عادت «المنية» مجدداً لتسجل هدفاً لا مفر منه، في مرمى عظام الأمة الإسلامية، باختطافها أمس الشيخ محمد سيد طنطاوي، الذي جاء رحيله قريباً من ثرى اختار أن يضم «جثمانه» بعد أن شغفه ساكنه حباً. ومع أن الآجال مكتوبة، كما يردد العامة والخاصة، إلا أن «النية الصادقة» في ظن علماء الدين تلعب دوراً كبيراً في تحقيق أماني الأحياء والأموات على السواء، فطنطاوي الذي جاء للمشاركة في تكريم عرسان «الفيصل»، ووافاه الأجل قبل أن يغادر إلى بلاده، كان ترك وصية بأن يدفن في «البقيع» بجوار خاتم الأنبياء وصحابته وآل بيته. وصية طنطاوي وإن كانت سهلة التحقق بالنسبة إلى شخص في مقامه وفضله، إلا أن وفاته في الأرض التي اختارها ل «روحه»، يضيف إلى وصيته بعداً آخر، لكأنما «سار إلى مدفنه باختياره». ومن المفارقات أن كثيراً ممن أملهم الموت في المدينة النبوية، طمعاً في نيل شفاعة النبي، أتوا من بلادهم ليعيشوا فيها، إلا أن الإرادة الإلهية تشاء أن تخطفهم «المنية» خارجها. على النقيض من ذلك آخرون «صدقوا فصدق الله معهم»، وعاشوا حياتهم بعيداً عن أرض الحرمين، ولكن «ساعة الحقيقة» يساقون إلى الأرض التي أحبوا. أشهر أولئك في العصر الحديث كان العلامة المصري الراحل الشيخ محمد الغزالي، الذي جاء إلى المملكة ضيفاً على مهرجان «الجنادرية»، فعاجلته المنية سريعاً قبل أن يغادرها، ليظفر بما أوصى من الدفن إلى جنب أحبائه الأوائل في البقيع. وكانت أحاديث نبوية عدة وسير تاريخية كثيرة وثقت حالات مشابهة لأشخاص صدقوا في نواياهم، فحقق لهم ربهم ما تمنوا بأن يقبضهم في مكان بعينه. وحرص عدد من أهل العلم والتقوى في القديم والحاضر، على قصد سكنى المدينة النبوية في آخر حياتهم، أملاً بأن يكرمهم الله بالوفاة فيها، لينالوا وعد النبي عليه الصلاة والسلام، بأن «من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليمت، فإنه من مات بها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة». ولهذا سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ربه أن يموت في المدينة، إذ روى البخاري أنه قال: «اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في حرم رسولك». كما وردت نصوص خصت مقبرة «البقيع» بفضل خاص.