على رغم أن «حركات العنف» الإسلامية اتخذت المجتمعات الغربية هدفاً، فإن كلاً منها تحاول ابتكار أساليب وأهدافاً ومبررات خاصة بها. ففيما ركزت «القاعدة» على أميركا ومصالحها، باعتبارها «رأس الكفر» بحسب خطابها الآيديولوجي، بدا أن «داعش»، ينظر إلى الغربيين من زاوية مغايرة، إذ إن «الرأس» الجدير باعتباره «الهدف الأول» هو فرنسا، ولذلك استهدفت الأخيرة في أخطر عمليتين قامت بهما خارج مناطق سيطرتها في سورية والعراق، وهما جريمتا «شارلي إيبدو، وهجمات باريس» أول من أمس. ومع أن تنظيم «القاعدة» يستهدف الغربيين، الذين يسميهم «الصليبيين»، منذ البداية، حتى وإن كان يركز على الأميركيين، فإن «داعش» الذي أعلن أخيراً أن فرنسا تأتي في رأس قائمة أهدافه، لن يتورع عن استهداف أي من الدول الغربية أو نظيرتها الإسلامية، مثلما فعل في مصر أخيراً. لكن الذي يشغل باحثين مهتمين بالحركات الإسلامية هو: ماذا إذا كان لاختلاف أولويات «القاعدة» و«داعش» علاقة بمرجعيتهما الآيديولوجية؟ ف«القاعدة» - كما تبرهن الوثائق التي تركها قائدها أسامة بن لادن - ترى أن أميركا قائدة الطغيان العالمي، كما كان يسميها، وأنه باستهدافها يصرب «رأس الحية»، ولذلك يحرض كثيراً على استنزافها. أما «داعش» الذي يهتم بالجانب «الأصولي» في جوانب عدة من لمساته الإرهابية، مثل ضربه على جرس «الخلافة»، فقد بدا أن جعله فرنسا في رأس أهدافه غربياً ربما يعود إلى كون باريس «المرجعية الأولى للعلمانية والقيم الغربية في الثقافة والسياسة والفنون»، فيرى «التنظيم باستهدافها تأثيراً في النموذج الغربي كله. وكانت جهات دينية كبرى، مثل الأزهر وهيئة كبار العلماء السعودية، استنكرت العملية الدامية التي استهدف بها التنظيم أبرياء في باريس، واعتبروها عملاً إرهابياً مضاداً لتعاليم نبي المسلمين صلى الله عليه وسلم، الذي «بعث رحمة للعالمين». وتعتبر فرنسا موقعاً لأكبر جالية إسلامية في أوروبا، بتعداد يتجاوز ال4 ملايين نسمة، يمثلون نحو خمسة في المئة من الفرنسيين، وهم المتضرر الأكبر من أي استهداف للمصالح الفرنسية، من جانب التنظيمات الإرهابية، إلا أن الأخيرة لا يبدو أنها تبالي.