لم يكن التفكير في إلغاء الانتساب في الجامعات السعودية، مجرد قرار مثل بقية القرارات، لكنه ارتبط بمصير آلاف الطلاب، سواء المنتسبين حاليا، أو الراغبين في الانتساب لاحقا، أو المخططين للانتساب في المستقبل. لكن الإلغاء الذي يبدو أنه صدم الكثير من الطلاب، إلى الدرجة التي اعتبروه فيها قاصمة الظهر في التعليم العالي، بات أمرا لا مفر منه، سواء بتأكيدات المصادر ل «شمس» أنه «بداية من العام الدراسي الجديد، لا مجال للجامعات إلا قبول الأمر الواقع، وإلغاء الانتساب، والبدء في البديل، المتمثل في التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد»، أو حتى باعتبار مصادر أخرى أنه «لربما تعطل انضمام بعض الجامعات عاما أو آخر، لكنها يجب أن تلتزم بالمدى الزمني الذي حددته لائحة التعليم عن بعد التي اعتمدت في رمضان الماضي 1431ه، وحددت الفترة التي يجب فيها التنفيذ في مدة لا تزيد عن خمسة أعوام». صحيح أن الأعوام الخمسة ربما كانت كافية لتجفيف منابع الانتداب في الجامعات، ليتخرج المنتسبون الحاليون، وليتوقف انضمام الراغبين في الانتساب، لكن الصحيح أيضا أن انتظار خمسة أعوام، كفيل بتراجع مستوى التعليم، الذي من المفترض أن يرتقي للمستوى العالمي. ولأن التعليم عن بعد لم ترق لائحته للمستوى العام حتى الآن، حسب وصف بعض، وربما لم يسمع عنها الكثيرون، وربما مر عليها الآخرون مرور الكرام، منذ صدورها، وكأن الأمر لا يعنيه، بدأ الكثيرون يتعاطون مع بديل الانتساب، على أساس عدم المعرفة، والجهل بالشيء، وحسب أحد المختصين «في منظورهم أن استيراد الجديد الغامض، قد يهدد مستقبلهم التعليمي، والإنسان بطبيعته يتمسك بالقديم، من قيم وتقاليد، حتى وإن لم تتوافق أو تتفق مع متطلبات العصر، ولا تنسجم مع ما سار إليه العالم، فيصبح تمسكا أعمى، يفقد الإنسان الكثير من محاور الحياة العلمية والعملية». وبعيدا عن جوهر التعليم الإلكتروني وماهية التعليم عن بعد، والمحاسن التي يجب أن تتوفر فيه، والآلية التي استوردناها للتطبيق على مجتمعنا السعودي، المعروف بقيمه وتقاليده، يبقى إلغاء الانتساب في منظور الكثير من أبناء المجتمع، أولياء أمور وطلاب وطالبات، ورقة التوت التي يريد التعليم العالي سحبها من أجساد المتعلمين، فما مدى صحة ذلك؟ وهل الانتساب الضالة التي كان ينشدها المجتمع السعودي، أم أنها كانت بالأمس ضالة، وباتت اليوم أقرب إلى الفكرة الضالة التي لا يجب أن نتمسك بها؟ وهل إلغاء الانتساب قصم للظهور، أم تعديل لفقرات التعليم العالي، وتركيب ما يشبه «فقرات غضروفية» تمكنه من السير على خطى المستقبل وفق منظور جديد، ورؤية جديدة واعدة، وليست صاعدة؟ «شمس» فتحت الملف، وسجلت أولا انطباعات الكثير من أبناء المجتمع، الذين بمجرد علمهم بإلغاء الانتساب أعربوا عن استيائهم، وسجلوا انطباعاتهم، وراحوا يعتبرون الأمر كارثة محدقة. نترك التعبير لآرائهم التي نسخناها من العديد من المواقع والمنتديات المتنوعة، إيمانا منا بأن الانتقادات ربما صححت المسار، فإن كان الانتساب خيرا أبقيناه، وإن كان التعليم عن بعد خيرا استوردناه، لكن المهم كما يشدد أحد المختصين «يجب أن نعايش الحراك التعليمي والثقافي الذي يدور في العالم، ولا نتجمد، ثم نبكي على اللبن المسكوب». البداية وجع «أبوعمر» في أحد المنتديات الإلكترونية سجل انطباعه عن إلغاء الانتساب، بعفوية وبصيغة عامية، حيث احتج صراحة على ذلك الإلغاء، كاشفا عن التساؤل الأكبر في أوساط المنتسبين «يعني لم تجدوا إلا المساكين المنتسبين تأخذون منهم فلوس؟ طيب خلاص زوجتي ما راح تكمل انتساب، مع إن ما باقي لها إلا سنة واحدة». أين المجانية؟ فيما اعترض من رمز لنفسه ب «صدقتكم» على من يشير إلى أن الانتساب مجاني «من قال إن الانتساب ببلاش؟ أنا أدفع لجامعه الملك عبدالعزيز كل تيرم 3000 ريال، حتى في التيرم الصيفي، فأين مجانية الانتساب؟». ويؤكد عبدالله خالد أن «الانتساب ليس مجانيا، إذ أدفع لجامعة الملك فيصل 2700 ريال كل تيرم». ويشير غانم الشريم، إلى أن قيمة الانتساب في جامعة الإمام «3500 ريال عدا ونقدا، ولا أعرف بأي حق تأخذ هذه المبالغ، علماً أن الجامعة لا تتكفل بشي، المذكرة تطبع من الإنترنت، ومع ذلك يقولون لنا التعليم مجانا». أما المنتسب بجامعة الطائف، فيشير إلى أنه يدفع 3 آلاف ريال في كل تيرم خسائر الانتساب ويرى أحد المنتسبين أنه لا مجانية في الانتساب «كل تيرم أدفع فواتير الانتساب غير الطبيعية، في التيرم الواحد 3000 ريال، غير تذاكر طيران مع التوصيل من وإلى المطار تقريبا 700 ريال، وسكن 2000 ريال تقريبا، حسب فترة الاختبار، وإعاشة + مغسلة ملابس + قهوة وشاي ومصروفات نثرية 600 ريال، هذا غير أن الواحد يفارق أهله، ويبعد عن أولاده، حيث يصبح المجموع نحو 6300 ريال تقريبا، وفوق هذا السيارة تريد شحنها، أو استئجار سيارة بجدة، ثم يأتيك أستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز يعطيك أسئلة معقدة، حتى لا تنجح، وتدفع التيرم الثاني أيضا، أبلغناهم أننا نريد الاختبار في الرياض، ونعطيهم ما نخسره على التيرم الواحد، لأن الدعوة استثمارية بحتة، مع العلم أن المملكة تساهم بميزانية ضخمة في التعليم، إذن لماذا يأخذون منا رسوما ونحن من أبناء الوطن، وهم لا يحتاجون إليها؟». خوف من الجودة لكن من رمز لنفسه بحرف «ض»، ابتعد عن محور الإلغاء، وبدا أكثر بعدا في ما يريد تطبيقه «توفير الكثير من الجودة؟ أضحكتني هذه العبارة، والمضحك المبكي أنك فوق ال 3000 معاملة سيئة من هيئة التدريس + معامله تعسفية بالامتحانات وطريقة الأسئلة + استهانة بأمر المنتسب عموما في مناقشة المنهج + في حال رسبت في ماده تدفع 500 ريال إضافية، لتتمكن من إعادة اختبارها، فهل هذه الجودة المقصودة أعلاه؟». لكن الجداوية ترى أن الإلغاء أفضل وأحسن «حتى لا يأتي ناس من مدن أخرى، ويدرسون في جامعات بعيدة عن مدنهم، لكن الله يعين المتزوجات والأمهات في إكمال تعليمهن، وبصراحة الأفضل الانتظام». ويشير من رمز لنفسه ب«المجرب»، والطالب حاليا في انتساب وتعليم عن بعد، إلى أنه «بصراحة جربت جميع أنواع التعليم، الانتساب إرهاق وتعب، وخسائر فلوس، والتعليم عن بعد، لا بد من توفير البنية التحتية، وأن تكون ممتازة، تخيل أنك في المحاضرة، وفجأة الإنترنت انفصل، أو نظام التعليم الإلكتروني يعلق». غير سليم ويرى «ولد الجامعة» أن قرار إلغاء الانتساب غير سليم «لأن التعليم عن بعد لا يحتاج إلى خطوة جيدة ومواكبة للتطور، ولكن يحتاج إلى واحد فاضي يقعد على الكمبيوتر ويحضر محاضرات ويحل واجبات، أما الانتساب شد حيلك وذاكر متى ما تريد، ووفر مدرس الوقت اللي تريده، وتمشي الأمور». ويتساءل أبو طلال، حول مصير طلاب السنة التحضيرية «يحولونهم دراسة عن بعد أم يستمرون في الانتساب؟». ويرى طالب انتساب مطور، أن «الانتساب المطور غير معترف به بتاتا، والدليل أن شروط وزارة التربية والتعليم لا تقبل شهادة الانتساب في التعليم، يعني أين نذهب؟». خطوة للخلف وتعتقد هتون العطوي من تبوك أن الإلغاء خطوة للخلف «نحن جالسون نتقدم خطوة للأمام، وانتم تعيدوننا للخلف، أطير فرحا عندما أرى الانتساب المطور، مديرات ووكيلات مدرسة ومدرسات، الجميع يريد مواصلة دراسته، وهذه الفرصة الوحيدة لهم». وينظر الحربي إلى الإلغاء على أنه ضياع للفرصة الأخيرة «كان الأمل الوحيد لنا في الحصول على الشهادة الجامعية». أما حارس الأمن، فينظر إلى الأمر من واقع اقتصادي «من أين لنا بمصاريف التعليم عن بعد؟ فإذا كنت أعمل حارس أمن لمساعدة نفسي وأهلي، فمن أين لي بهذا المبلغ، وراتبي لا يزيد عن 1400 ريال؟». ويشير أبومشاري إلى أنه يحاول دراسة الماجستير في الجامعات السعودية، ولم يستطع منذ خمسة أعوام «التعليم عن بعد غير معترف به في من قبل وزاره التعليم العالي لبعض الجامعات، والآن ألغي الانتساب، كيف تريدوننا أن نتطور؟». ويسأل طالب منتسب ما إذا كان سيتم تحويله لنظام التعليم عن بعد «ما الفائدة، مادامت الثلاثة آلاف ريال سيأخذونها، فما الذي استفدناه، هل المحاضرات فقط؟». صدمة للجميع ويشدد طالب على أنه نظام غير مجد والجودة التعليمة ضعيفة وسيئة «أعتقد أن هذا الخبر صدمة حقيقية على الطالب السعودي وأسرته لعدة أسباب، هذا النظام تم تطبيقه خلال الفصل الأول من هذا العام كنوع من التجربة تحت اسم الانتساب المطور على نظام السنتر التعلم عن بعد، ومدته ثلاثة أسابيع، انتهت الدورة ولم يختتم معظم أفراد هيئة التدريس مناهجهم، بحجة أن المناهج طويلة، والفترة الزمنية غير كافية، علما بأن المناهج جديدة، ما انعكس سلبيا على الطلاب، لاسيما أنهم ليس لهم أعمال سنة، إرهاق ميزانية الأسرة لو لديها ابنان أو ثلاثة، مدة المحاضرة الواحدة طويلة قد تتجاوز الساعتين ما يضر بصحة الإنسان». ويعترف صاحب المستقبل الغامض أن شهادته على الجدار «شهادة الانتساب غير معترف بها، فكيف يكون التعليم عن بعد؟». ويستفسر أحمد قمبر «هل سيكون التعليم عن بعد قاصرا على السعوديين أم سيفتح الباب لمن أراد أن يتقدم، مهما كانت جنسيته؟ ومهما كانت الإجابة، فهي خطوة جيدة أن نحاول مواكبة الجامعات العالمية». ودعا طالب إلى الاعتراف بشهادة الانتساب «اعترفوا بها أولا، ونظام التعليم عن بعد، وبعدين افتتحوها، أرى أنها فوضى وعدم تنسيق». ويشير عسكري منتسب، إلى أنه كان سعيدا بالانتساب «إذا ألغي، سأضطر إلى ترك الدراسة، وأفهم أنه ليس ضروريا أن ندرس من الأساس، لأن الموضوع تتضاعف صعوبته علينا، عموما شكرا للتعليم العالي». المرجع الوظيفي ويخشى دارس أن يؤثر التغيير على مستقبله وظيفيا «المصيبة أن بعضنا أخذ موافقة من مرجعه الوظيفي لإكمال الدراسة بالانتساب، ودرس ثلاثة أعوام، ثم يوفر شهادة تعليم عن بعد، يعني سيدخل في إشكالية مع مرجعه الوظيفي، ربما كنا في غنى عنها، نرجو النظر والاستثناء على الأقل للطلاب الحاليين لأن مشكلتهم أكبر». اسأل مجرب وينصح من رمز لنفسه باسم «عزوز» الجميع بالاتجاه للتعليم عن بعد: «الفكرة جيدة، خاصة لطلاب الانتساب، أنصحهم بالتعليم عن بعد، أولا، ما كنت مقتنعا به، لكن الآن أنا طالب تعليم عن بعد ب أربعة آلاف ريال للتيرم، وبصراحة تعليم ممتاز جدا، وأنصح إخواني المنتسبين أن يحولوا إلى تعليم عن بعد، وللمعلومية فإن له نظرة مستقبلية باهرة». ويؤكد الحربي أن التعليم عن بعد ممتاز جدا «إذا تفعل بشكل ممتاز ودعم من الحكومة». وينظر شادي عباس إلى أن الأمر تطور «أعتقد أن الدراسة بهذا الشكل أفضل بكثير من الانتساب». ويبين عمرو العمر من القصيم محافظة عيون الجوراء، أهمية التوسع أكثر وأكثر تلبية للحاجات المتزايدة للطلبة المقبلين على هذا النوع من التعليم «ومن ثم الوصول عن طريقه لسد الاحتياجات، وهو ما نطمح للوصول إليه، لا سيما في ظل الخيارات والفرص التعليمية الموجودة في الدول المجاورة، وآمل مستقبلا أن يتم التركيز أكثر على برامج الدراسات العليا كالماجستير والدكتوراه، وتخفيف الشروط التعجيزية الموضوعة من قبل جامعاتنا السعودية في طريق الطلبة الراغبين في إكمال تعليمهم العالي». وتفسر «أسيل» عملية دفع الرسوم في الانتساب «ما تدفعونه حاليا لأن نسبكم منخفضة في الشهادة الثانوية أكثر من النسبة المحددة، لكن الانتساب الحقيقي مجانا، والدليل لدي صديقتان، تدرسان الانتساب مجانا، ولم يلغوا الانتساب بل طوروه للتعليم عن بعد، لأنه أفضل من الانتساب التقليدي، بمعنى أن تدرسوا في المنزل، وتصبح المحاضرات على الإنترنت، ويصبح هناك منتدى للنقاش مع الأساتذة والطلاب، أعتقد أننا مجتمع نرفض أي شيء جديد، ولا نقبل التطوير بأي شكل، ولا يعجبنا أي شيء للأسف». ممتاز ولكن فيما يرى «عبدالعزيز 89» أن «القرار ممتاز، التعليم عن بعد أفضل من الانتساب». ويضع من رمز لنفسه باسم «نمر الوسطى» جملة من التساؤلات «هل التعليم عن بعد يشمل تعليم الماجستير؟ ما هي الجامعات التي بدأت بتطبيق التعليم عن بعد؟ ما هي التكلفة المطلوبة للدراسة لكل تيرم؟ وهل سيكون الدفع عن طريق برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟». تكلفة عالية ويرى آخر أن تكلفة التعليم عن بعد التي يمكن أن تتراوح بين 2500 - 3000 ريال، يصعب توفيرها من بعض الفئات «يقولون إن التكلفة تقل كثيرا عن نظيرتها العالمية، فيما توفر الكثير من الجودة، لكن هذا كلام لا يقبله عقل ولا منطق، ومن يقول هذا الكلام يجب عليه أولا المقارنة بين رواتبنا ورواتب غيرنا، إذ كيف أدفع هذا المبلغ وراتبي لا يتعدى 1500 أو 2500؟ قارنوا ثم قولوا تقل كثيرا عن نظيرتها العالمية» .