«أنغام من الشرق» وجدها سكان أبو ظبي قبل يومين موزعة على أبوابهم، كتيبات دعائية تزينها منمقات شرقية على ورق فاخر. تقدم الكتيبات برنامج هذا الاحتفال في عامه الثاني الذي يبدأ اليوم وينتهي السبت المقبل في التاسع من الجاري. في أي حال هذه ليست المرة الأولى التي تقدم هيئة ابو ظبي على الترويج لأنشطتها الثقافية بالأساليب «الشعبية». فكما تجد صباح كل يوم تقريباً منشوراً ما يروج ل «دليفري» أحد المطاعم أو صالون تجميل أو حتى منشوراً دعائياً، فقد بت تحصل على برامج كل الانشطة الثقافية الكبيرة في المدينة عند بابك، هذا عدا اللوحات الاعلانية التي تملأ المدينة مع كل نشاط. وبدأت طريقة الترويج هذه مع مهرجان السينما الدولي نهاية العام الماضي، وقد علقت برامجه على ابواب البيوت كلها، وكان ذلك غريباً على مشهد المدينة... انه اقحام للثقافة في الحياة اليومية للناس والترويج لها كواحدة من حقائق المدينة الراهنة، مع صرف النظر عن مدى اهتمام الناس المحتمل بها، ولكنه شغل دؤوب على صورة المدينة ك «عاصمة ثقافية» في المنطقة. وبالعودة الى مهرجان «أنغام من الشرق» الذي بدأ العام الماضي كواحد من أهم نشاطات «هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث»، فمن الواضح أنه رسّخ هويته هذا العام، جاعلاً لهذه الدورة «تيمة» خاصة، وإن كان من خلال حفلة واحدة من أصل ثماني، إلا انها الحفلة التي جعلته مسك ختام المهرجان، يشارك فيها ثلاثة من نجوم الغناء الشرقي، هم غادة شبير ولطفي بوشناق وإيمان البحر درويش في «تحية الى سيد درويش»، إضافة الى محاضرة عنه. أما افتتاح البرنامج فسيكون هذه الليلة مع الفنان السعودي محمد عبده، وفي الليلة التالية الاوركسترا السمفونية الوطنية السورية، وفي ليلة الاثنين مع المايسترو وعازف القانون ماجد سرور وعازف الكمان جهاد عقل، وليلة الثلثاء مع شربل روحانا وفرقة بيروت للموسيقى الشرقية. اما حفلة الاربعاء فستكون مع المطربة المغربية كريمة الصقلي، والخميس لفرقة العازفات التونسيات، والجمعة لمطرب المقام العراقي حسين العظمي، والليلة الاخيرة كما قلنا «تحية إلى سيد درويش». لكنّ المهرجان لم يكتف بالحفلات الفنية، بل جعل لها حاضناً يثبت هويتها كمهرجان للموسيقى الشرقية، لا مجرد برمجة لعدد من الحفلات، فأدخل الى برنامجه عدداً من المحاضرات، وجعل المحاضرين اشبه برعاة وحاضنين لهذا المهرجان، فحضر اثنان منهم المؤتمر الصحافي وتحدثا خلاله مطولاً، وهما المؤلف الموسيقي المصري لأهم المسلسلات التي رسخت في الذاكرة العربية عمار الشريعي والذي سيقدم محاضرة بعنوان «خمسون عاماً من الغناء»، وكذلك رئيسة المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية رتيبة الحفني التي ستحاضر حول «سيد درويش ودور المسرح الغنائي في الموسيقى العربية». اما المحاضر الثالث والذي لم يحضر المؤتمر الصحافي فهو المؤلف الموسيقي نوري اسكندر الذي سيلقي محاضرة بعنوان «الموسيقى العربية المعاصرة من الناحية التأليفية». قدم الشريعي (الضرير) بأسلوبه الخفيف المحبب والحفني لهذا المهرجان وتحدثا عن تجربتهما مع هذه المدينة منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي، فروت الحفني كيف ادهشتها المدينة حينذاك بالحضور الكثيف الذي شهدته محاضرتها آنذاك عن «بيتهوفن»... وانتقدت الشاشات الصغيرة التي حولت الفن سلعة يشغلها من يدفع اكثر، على عكس الدور «التثقيفي» مثلاً الذي لعبته الاذاعة المصرية في الزمن الجميل. أما الشريعي الذي هاجم هو الآخر المناخ السائد في الغناء والموسيقى، فقال ان مثل مهرجان «انغام من الشرق»: «يطرد ثاني اوكسيد الكربون من الساحة الفنية ويجعلنا نتنفس... لقد كتموا انفاسنا وآذاننا». وكما هو ملاحظ، فإن المهرجان نوّع في الالوان الموسيقية والغنائية المقدمة من الخليج العربي وبلاد الشام ومصر والمغرب العربي، لكنه حافظ على مستوى عام واحد للمشاركين، وحاول ان يدخل التجارب الجديدة. وكما قال عبدالله العامري، مدير ادارة الثقافة والفنون في هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث المنظمة للمهرجان: «نحاول أن نسلط الضوء على التراث العربي في هذا المهرجان من خلال إحياء عصر الفن الجميل والحفاظ عليه، ونحاول أيضاً تسليط الضوء على من يحاولون الإضافة على هذا الرصيد الموسيقي في عصرنا الراهن». الدورة الثانية لهذا المهرجان مدفوعة البطاقات، على عكس الدورة الأولى التي كانت مجانية وشهدت اقبالاً كثيفاً جداً، لا سيما الحفلة الافتتاحية للموسيقي المصري عمر خيرت. وشارك في تلك الدورة المطربة جاهدة وهبي وسيدة المقام العراقي «فريدة». وهذا ما بدأ يتكرس في ابو ظبي، حيث يبدأ النشاط مجانياً لتعويد الناس عليه وإدخاله في ثقافتهم، ثم يتحول مدفوعاً، من دون ان يخسر الكثير من الجمهور، كما حصل تماماً مع مهرجانات الموسيقى الكلاسيكية.