خضعت مدينة جدة أمس لاختبار حقيقي، في مدى جاهزيتها لاستقبال المطر، بعد سيلين وكانت نتيجتهما «كارثية». إلا أن النجاح كان «عصياً» على عروس البحر الأحمر. ولم تفرح المدينة التي يقطنها 3.5 مليون نسمة، بزخات المطر. فبعد دقائق من هطوله أصبحت شوارعها غير قادرة على احتضانه، فغرقت وغرقت معها أنفاق المدينة، التي استحالت إلى برك مياه كبيرة. كما غرقت كل التصريحات الصحافية التي أمطر بها مسؤولو الأجهزة الحكومية سكان المدينة، بأنهم جاهزون للسيول والأمطار، بيد أن «حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر». وشهدت محافظة جدة حالات احتجاز وتماسات كهربائية، ولقي شخصان مصرعهما في أحد المنازل الواقعة في حي الفيصلية شمال جدة، نتيجة صعق كهربائي، إذ باشرت فرق الدفاع المدني الحادثة. فيما جرفت سيول شهدتها منطقة طريق مكة القديم كيلو 14 جنوبجدة عدداً كبيراً من المركبات، وحضرت فرق وآليات الدفاع المدني في المواقع المتضررة، وأنقذت عدداً كبيراً من المواطنين والمقيمين ممن جرفت المياه مركباتهم. وقامت بإبعاد المركبات إلى المسارات الفرعية المؤدية إلى داخل الأحياء. وعلى رغم أن كميات الأمطار المسجلة أمس - بحسب مرصد جامعة الملك عبدالعزيز في جدة للأرصاد والتغيرات المناخية - بلغت 24.1 ملليمتراً، إلا أنها كانت كفيلة بإغراق مدينة تقدر مساحتها ب5460 كيلومتراً مربعاً. ولم يفرق الغرق الثالث لجدة بين شمالها وجنوبها وغربها وشرقها، إذ غطى المدينة بالكامل، من أبحر الشمال شمالاً، إلى غليل جنوباً، ومن الرويس والحمراء غرباً إلى السامر في أقصى الشرق، وأعاد لسكانها ذكريات مأساتهم مع المطر في كارثتي تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، وكانون الأول (يناير) 2011. بدوره، قال المتحدث باسم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة حسين القحطاني: «إن جدة سجلت اليوم (أمس) أعلى معدل هطول أمطار، بواقع 22 مليمتراً، إثر تقلبات الأجواء المناخية التي تعرضت لها»، مردفاً أن «المملكة تمر في مرحلة مطيرة خلال فصل الخريف، تصحبها حال من عدم الاستقرار في الأجواء، تستمر حتى نهاية الفصل». وشدّد القحطاني على أهمية «تجاهل المعلومات مجهولة المصدر والتحليلات غير العلمية التي تشوش على أداء الجهات المختصة في مثل هذه الظروف»، مؤكداً أن «الأرصاد وحماية البيئة» تتعامل مع الظواهر الجوية «وفقاً لخطة زمنية تم الاتفاق عليها مع الجهات المعنية، لتمرير معلومات الطقس ومتابعتها كل وفق اختصاصه». وفي السياق ذاته، أوضحت إدارة مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، في بيان صحافي أصدرته أمس (حصلت «الحياة» على نسخة منه)، تأجيل 8 رحلات جوية، كانت متجهة إلى كل من مطار المدينةالمنورة، وحائل، وتبوك، والرياض، والقصيم، إضافة إلى تحويل رحلة دولية إلى مطار الطائف، وذلك نتيجة إلى الأحوال الجوية الممطرة التي تشهدها جدة وعدد من مدن المملكة. وأضافت إدارة المطار: «إن الحركة الجوية بعد توقف هطول الأمطار، سارت بشكل طبيعي». ودعا مطار الملك عبدالعزيز الدولي، عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي في «تويتر»، في وقت مبكر من صباح أمس المسافرين إلى التواصل مع خطوط الطيران «لمعرفة أي مستجدات حول مواعيد رحلاتهم الجديدة». وأضاف البيان أنه «في حال وجود مستجدات حول الحركة الجوية في المطار، فسيتم التنويه عبر حساب المطار في تويتر». الأمطار تتسرب إلى المستشفيات لم تكن المنشآت الصحية في مدينة جدة بمنأى عن تبعات الأمطار، إذ دهمتها الأمطار، على رغم كل ما قيل عن خطط واستعدادات في الأجهزة الحكومية كافة، للحالة المطرية التي ظلت «الأرصاد» تحذر منها لأيام. بيد أن مدير الشؤون الصحية في جدة بالإنابة الدكتور أحمد فادن أكد أمس الاستعداد الكامل في المستشفيات والمرافق الصحية كافة، لاستقبال أية حالات أو إصابات، تحدث نتيجة هطول الأمطار الغزيرة. ونوه فادن إلى أنه تم الوقوف والمتابعة وبشكل مباشر على مواقع الحدث في مستشفى الولادة والأطفال في المساعدية، إذ حدثت تسريبات مياه في بعض مرافق المستشفى، بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت على جدة. وقال: «تفقدنا جميع الأقسام التي تعرضت لدخول الماء والتسربات المائية، ومنها الطوارئ، وحضانة حديثي الولادة، وتم تنفيذ خطة الطوارئ فور وقوع التسربات، وأخذ الاحتياطات اللازمة، وتمت السيطرة على الموقف، ولا توجد أي أضرار».وزاد مدير «صحة جدة»: «تمت متابعة وضع مستشفى العيون بجدة، إذ كان هناك انسداد في فتحات تصريف المياه وتسريبات حدثت داخل قسم تنويم النساء، وفور وقوع الحدث تم فصل الكهرباء بشكل احترازي، ونقل المرضى باستحداث قسم منفصل داخل قسم الرجال، وبشكل موقت لحين إصلاح الجزء المتضرر، وتمت السيطرة على الموقف بشكل سريع». واستطرد بالقول: «تم إعلان البلاغ الأصفر في مستشفى الملك عبدالعزيز ومستشفى الثغر، للاستعداد للسيول المنقولة التي تم الإبلاغ عنها من مركز الأزمات والكوارث في إمارة منطقة مكةالمكرمة، وذلك لرفع الجاهزية والاستعداد»، منوهاً إلى أنه تم رفع جاهزية 14 مستشفى حكومياً، إضافة إلى 15 مستشفى في القطاع الصحي الخاص، وجميعها موصولة في غرفة عمليات طوارئ «صحة جدة»، التي من خلالها يتم إيصال بلاغات الدفاع المدني كافة إلى جميع المستشفيات ومسؤولي «صحة جدة». كما تم تجهيز 18 فرقة ميدانية جاهزة للتحرك وقت الحاجة إلى مناطق الإيواء والإسناد بحسب خطة الطوارئ. «الدفاع المدني» تعلن درجة التأهب «القصوى» رفعت مديرية الدفاع المدني في منطقة مكةالمكرمة مستوى تأهبها إلى «الدرجة القصوى» لمواجهة حالات الاحتجاز وبلاغات التماسات الكهربائية. فيما أعلنت حال الطوارئ، وبدأت غرفة العمليات المشتركة التي تضم مندوبي الأجهزة الأمنية والحكومية والخدمية المعنية، تنفيذ خطة التعامل مع الحالات الطارئة. وأكدت إدارة الدفاع المدني في جدة متابعتها تقلبات الجوية، بما في ذلك نسبة ارتفاع مياه الأمطار عبر أجهزة قياس متخصّصة تدعمها 290 صافرة إنذار، نُشرت في أنحاء جدة والأودية القريبة منها لتنبيه السكان من وصول المياه لمعدلات ارتفاع خطرة. وأوضح مدير الإدارة العامة للدفاع المدني في محافظة جدة المكلف العقيد غازي الغامدي، في بيان صحافي، أن «الدفاع المدني يواصل إصدار تحذيراته لجميع المواطنين والمقيمين بضرورة توخي الحذر في هذه الأجواء الممطرة، وخصوصاً في المناطق التي تشهد تجمعات كبيرة للأمطار حفاظاً على سلامتهم». وأضاف الغامدي: «إن الدفاع المدني في جدة يعمل ب11 شعبة ميدانية، تتبعها 54 مركزاً، إضافة إلى عدد من مراكز الإسناد والاحتياط، وطواقم من الكوادر البشرية المدرّبة المعنية بمباشرة عمليات الطوارئ والإنقاذ في الميدان، بجانب ما تقوم به الجهات الأمنية والطبية الأخرى في هذه الأوضاع». وأصدر الدفاع المدني في منطقة مكةالمكرمة أمس بياناً تحذيرياً إلحاقياً، أشار فيه إلى ورود تنبيه متقدم صادر عن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، عن هطول أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة مصحوبة برياح نشطة، تشمل محافظاتجدة، وذهبان، وعسفان، وخليص، وثول، ورابغ ومراكزها: مستورة، والأبواء، وصعبر، والنويبع، وحجر، وكلية، مشددة على المواطنين والمقيمين ب«توخي الحذر والابتعاد عن مجاري وبطون الأودية، والحذر من التيارات الكهربائية والمجسمات الجمالية في الشواطئ، والتقيد في تعليمات وإرشادات الدفاع المدني». وفي العاصمة المقدسة، ذكر المتحدث باسم الدفاع المدني في العاصمة المقدسة الرائد نايف الشريف أن المديرية نفذت خطة مواجهة الأمطار أمس (الثلثاء)، فور تلقي مركز التحكم والتوجيه في الإدارة تنبيه متقدم لهطول الأمطار، إذ تم نشر وحدات الدفاع المدني في 14 نقطة محددة مسبقاً، إضافة إلى 28 فرقة إنقاذ بكامل تجهيزاتها، موزعة على جميع أحياء العاصمة المقدسة، تحسباً لأي طارئ. كما تم دعم الموقف بمهمات موجودة في منطقة الحرم المكي الشريف، وتم التنسيق مع الجهات المساندة لأعمال الدفاع المدني للاستعداد والتهيؤ لتشغيل غرفة التنسيق في مركز التحكم والتوجيه. وقال الرائد الشريف: «إن الأمطار التي شهدتها العاصمة المقدسة تفاوتت نسبتها بين متوسطة إلى غزيرة، مصحوبة برياح. وتلقى مركز التحكم والتوجيه خلالها بلاغات عن حالات التماس الكهربائي، وتم إبلاغ جهات الاختصاص للتعامل معها، إضافة إلى بعض البلاغات الاعتيادية». وأكد الشريف انه «لم ينتج عن الأمطار أية إصابات في الأرواح»، مجدداً مناشدة المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين والمقيمين بأخذ «الحيطة والحذر والابتعاد عن مجاري الأودية والسيول، والبقاء في أماكن آمنة، حفاظاً على سلامتهم، وضرورة مراقبة أبنائهم أثناء وبعد هطول الأمطار، وإبلاغ عمليات الدفاع المدني في حال مواجهة أي طارئ».