يبدو أن روسيا لم تتعظ بما فيه الكفاية من تجربة سلفها الإتحاد السوفييتي في غزو أفغانستان عام 1979م، عندما تدخلت القوات السوفيتية لدعم الحكومة الأفغانية الموالية لها، حيث استهلت تدخلها آنذاك بإرسال أكثر من 400 مستشار عسكري ما بين عامي 1978م و1979م، قبل أن يتم إرسال كتيبة مجوقلة مع طواقمها؛ استجابة لطلب الحكومة الشيوعية الأفغانية بعد ارتفاع حدة المقاومة، واتساع رقعة الجهاد الأفغاني ليجد الإتحاد السوفييتي نفسه وقد انزلق كلية في ذلك الصراع، وليخرج بالتالي ذليلا تحت ضربات المجاهدين الأفغان وغير الأفغان الذين تدفقوا من كل حدب وصوب على الأراضي الأفغانية، وبعد تسع سنوات فقط من احتلاله أفغانستان. الجميع يعلم أن روسيا تدعم نظام بشار الأسد سياسيا وعسكريا في مواجهة ثورة شعبه منذ بداية الأزمة، شأنها شأن إيران وحزب الله وفيالق حكومة المالكي، لكن القرار الروسي الأخير بإرسال قوات روسية بشكل سافر إلى سوريا، ربما يعيد للأذهان تداعيات الحرب الأفغانية، وقد يستدعي ذات الحالة التي دفعت تيارات الجهاد الإسلامي للتدفق على أفغانستان تحت ذريعة الحرب الدينية، والتي كان من المفترض أن تعيها روسيا بعد تجربة أفغانستان، والتي كان من بين تكاليفها انهيار الاتحاد السوفييتي، ودخول أفغانستان إلى حالة من انعدام الوزن والاستقرار السياسي حتى الآن. لهذا، كان على روسيا أن تتلمس حساسيات الوضع السوري، خاصة في ظل رعاية نظامه لكل قوى التطرف واطلاق العنان لها بعد الثورة السورية؛ بغية صرف الأنظار عن الأهداف المطلبية للشعب السوري، وتسويق الوضع كما لو كان فقط مجرد حرب على الإرهاب، وهي لعبة خطيرة لا شك أن ارتداداتها ستكون على المنطقة برمتها بما في ذلك النظام نفسه، الذي أراد أن يستخدم ورقة الإرهاب لحماية بقائه، متجاهلا أن هذه الورقة وفي ظل تعقيدات الأوضاع في هذا الإقليم هي أشبه ما تكون بصاعق التفجير، وأي عبث به يمكن أن يؤدي إلى انفجاره بكل محيطه. وأيا كانت ذريعة الروس في هذا التدخل المكشوف في سوريا، فإن الخشية كل الخشية أن يكون بمثابة استدعاء آخر للحالة الأفغانية، في سياق اشتعال الاحتراب الطائفي، ومحاولة عديد الأطراف توظيف البعد الطائفي في تمرير أجنداته، على غرار تركة المالكي في العراق، والتي ساهمت في توتير الإقليم، وتغول داعش، وانفلات الحشد الشعبي، لتكون أي خطوة غير محسوبة، هي بمثابة «صب الزيت على النار»، وهذا ما يجعل معظم المراقبين يبدون خشيتهم من الإعلان الروسي؛ لأن الأثمان في هذه الحالة التي ستدفع لإنقاذ رقبة نظام الأسد من السقوط ستكون أكبر بكثير مما ستجنيه روسيا من بقاء هذا النظام الحليف، هذا عدا جر المنطقة مجددا لمزيد من الصراعات الدامية تحت شعارات التيارات الجهادية، التي لا بد وأن تجد في الحضور الروسي في أرض الشام نسخة مكررة من أحداث أفغانستان، وهو ما لا يتمناه أحد، وبالتأكيد لن يكون من بين أماني الروس الذين تجرعوا مرارات دخولهم أفغانستان، وما أفضى إليه ذلك التدخل من مآس لا تزال ماثلة للعيان. فهل تعيد روسيا حساباتها في سوريا تجنبا لاستدعاء الحالة الأفغانية؟!