تظل الدراسة عن بعد حلماً سهل المنال، لمن فاته قطار التعليم النظامي لأي سبب كان. ونورة، وهي إحدى المستفيدات من هذا الأسلوب الأكاديمي المتبع في كثير من دول العالم، لم يثنها الزواج وإنجاب أربعة أطفال عن الإصرار على تحقيق حلمها القديم، وإكمال تعليمها الذي ابتعدت عنه لظروف ارتباطها وتكوين أسرة. «نورة» كانت مثل كثيرات غيرها حلمت، وهي على مقاعد الدراسة بنيل الشهادات العليا، بيد أنها لم تكن من أولئك اللواتي في مقدورهن الجمع بين التحصيل العلمي، والاهتمام بالبيت والزوج، ورعاية الأطفال. لكن حلمها ظل قائماً، ويراودها بين الحين والآخر، إلى أن أشارت إحدى صديقتها عليها بمواصلة تعليمها إلكترونياً (عن بعد)، وسرعان ما قبلت نورة بالنصيحة، فقدمت أوراقها إلى إحدى الجامعات السعودية التي تطبق هذا النوع من التعليم. وقالت نورة، عن تجربتها، وهي في عامها الدراسي الأخير ل«الحياة»: «تمكنت من إكمال تعليمي، وأصبح لدي متسع من الوقت لرعاية أطفالي، ومباشرة أعمالي المنزلية، والاستذكار ولاسيما أن الدراسة لا تلزم الطالب بالحضور، إذ يُكتفى بمتابعة المحاضرات عبر الموقع الإلكتروني، والاطلاع على المقررات الدراسية»، مشيرة إلى رغبتها في مواصلة الدراسات العليا بعد حصولها على درجة «البكالوريوس». من جهتها، أوضحت حصة العتيبي (معلمة) أن «الدراسة المنتظمة تتطلب استذكاراً مستمراً، فيما لا تتطلب الدراسة الإلكترونية ذلك». وأضافت: «كلا النظامين فيه مزايا وعيوب، إلا أنني أفضل الدراسة عن بعد». أما جميلة فاقتصر حديثها حول عيوب الدراسة، التي ذكرت عنها أنه «لا وجود لأنشطة إضافية تساعد الطالب في رفع معدله، إضافة إلى صعوبة بعض الأسئلة في ورقة الاختبار»، واصفة بعض أسئلة الأساتذة ب«المعقدة». واعتبر عبدالله العمري «التعليم عن بعد» أسلوباً أكاديمياً «سهلاً وميسراً، ومزاياه كثيرة وأقسامه متعددة، إلا أن عيبه الوحيد محدودية الساعات المتاحة للطلبة»، مقترحاً زيادة عدد الساعات. فيما طالب كثير من الطلاب والطالبات بوضع تسهيلات في الاختبارات، ومنح درجات إضافية للمعرضين إلى الرسوب. كما طالبوا بخفض رسوم الدراسة وإتاحة الملازم والمقررات للطلاب بالمجان. من جهته، أوضح عميد التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في جامعة الملك فيصل الدكتور عبدالله الفريدان ل«الحياة»، أن «برامج الانتساب المطور، والتعليم عن بعد لها دور فعال وحيوي في إيصال المعرفة إلى جميع شرائح المجتمع السعودي بجميع أطيافه وأشكاله. كما تمكّن من الوصول إلى المناطق النائية التي تفتقر إلى وجود مقار للدراسة الجامعية بها». وأشار الفريدان إلى أن لجامعة الملك فيصل «تجاربَ غنية وثرية» لعدد من الطلبة الذين تمكنوا من متابعة تحصيلهم العلمي، وهم في مساكنهم، بفضل الاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة، التي أسهمت في توفير الوقت والجهد، وكل هذا انعكس على المجتمع وتطوره في المجالات كافة»، مضيفاً أن «الجامعة أول جامعة طبقت نظام التعليم عن بعد في السعودية، بعد أن كان مقتصراً على برامج الانتساب القديمة والمطورة، في غالبية جامعات المملكة». وكشف أن «الجامعة خرّجت خمس دفع من الطلاب والطالبات، وأكثر من 91 في المئة من الخريجين يعملون في وظائف مرموقة في جميع مؤسسات الدولة، وهو ما يدل على وعي أفراد المجتمع بضرورة تطوير الذات والتسلح بسلاح العلم والمعرفة». وعن العقبات التي تعترض هذا النوع من التعليم، قال عميد التعليم عن بعد: «لعل أكبر مشكلة تواجه هذا النوع من التعليم هو الكلفة المادية المرتفعة التي تحتاج إليها البنية التحتية الإلكترونية، وكذلك عدم تقبل بعض أفراد المجتمع لهذا النوع لحداثته». وأضاف: «لكن بعد تجربتنا في هذا المجال، وجدنا تقبّلاً ملحوظًا من خلال الأعداد الهائلة التي تلتحق ببرامج التعليم عن بعد، فاق كل التوقعات». وعزا ذلك إلى أن هذا الأسلوب الأكاديمي «يقدّم العلم والمعرفة، ويمدّ الطلبة بتجربة تقنيّة ثريّة، فضلاً عن أن الطالب يعيش في بيئة إلكترونية تعليمية متكاملة». يُذكر أن «التعليم عن بعد» يشكل ثورة في مجال تكنولوجيا المعلومات، بعد أن كان محصوراً بوسيلة المراسلة الورقية، عبر البريد العادي، وتعتبر جامعة «شيكاغو» أول إدارة مستقلة للتعليم بالمراسلة، إذ إنها الجامعة الأولى على مستوى العالم، التي اعتمدت أسلوب التعليم عن بعد (بحسب ويكيبيديا الموسوعة الحرة). كما يساعد هذا النوع من التعليم كثيراً من الناس في رفع مستواهم الثقافي والعلمي، ولاسيما الذين لم يتمكنوا من التفرغ للدراسة؛ لانشغالهم بأعمال أو مهام وظيفية مختلفة.