بعد مرور 26 عاماً على انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان، ها هي روسيا تخوض حرباً اليوم خارج حدودها مجدداً، وهذه المرة في سورية. وتؤكد موسكو أنها تشنّ حرباً ضد الإرهاب عبر إطلاقها حملة جوية كثيفة تقول أنها تستهدف معاقل المتطرفين، مشددة على أنها لن تنشر قوات برية، وأن سورية لن تصبح أفغانستان ثانية. وتشير استطلاعات الرأي، في الوقت الراهن، الى أن معظم الروس يدعمون تدخل بلادهم العسكري في سورية. ويعود جزء من ذلك الدعم إلى الحملة الإعلامية التي تمارسها موسكو وينفّذها الإعلام الروسي في تغطية ما تقوم به القوات الروسية في سورية. وذكر موقع «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) نقلاً عن أحد المحللين الروس ويدعى فلاديمير بارابانوف، قوله أن التغطية الإعلامية للمشهد السوري تشبه تصوير وإخراج فيلم سينمائي ترافقه موسيقى خاصة، للتأثير في الرأي العام الروسي واستثارة عواطف الجماهير. وأضاف: «معظم الناس يرون ما يدور في سورية على أنه فيلم، لكن عندما تطرق الحرب أبوابهم وتبدأ التوابيت (عودة الجثامين) بالعودة إلى الوطن، عند ذلك سيعرفون الحقيقة». وأكد المحلل الروسي أن أسابيع عدة مرت على الغارات الجوية الروسية، فضلاً عن إطلاق عشرات صواريخ كروز من بحر قزوين، لكن ذلك لم يساعد روسيا على الساحة العالمية. وأشار إلى أن عظمة الدول تقاس بقوتها الاقتصادية، مستشهداً على ذلك بالصين التي حازت احترام جميع الدول، من دون شنّ حرب واحدة. وأودى الغزو السوفياتي لأفغانستان في العام 1979، بأرواح 1500 جندي سوفياتي، معظمهم في سن المراهقة أو في أوائل العشرينات، فضلاً عن سقوط عشرات الجرحى، إضافة إلى الأثر النفسي الذي لازم كثراً بعد الحرب. وعلى رغم مرور أكثر من ربع قرن على انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان، فإن حوالى ربع أو خمس الشعب الروسي يعتقد أن سورية ستكون أفغانستان ثانية بالنسبة إليه. وأظهر استطلاع للرأي أجرته إحدى الصحف الروسية المستقلة الشهر الماضي، أن 78 في المئة من الروس يعتقدون أن الحملة العسكرية لبلادهم في سورية ستتحول إلى أفغانستان أخرى. وعلى رغم تأكيدات المسؤولين الروس المتكررة بأن الحملة العسكرية لن تشمل تدخلاً برياً، إلا أن محللين عسكريين روساً يؤكدون أنه في نهاية المطاف ستضطر روسيا إلى إرسال قوات برية والانجرار إلى المستنقع السوري. وقال أحد المحاربين الروس القدامى، أن «أفغانستان الجديدة» ستكون السبب في نهاية النظام الحالي في روسيا، وبداية مرحلة جديدة في انهيار الإمبراطورية الروسية. وأكد مراقبون أن سيناريو الحرب في أفغانستان يتكرّر مجدداً في سورية، بالنسبة إلى كل من روسياوالولاياتالمتحدة، اللتين اختارتا سورية أرضاً للصراع. فمثلما كانت الحال في حرب أفغانستان بين عامي 1979 و1989، عندما قدّمت الولاياتالمتحدة صواريخ «ستينغر» لمؤازرة المعارضين الأفغان، ودعم الاتحاد السوفياتي الحكومة الأفغانية، تدعم أميركا المعارضة السورية، فيما تدعم روسيا نظام الرئيس بشار الأسد. وقالت منسّقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أن روسيا تخاطر في الوقوع في مستنقع سورية على غرار ما حدث في أفغانستان، إلا في حال ساعد ذلك التدخل على تقدّم العملية السياسية في سورية.