يستمر الانقسام الأفقي منذ بداية الثورة السورية، في مناطق الأقليات الطائفية، تبعاً للموقف ضمن كل منطقة من الثورة. وفي الوقت الذي تبدو مناطق الأكثرية الطائفية التي تعرضت لعنف منقطع النظير، متجانسة لدرجة كبيرة، تبدو مناطق الأقليات أكثر انقساماً من الأولى، وتتراوح نسبة المعارضين والمؤيدين فيها تبعاً لكل منطقة ولخصوصيتها الأهلية والطائفية «والثقافية». مدينة السلَمية التي كانت رائدة مناطق الأقليات الطائفية في سورية وفي طليعة الأقليات والأكثرية في الدخول في ركب الثورة السورية، قبل أن تتلقى ضربات أمنية متتالية عدة، وقبل أن يلحق بالثورة ما لحق بها من ظواهر لا ثورية، تشهد اليوم حالة جديدة لم تعرفها المدينة من قبل، لناحية أهميتها ورسالتها واحتمال التأسيس والبناء عليها أو عدمه، تبعاً لطبيعة فهم تلك الحالة. الجو الأهلي والطائفي بعد أول ضربة أمنية تلقاها الحراك الثوري في المدينة، وكان ذلك في آب (أغسطس) 2011، تراجعت كثافة التظاهر بعدما وصلت أعداد المتظاهرين في المدينة إلى 17 ألف متظاهر في إحدى التظاهرات وفقاً لناشطين، نتيجة صعوبة العودة إلى التجمع والخروج مجدداً في الظروف الأمنية نفسها، وترافق ذلك مع موجة نزوح من مدينتَي حماه وحمص وريفهما بدأت في تموز (يوليو) 2011، أي قبل اجتياح جيش النظام مدينة حماه بأيام قليلة. بدا النظام آنئذ وقد استعاد السيطرة التامة على المدينة من خلال أجهزته الأمنية وشبيحته الذين صاروا منظمين في ما يعرف ب «اللجان الشعبية». اللجان الشعبية في السلَمية هي عبارة عن مراكز لتقاسم القوى والنفوذ والمسروقات والسيطرة. يتوزع عمل اللجان الشعبية وبقية فصائل الشبيحة في السلَمية على ثلاث مهمات، أولها الاستمرار في خنق كل بوادر حراك ثوري أو استعادة وهج الثورة الذي كانته المدينة في البداية، ربما تحت شعار «ملاحقة الخونة»، وثانيها السطو المسلح على كل ما يمكن مصادرته وسلبه في أحيان كثيرة وقد يكون ذلك تحت شعار «الدفاع عن الوطن»، وثالثها استئناف بث روح الكره للطوائف الأخرى وبخاصة الأكثرية السنية في سورية، والمؤكد أن ذلك سيكون تحت شعار «السلم الأهلي». يكاد أهالي المدينة يحتفظون بذاكرتهم لتوثيق يومي دقيق ومعاش لحالات الخطف والسلب والاعتقال والتصفية الجسدية وغيرها من ارتكابات قامت بها اللجان الشعبية. ومع الانقسام الأهلي والاجتماعي ضمن المدينة، وأحياناً ضمن البيت الواحد، تبعاً للموقف من الثورة ومن النظام، تحضر غيتوات طائفية ضمن المدينة ممثلةً بالحي المسمى «ضهر المغر»، والذي يقطنه الشبيحة، وهؤلاء مدعومون تاريخياً من السلطة بحكم قرابتهم للواء أديب سلامة في المخابرات الجوية. صار هؤلاء عنواناً من عناوين الموت والإرهاب والتشبيح والقمع في المدينة، بلا أي ضابط قانوني. وإلى جانب شبيحة «ضهر المغر» ثمة شبيحة محليون من أبناء المدينة لم يوفروا مؤيداً ولا معارضاً من الأذى، كالاعتداء على الممتلكات الخاصة والخطف والاعتقال والتهديد وغير ذلك من علامات مميزة لهؤلاء. عندما يتظاهر الجميع في بداية آذار (مارس) 2014، انفجر الاحتقان المديد واتخذ من بعض رموز التشبيح وعائلاتهم هدفاً للتنكيل بالهتافات ومطالبتهم بالرحيل عن المدينة. بدأ الامر عندما اعتدى شبيحة من آل الصالح على أحدهم بالضرب، وحاولوا اعتقاله وقاموا بإطلاق النار أمام محله، إلا أنه قاوم محاولتهم اعتقاله. ووفقاً لاحد الناشطين، فإن المدعو ح. القصير «توجه إلى مكتب مدير منطقة مدينة السلَمية ليتقدم بشكوى، إلا أنه لم يلق التشجيع ، فرفع دعوى ضد قائد المجموعة التي قامت بالاعتداء عليه». يمكن القول إن الاعتداء على القُصير كان السبب المباشر الذي فجر الموضوع، وليس السبب البعيد، إذ تحركت أوساط مؤيدة ومعارضة في المدينة للتظاهر والاحتجاج على «تصرفات الشبيحة التي لم تعد مقبولة» كما قال الناشط المعارض م.م. حدث ذلك بعد فترة قصيرة جداً من مقتل الشاب قاسم حمود بعد خطفه على يد الشبيحة أيضاً، ومفاوضة أهله على مبلغ من المال مقابل إطلاق سراحه. النتيجة كانت أن قاسم حمود وُجد مقتولاً بعد ذلك. تحركت بعض الصفحات في دعوة خجولة للتظاهر تشمل أبناء المدينة على اختلاف مواقفهم، ضد هؤلاء الشبيحة، ووصل الأمر إلى الدعوات العلنية للتظاهر. التظاهرة انطلقت من الساحة العامة، باتجاه مقر «البعث» حيث اعتصم المتظاهرون، قبل أن يتعرضوا لإطلاق نار غير مباشر عليهم، بعد انفضاض الاعتصام، جاءت ثلة من شبيحة حي ضهر المغر وبدأوا بالهتاف «نحنا... بدنا ندوس السلَمية / بالروح بالدم نفديك يا بشار». يتحدث ناشطون عن أن النظام السوري وسلطاته العليا حاولت الالتفاف على الحالة الاحتجاجية التي خلقت في المدينة، ومنعها من التطور، وهو التظاهر الذي افتقدته المدينة منذ عام ونصف عام تقريباً. فكيف والمؤيدون يتظاهرون ضد الشبيحة! بناء عليه، تم منع مظاهر التشبيح في شوارع السلَمية والسيارات المموهة بالأسود، «إرضاء للأهالي الغاضبين» على ما يقول الناشطون. في دلالات ما حدث ما حدث في السلَمية قبل أيام، قد يكون حافزاً للكثيرين للتفاؤل والذهاب بهذا التفاؤل حتى النهاية. هذا ما ذهب إليه بعضهم «فايسبوكياً». وقسم من الناشطين في المدينة اعتبر ذلك حدثاً يقدم دلالات على استعادة شريحة من المؤيدين للحسّ الرافض للمذهبة والعنف الذي يخيم اليوم على سورية بدلاً من أن يكون مرفوضاً من قبل بعض المعارضة فقط. وقسم تعميمي من الناشطين السوريين لا يزال يرى إلى المؤيدين شريحة متورطة مع النظام في جرائمه، وإن تكن تلك الشريحة المؤيدة أكثر علاقة برفض العنف من بعض المعارضين المبررين لاستمرار الحرب وسفك الدماء المؤيدة والمعارضة.