قبل عام 1989 كان النشاط الأساسي لمؤسسة عبدالحميد شومان، إضافة إلى مكتبتها العامة وجوائز العلماء العرب السنوية، يقتصر على إقامة المحاضرات حول شتى القضايا الثقافية والفكرية وتنظيم معارض الفن التشكيلي، وفي أواخر عام 1989 نشأت لدى إدارة المؤسسة الرغبة في إضافة نشاط ثقافي فني دوري جديد إلى النشاطات الشهرية للمؤسسة، وهكذا برزت فكرة إقامة عروض سينمائية في تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 حيث اُنشئت «لجنة السينما» التي ضمت بين أعضائها مجموعة من المخرجين والنقاد السينمائيين، وكان نتاج نشاطها: عرض 48 فيلماً أسبوعياً متنوعاً في العام، وتنظيم ثلاث احتفاليات سنوية محلية وعربية ودولية. إضافة إلى تنظيم أكثر من 70 احتفالية بالتعاون مع أكثر من 20 جهة وعرض 1400 فيلم سينمائي من أكثر من 120 دولة من أرجاء العالم بحضور أكثر من 150000 مشاهد. وتوجت اللجنة نشاطها بإصدار كتاب (قطوف من أفلام العالم: 25 سنة سينما في مؤسسة عبدالحميد شومان- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- مجموعة مؤلفين) والذي يضم مقالات عن مختارات من الأفلام التي جرى عرضها في المؤسسة خلال السنوات العشر المنصرمة، ويسلط الضوء على فعاليات قسم السينما خلال الخمسة وعشرين عاماً. وتجربة لجنة السينما في المؤسسة تدل على أن مشاهدة الأفلام معروضة على الشاشة الكبيرة تبقى حالة مطلوبة من قبل عشاق السينما، بخاصة إذا كان عرض الفيلم يترافق مع توزيع نشرة على المشاهدين تتضمن مادة تحليلية ومعلوماتية مُركزة تضفي على المشاهدة بعداً ثقافياً يزيد منه الحوار الذي يجري تنظيمه بعد العرض بإدارة أعضاء لجنة السينما، وهم من النقاد الذين اكتسبوا خبرة واسعة في هذا المجال على امتداد الأعوام. لجنة السينما عندما تعرض أي فيلم ضمن عروضها وتقدم له ملخصاً، لا تقصد بذلك إفساد عنصر التشويق، إذ إن ما بين الإبهار والإقناع تتلخص معادلة مفادها أن ثمة فرقاً بين أن تعيش الفيلم أو أن تشاهده. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ماذا يمكن أن يكتب أو يقال عن مشهد في الفيلم الكوري الجنوبي «سباق» الذي يشير إليه هذا الكتاب، والذي نرى فيه فتى متوحداً (مريض نفسياً) يتواجد مع أمه في سوق مكتظة بالناس: تذهب الأم لشراء شيء ما، فيلمح الفتى بين الزحام ألواناً تشبه ألوان الزرافة التي يحبها فيقترب منها بحذر وسط المجاميع، ويمد يده إليها فيكون بذلك قد مد يده على عجز امرأة ترتدي تنورة بألوان الزرافة، فتصرخ المرأة، وينظر الجميع نحو الفتى بدهشة، ولكن الفتى بريء يواصل النظر إلى تنورة المرأة حيث ألوان الزرافة، ويحاول أن يمد يده من جديد، فيباغته زوج السيدة بلكمة قوية على وجهه تطرحه أرضاً، تحضر الأم ويصعقها المشهد، فتهجم على الرجل مثل النمر المفترس ليرفع يديه عن ابنها المسكين وهي تكرر بصوت عال: مريض إنه من ذوي الحالات الخاصة، وهنا تقشعر الأبدان حيث يصرخ الفتى وهو يجهش بالبكاء: أنا حالة خاصة.. أنا حالة خاصة! والأمثلة التي تضمنها هذا الكتاب كثيرة. ويشير الكتاب إلى أن المنطلق الأول في سياسة لجنة السينما اعتبار العروض نشاطاً سينمائياً ثقافياً وليس نشاطاً ترفيهياً، إضافة إلى عرض الأفلام التي تنتمي إلى أهم الاتجاهات والمدارس السينمائية العالمية، وعرض الأفلام التي تعكس ثقافات شعوب العالم من مختلف القارات، وفي مقدم ذلك عرض الأفلام المهمة للسينمائيين العرب من مختلف أقطار العالم العربي. وكان الشرط الأساسي لاختيار الأفلام يتمثل في وجود قيمة فنية أو فكرية في الفيلم بما يبرر اختيار وعرض الفيلم. أيضاً إضفاء الطابع الثقافي على عروض لجنة السينما كان يجري بطريقتين: الأولى منهما كانت كتابة نشرة تحليلية عن كل فيلم تتضمن أهم ما فيه من قيم فنية أو فكرية، والثانية تنظيم حوار مع الرواد حول الفيلم، وكانت هذه السياسة بمثابة رهان على المجهول، فالنوعية المختارة من الأفلام كانت تختلف عما اعتاد عليه جمهور السينما من أفلام أميركية ومصرية تجارية ترفيهية شكلت ذوقه السينمائي على مدار عشرات السنين. ويقدم الكتاب أبرز النشاطات الإضافية التي قامت بها لجنة السينما منذ البداية وخلال أول سنتين من عملها ما يلي: أسبوع أفلام المخرج الفلسطيني المقيم في بلجيكا ميشيل خليفي، المخرجان الثنائي من لبنان جان شمعون ومي المصري، المخرج العراقي قيس الزبيدي، المخرج والممثل الفرنسي الكوميدي جاك تاتي، والمخرج الفرنسي فرنسوا تروفو، أسبوع أفلام السينما الصينية المعاصرة، استضافة الممثل المصري نور الشريف مع عرض فيلم «ناجي العلي». أيضاً جرى عرض مجموعة من الأفلام التسجيلية للمخرجة الألمانية مونيكا ماورر ومجموعة أفلام تسجيلية من إنتاج «الأنروا» لمناسبة مرور 25 عاماً على حرب حزيران (يونيو) عام 1967، قامت اللجنة بإحياء الذكرى العشرين لغسان كنفاني عن طريق عرض فيلم «المخدوعون» للمخرج المصري توفيق صالح، واستضافت اللجنة الناقد السينمائي المصري سمير فريد في محاضرة حول السينما الصهيونية وأساليبها الدعائية. كذلك إقامة أسابيع الأفلام العربية: السينما التونسية، وآخر للسينما البنانية، والسورية، والليبية، والمغربية، الإمارات العربية المتحدة سواء كانت هذه الأفلام قصيرة روائية وتسجيلية وآخر لأفلام التخرج من معهد السينما في مصر، وأقامت أسبوعاً لأفلام المخرج المصري المتميز داوود عبدالسيد، وأسبوعاً لأفلام المخرج السوري محمد ملص كما تمت استضافة المخرج المصري الكبير صلاح أبو سيف، والمخرج التونسي رضا الباهي وعرض فيلمه الروائي الطويل الأول. كما نظمت بالتعاون مع معهد سيرفانتس الإسباني عروضاً لأفلام إسبانية مقتبسة عن الأدب الإسباني، وفي كل هذ الأسابيع أو العروض السينمائية كانت تتم دعوة مخرجي الأفلام أو نقاد سينمائيين ويجري تنظيم نقاشات ما بين المخرجين والنقاد وجمهور الحضور. أما على المستوى المحلي الأردني فتم الاحتفاء بخريجي معاهد السينما الأردنيين، ومدت نشاطها باتجاه إقامة الندوات السينمائية المتخصصة، مثل ندوة التشريعات السينمائية في الأردن، وندوة الإنتاج المشترك مع فرنسا، وندوة اقتصاديات السينما العربية.