يعتبر العمل التطوعي في فلسطين جزءاً من تراث شعبها الذي مارسه بفئاته كافة، وتجسّد ذلك عبر ما كان يعرف ب «العونة» في قطف الزيتون، وعقد سقوف البيوت وحصاد القمح والسمسم، وغيرها من الأعمال الجماعية التطوعية التي اتصف بها هذا المجتمع منذ القدم. ولأنه واجب وطني، اجتماعي وإنساني وديني، استهدف الاحتلال الإسرائيلي العمل التطوعي، إلا أن الإنسان الفلسطيني أصرّ على رغم المعوقات الكثيرة، على تقديم العون والمساعدة لمن يحتاج من دون مقابل. ومع تطور المجتمع الفلسطيني تطورت «العونة»، مع حفاظها على شكلها ومضمونها، وباتت تحت اسم العمل التطوعي أو التعاوني، واعتبرت الجامعات الفلسطينية العمل التطوعي أحد مساقات التخرّج، لما له من أهمية اجتماعية ومن فائدة، تعود على الفرد والجماعة بالنفع. ويُقوّم المختص الاجتماعي عرفات حلس حالة التطوع التي يعيشها قطاع غزة، بالإيجابية مقارنة مع الوضع العام في القطاع وسط التناحر السياسي وسوء اقتصادية، بما يعكس حالة مبهرة من التفاعل مع قضايا المجتمع ومشكلاته، في محاولة للمشاركة في التخفيف من عبئها، من خلال تنفيذ مبادرات تأخذ على عاتقها تحقيق أهداف ومرامٍ مجتمعية. في الوقت عينه، يرى حلس أنّ نجاح التطوع في قطاع غزة مرهون بعنصرين، أولهما ممارسة التثقيف بأهمية قيمة العمل التطوعي وأخلاقيته، ومنه زرع مفاهيم التطوع منذ مراحل الطفولة الأولى، بحيث يقع هذا العبء وفق قوله على المؤسسات الإعلامية والتعليمية. وثانيهما هو تنظيم مستويات عملية التطوع بما يساهم في إيصال الرسائل المنشودة. وتشير مديرة جمعية الخريجات الجامعيات مليكة السقا إلى الأثر الإيجابي الذي يحدثه التطوع لدى الخريجات اللواتي يجدن في الجمعية مساحة لاكتشاف قدراتهن وتطويرها في مجالات اختصاصاتهن المختلفة، لافتة إلى الكم الكبير من المتطوعات اللاتي يرغبن بالالتحاق بالمؤسسة. أحمد بعلوشة تطوّع لدى مؤسسات أهلية عدة، لفت إلى استغلالها الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، والتي تدفع بكثيرين إلى التطوع لفترات طويلة، أملاً بالحصول على وظيفة في ما بعد، مشدداً على ضرورة العمل التطوعي في حياة أي فرد، نظراً إلى أثره في تطوير المهارات والأساليب المعرفية وبناء الخبرة، وتحقيق الرضا بالذات تحديداً. وقد نجحت مبادرات تطوعية عدة على صعيد التنظيم المجتمعي، من أبرزها مبادرة الدعم النفسي للمعوقين من خلال الموسيقى التي ينفذها المركز الوطني للتأهيل المجتمعي، إلى مبادرات أخرى تحمل في مضمونها رسائل لاذعة وناقدة للمجتمع، سعياً إلى إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع.