في وقت نشرت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية التي استهدفها هجوم إرهابي في 7 الشهر الجاري، ملايين النسخ من عدد جديد «مسيء للإسلام» بيعت ملايين النسخ منه «خلال دقائق»، عمّت فرنسا أجواء بالغة السلبية والتشوش بسبب التعرض لمقار إسلامية في مقابل إشادة أفراد بالإرهاب كلامياً أو عبر الإنترنت، وهو ما قررت السلطات التشدد في التعامل معه. وتبنى تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» الهجوم على «شارلي إيبدو» ب «أمر من زعيم القاعدة أيمن الظواهري وتنفيذاً لوصية أسامة بن لادن (الزعيم السابق)»، ووصف الناطق باسمها نصر بن علي الآنسي، العملية بأنها «نقطة تحول جديدة في تاريخ الصراع»، فيما لفتت إشادة تنظيم «المرابطون» بزعامة مختار بلمختار، والذي انضم الى تنظيم «التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، ب «رد عدوان القوات الفرنسية التي نفذت عملية لطرد إسلاميين من شمالي مالي مطلع 2013، بعدوان عملية باريس التي نفذها فدائيون من خيرة الفرسان أذاقوا فرنسا الذل والهوان في عقر دارها، بل في عاصمتها وأمام استخباراتها وجيشها». وفيما توعدت «المرابطون» بمواصلة ضرب مصالح فرنسا واستهدافها، أعلنت السلطات الفرنسية أن إجراءات جديدة ستُتخذ لمعالجة الثغرات الاستخباراتية في قضية «شبكة كواشي» التي ضمت الشقيقين شريف وسعيد كواشي وأحمدي كوليبالي، وقتلت 17 شخصاً خلال 3 أيام في باريس وضواحيها. وأوضح الناطق باسم الحكومة الوزير سيفان لو فول، أن الإجراءات ستدرج في إطار القانون الجديد حول الاستخبارات ومكافحة الإرهاب الذي سيُعرض خلال اجتماع الحكومة الأربعاء المقبل. وناقشت الحكومة أخيراً مرسوماً يقضي بمنع المواطنين الذين يشتبه في أنهم يعتزمون المشاركة بنشاطات إرهابية في الخارج من مغادرة فرنسا. كما ينص المرسوم على منع الأجانب الذين يهدد وجودهم النظام العام من دخول فرنسا. وأعلنت وزارة العدل ملاحقة 54 شخصاً بتهمة «الإشادة بالإرهاب» منذ الاعتداء على «شارلي إيبدو»، و19 آخرين بتهمة التعرض لرجال الأمن، في مقابل اتهام 15 بالتعرض لمقار إسلامية. وبين المتهمين ب «الإشادة بالإرهاب»، الفنان الفكاهي المثير للجدل ديودونيه، الذي أوقف في إطار تحقيق قضائي فتح إثر قوله: «أشعر أنني شارلي كوليبالي»، خالطاً بين اسم الجهادي كوليبالي و «أنا شارلي» الذي يرفعه ملايين المتظاهرين في فرنسا والعالم ضد الإرهاب. وكانت نيابة باريس اتهمت الفكاهي نفسه في مطلع أيلول (سبتمبر) ب «الإشادة بالإرهاب» عبر السخرية من إعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي عبر قطع رأسه على يد تنظيم «داعش». كما سبق أن أدين ديودونيه قضائياً بسبب تصريحات معادية للسامية. وفي شريط تبني الاعتداء على «شارلي إيبدو»، أكد الآنسي أن الشقيقين سعيد وشريف كواشي «هاجما شارلي إيبدو ثأراً للإسلام». وزاد: «إنهما بطلان جُنِّدا ونفذا عملاً أوجد ارتياحاً بالغاً لدى المسلمين». وأكد أن «القاعدة تريد أن تؤكد للأمة الإسلامية أنها اختارت الهدف (شارلي إيبدو) وموّلت العملية وجندت قائدها»، في إشارة إلى شريف كواشي، الذي قال بعد المجزرة إنه عمل لحساب «القاعدة في جزيرة العرب». لكن لفت خلو الشريط من أي إشارة إلى الاعتداءات التي نفذها شريك الشقيقين كواشي، كوليبالي، الذي قتل خمسة أشخاص وقال إنه ينتمي إلى تنظيم «داعش». وأفادت صحف بلجيكية بأن كوليبالي اشترى رشاشات الكلاشنيكوف وقاذفات الصواريخ التي استخدمها الشقيقان كواشي في الهجمات، من مكان قريب من محطة قطار غار دو ميدي ببلجيكا، وبأقل من 5 آلاف يورو (حوالى 6 آلاف دولار). كما اشترى بندقية «سكوربيو» التي استخدمها في الهجوم على متجر يهودي من بروكسيل. وفيما ندد العالم الإسلامي بنشر العدد الجديد من «شارلي إيبدو» رسوماً جديدة مسيئة للإسلام، وصف «داعش» الخطوة بأنها «حماقة بالغة»، في حين قال رينالد «لوز» لوزييه، رسام الصفحة الأولى «المسيئة» في الصحيفة التي تضمنت عبارة «غُفر كل شيء»: «ليست صفحتنا الأولى تلك التي يريد الإرهابيون أن نرسمها، لكنني لست قلقاً وأثق في ذكاء الناس». واعتبرت صحيفة «جمهورييت» التركية المعارضة الوحيدة في العالم الإسلامي التي نشرت صفحات من العدد الجديد ل «شارلي إيبدو»، بعد كشف أجرته الشرطة ليلاً. لكن محكمة تركية أمرت لاحقاً بحجب مواقع الإنترنت التي تعيد نشر رسم الصفحة الأولى ل «شارلي إيبدو». في ألمانيا، قررت الحكومة تشديد حظر السفر إلى الخارج على إسلاميين معروفين، لمنعهم من التوجه الى مناطق قتال مثل سورية والعراق. وقال ستيفين شيبيرت، الناطق باسم المستشارة أنغيلا مركل: «أظهرت الأحداث المرعبة في باريس أنه يجب أن ندافع بقوة عن نظامنا الديموقراطي الدستوري بكل الوسائل القانونية في مواجهة الإرهاب الدولي». وتستطيع السلطات الألمانية حالياً مصادرة جوازات سفر أشخاص يُعرف بأنهم جهاديون، لكن القانون الجديد سيسمح بسحب هوياتهم الشخصية التي قد يستخدمونها للسفر الى تركيا وداخل دول مجموعة «شينغن» في الاتحاد الأوروبي. وسيُمنح المشبوهون بطاقات هوية بديلة مدتها 18 شهراً تحمل خاتماً بعدة لغات يحظر عليهم السفر. ويشارك أكثر من 600 مواطن ألماني في القتال في سورية والعراق، حيث قتل حوالى 60 منهم، فيما يُعتقد بأن نحو 180 عادوا إلى ألمانيا.