في موازاة تعثر الإستراتيجية الأميركية في محاربة «داعش» على الأرض في سورية والعراق، حيث ما زالت «دولة خلافة البغدادي» تتمدد وتستولي على اراض جديدة رغم الغارات الجوية التي تنفذها الولاياتالمتحدة وروسيا وحلفاؤهما على مواقع التنظيم، لا تزال الدوائرالاستخبارية ومراكز مكافحة الإرهاب في واشنطن تبحث في سبل ايجاد استراتيجية فاعلة في مواجهة التنظيم إلكترونياً ودحض دعايته الفعالة في السوشال ميديا. ويسجل الأميركيون ل «داعش» تفوقه على المنظمات الإرهابية الأخرى في استثمار تقنيات التواصل الحديثة في المساحات الإلكترونية الحرة في الفضاء الافتراضي التي تتيحها شركات التواصل الاجتماعي لنشر دعوته وتجنيد الأنصار بعيداً عن اي رقابة حكومية، على غرار ما هو حاصل في الملاذات الجغرافية الآمنة على الأرض في المناطق البعيدة عن سيطرة الحكومات المركزية في وزيرستان او الصومال او صحراء مالي وليبيا ونيجيريا وطبعاً في سورية والعراق. وفي جلسة استماع عقدتها احدى اللجان الأمنية في الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي انتقد ألبرتو فرنانديز الديبلوماسي الأميركي المتقاعد والمنسق السابق لمركز الاتصالات الإستراتيجية لمكافحة الإرهاب بعض الشركات الأميركية العاملة على شبكة الإنترنت لعدم بذل الجهود اللازمة من اجل حماية المساحة الإلكترونية التي تشغلها. من هذه الشركات تويتر ويوتيوب حيث تجد الدعاية ال «داعشية» البيئة المواتية لترويج ايديولوجيتها من دون اي عوائق فيما اتخذت ادارة موقع فايسبوك بعض الإجراءات الحمائية قيدت الى حد ما نشاط الإرهابيين على صفحات الموقع. ووفق دراسة احصائية قام بها مركز بروكينز للأبحاث في واشنطن فقد عثر على 60 الف حساب في أيلول (سبتمبر) 2014. يتيح موقع تويتر ايصال الرسالة التي تريدها الى عدد كبير من الأشخاص، كما بإمكانك ان تصمم رسالتك وفق الموضوع والغرض المراد منها عبر الهاشتاغ. وتشير الدراسة الى امكان استخدام شركات التواصل الاجتماعي لبرامج خاصة تتعرف الى الشعارات والرموز الإرهابية والمتعاطفين معهم بهدف تنقيح هذه الحسابات. وأثارت دعوة الديبلوماسي الأميركي إلى زيادة الرقابة الحكومية على العالم الافتراضي سجالاً مع اعضاء لجنة الكونغرس حول الحدود التي لا يجب تجاوزها عند الحديث عن الحريات والخصوصية الإلكترونية على اعتبار ان ذلك قد يشكل خرقاً فاضحاً للقوانين الأميركية. لكن مكتب الحقيقات الفيديرالي الأميركي (إف بي آي) لا ينظر الى المسألة من زاوية الحريات بل من زاوية الأخطار التي تتهدد الأمن القومي الأميركي وتزايد الاحتمالات لتعرض الولاياتالمتحدة لعمليات ارهابية ينفذها تنظيم «داعش» او افراد تأثروا بدعايته على مواقع التواصل الاجتماعي. ويراقب ال «اف بي اي» الكترونياً اكثر من الف اميركي يشتبه بعلاقتهم بتنظيم «داعش» وقد رصد توجه اكثر من 250 اميركياً للقتال في سورية. وعليه فإن «داعش» ما زال يعتبر العدو رقم واحد للولايات المتحدة. وتفيد احصاءات شبه رسمية بأن «داعش» جندت في سورية منذ بداية هذا العام اكثر من 20 الف مقاتل معظمهم جنّد عبر السوشال ميديا بفضل مهارة اعضاء «داعش» باستخدام الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي. ووفق دراسة اصدرها مؤخراً مشروع العلاقات الأميركية مع العالم الاإسلامي التابع لمعهد بروكينغز في واشنطن، يتعين على الحكومات المنخرطة في مواجهة «داعش» التركيز على محتوى الرسائل المضادة لدعايته بدلاً من التركيز فقط على نشرها. وترى الدراسة ان الجهود السابقة التي بذلت في هذا الإطار كانت مترددة وغير فعالة، وبالتالي فإن على الحكومات تطوير سياسات من شأنها ان تغيّر الواقع على الأرض في سورية والعراق بموازاة المواجهة الإلكترونية لدعاية «داعش» في وسائل التواصل الاجتماعي.