انطلقت امس الدورة الرابعة والثلاثون لمعرض الكتاب الدولي في باريس وهو يستمر ثلاثة أيام ويستقطب كل عام نحو 200 ألف زائر من بينهم قرابة 37 ألف طالب ممن هم دون الثامنة عشرة عمراً. تظاهرة استثنائية تُعَدّ من بين الأهم عالمياً، وهي مكرّسة للكتاب وما يتعلق به من نواح مختلفة علاوة على التسويق والعلاقات مع دور النشر والمكتبات الخاصة والعامة والمطابع والأندية الثقافية. وكما تعوّدنا في الأعوام الماضية، يؤكد معرض الكتاب تميّزه قياساً إلى المعارض الأخرى التي تقام في مركز المعارض في الدائرة الخامسة عشرة في باريس وتتمحور حول السياحة والزراعة والسيارات، فهو يظل، وفق الإحصاءات، المعرض الأكثر استقطاباً، وهذا ما يؤكد ريادة باريس كعاصمة ثقافية وتجارية من الطراز الأول على رغم الأزمات السياسية والاقتصادية الراهنة، وكذلك صعود قوى عالمية جديدة وفي مقدّمها الصين. أكثر من خمسين بلداً تشارك في هذه التظاهرة، أوّلها الأرجنتين، التي حلّت هذا العام ضيف شرف على المعرض، أما الدول العربية المشاركة، فهي الجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس (التي تعود بقوّة بعد غياب) والسعودية التي تخصص محترَفاً لتعليم الخطّ العربي للكبار والصغار، وسلطنة عمان والإمارات ولبنان وقطر التي تشارك للمرة الأولى. الأرجنتين هي ضيف الشرف هذا العام، وهي تحتفل بمئوية الكاتب الراحل خوليو كورتاثار 1914- 1984. ومعرض الكتاب يكرمه من خلال أنشطة تشتمل على معرض يتناول حياته ويركّز على المرحلة التي عاش فيها في باريس، وهي مرحلة امتدت من العام 1951 حتى وفاته في 1984. وتعرض أيضاً نسخ من الطبعات الأولى لأعماله وصور له غير معروفة من قبل. كورتاثار اختار الهجرة والإقامة في فرنسا، حيث كتب بعض أبرز أعماله الأدبية، وقد حصل على الجنسية الفرنسية قبل ثلاث سنوات من وفاته. وهو يعَدّ أشهر كاتب أرجنتيني مع خورخي لويس بورخيس. غير أنّ لائحة الكتّاب الذين اختيروا لتمثيل الأرجنتين في المعرض الحالي كانت أثارت سجالاً طالعتنا به وسائل الإعلام الفرنسية، ومنها صحيفة «لوموند» ومجلة «لونوفيل أوبسيرفاتور» و«إذاعة فرنسا الثقافية». هناك ثمانية وأربعون كاتباً أرجنتينياً يشاركون في المعرض، من بينهم ثلاثون تُرجمت أعمالهم إلى الفرنسية واختارهم منظّمو المعرض بالتعاون مع «المركز الوطني للكتاب» و «معهد فرنسا الدولي»، أما من تبقّى منهم، فأعمال غالبيتهم غير مترجمة إلى الفرنسية، وقد اختارتهم الأرجنتين لتساهم في شهرتهم خارج بلادهم. في هذا السياق، ندّد عدد من الكتّاب الأرجنتينيين بهذا الاختيار، واعتبروا أنّ استبعادهم من المشاركة جاء بسبب معارضتهم سياسة رئيستهم كريستينا كيرشنر. وتساءل بعض آخر عن غياب أسماء معروفة، كالروائي رودريكو فريسان Rodrigo Fresan والروائي والصحافي المعارض مارتين كاباروس Martin Caparros ، الذي أدلى بتصريحات كثيرة عن هذا الموضوع، مبيّناً كيف استبعد اسمه وكيف أنّ المشرفين على اختيار الأسماء أرادوا مكافأة أصدقائهم. وذهب آخرون أبعد من ذلك، فاعتبروا أن هذا الانحياز ليس بالجديد لدى الحكومة الأرجنتينية، فهي عملت على تطبيق هذه السياسة في السابق، كما الحال في معرض الكتاب في فرنكفورت و «بينال» البندقية، المخصص للفنون المعاصرة. ولكن مهما ارتفعت الأصوات المعارضة، تبقى الأصوات المشاركة في المعرض من الأصوات الأكثر تمثيلاً للثقافة الأرجنتينية اليوم، وهي ليست محصورة في الأدباء فقط، بل تشمل أيضاً البحاثة والمهتمين بالقضايا السياسية والشأن العام، ومنهم الأستاذ الجامعي إرنستو لاكلو. وبموازاة الأرجنتين يكرّم المعرض مدينة شانغهاي الممثَّلة بسبعة عشر كاتباً وكاتبة جاؤوا إلى باريس في هذه المناسبة بغية التعريف بنتاجهم والتحاور مع القراء الفرنسيين. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ معرض هذا العام يتميز بمشاركة 3000 كاتب يتصدرهم الروائيون، ومنهم من يتمتّع بشهرة إعلامية، كالفرنسي سورج شالندون، الذي يقدّم روايته «الجدار الرابع» الصادرة عن دار «غراسيه» وتدور أحداثها في بيروت أيام الحرب الأهلية. تروي هذه الرواية قصة جورج المناضل اليساري الذي يحلم بأن يُخرج في لبنان مسرحية «أنتيغون» للكاتب الفرنسي جان أنوي، مع ممثلين منتمين إلى مختلف التيارات السياسية اللبنانية. من نجوم الصالون أيضاً الكاتب البريطاني ويليام بويد، الذي صدرت له ترجمة رواية جديدة بعنوان «سولو» عن دار «سوي» ويكمل فيها مغامرات جيمس بوند. أما من العالم العربي، فيأتي في الصدارة اسم الروائي المصري علاء الأسواني، الذي صدرت حديثاً ترجمة روايته «نادي السيارات» عن دار «آكت سود»، وأنجز الترجمة المستعرب والديبلوماسي الفرنسي جيل غوتييه. يشارك الأسواني مع الروائي الفرنسي بيار لوميتر، الحائز «جائزة غونكور»، في لقاء حول فعل الإبداع واستعادة الزمن من خلال الأدب. وهناك أيضاً كتّاب عرب باللغة الفرنسية يشاركون في نشاطات دور النشر الفرنسية، ومنهم الروائي المغربي الطاهر بن جلون، الذي صدرت له عن دار «غاليمار» رواية بعنوان «الاستئصال»، والكاتب المصري خالد عثمان، الذي يوقّع روايته الأولى وعنوانها «القاهرة حتى الفقدان»، وهو معروف في باريس بصفته مترجماً لعدد من الروائيين العرب، منهم نجيب محفوظ وجمال الغيطاني ورجاء عالم. وإذا كان الروائيون هم -كما في السنوات الماضية- نجوم المعرض في دورته الجديدة، فإنّ المفكرين والبحاثة في مجال العلوم الإنسانية يحضرون أيضاً، ومنهم على سبيل المثل ميشال سير وألين تورين، اللذان يشاركان في إطلاق قسم جديد في المعرض هذا العام مخصص للعلوم والمعارف، وتتمحور مداخلاتهما حول بعض الأسئلة المتعلقة بالتحولات والتحديات التي تواجه البشرية اليوم في كل المجالات. إلى ذلك، يحتوي المعرض على قسمين جديدين، الأول تحت عنوان «الكتاب الذي غيّر حياتي»، وتشارك فيه شخصيات آتية من عالم الفنون والآداب والنشر. تتحدّث هذه الشخصيات عن الكتاب الذي شكّل نقطة تحوّل في حياتها وفتح لها آفاقاً جديدة في مسيرتها. أما القسم الثاني فعنوانه «الإبداع النسائي»، والهدف منه الإضاءة على الصوت النسائي وإعطاؤه حضوراً أكبر.