، تخلق أجمل قصص الحب وأكثرها استثنائية وغرابة». ويضيف في جوابه تساؤلاً: «هل يمكنك كصحافي أن تحصر كتاباتك في فلك موضوع واحد؟».