مضت أكثر من سبعة أشهر على الحرب والانقلاب الذي شنه الحوثيون وقوات الرئيس السابق علي صالح على الدولة والأرض والإنسان في اليمن، مخلفين الدمار والقتل ومتجاوزين القوانين الدولية والإنسانية لحقوق الإنسان، إذ كشفت لجنة حقوق الإنسان العربية حجم انتهاكات الحوثيين والقوات الموالية لهم، معبرة عن أسفها للأوضاع الإنسانية الخطرة التي يشهدها اليمن، وطالبت بضرورة مساءلة ومحاكمة كل من ثبت في حقه ارتكاب تلك الانتهاكات. كما كشف تقرير قدمه التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في شأن انتهاكات ميليشيا الحوثي وصالح، في الفترة من 21 أيلول (سبتمبر) 2014 حتى 15 آب (أغسطس) 2015، أن عدد القتلى المدنيين وصل إلى 3074، منهم 381 امرأة و400 طفل، وبلغ عدد الجرحى من المدنيين 7347، منهم 514 امرأة و719 طفلاً. وذكر التقرير أن «عدد المحتجزين تعسفياً بلغ 5894 في تلك الفترة، وتم الإفراج عن 4640، وبقي 1245 محتجزاً، وبلغت حالات الاختفاء القسري 982 وحالات التعذيب 796 واحتجاز 215 طفلاً، كما تم اقتحام ونهب 25 مؤسسة إعلامية، واقتحام 115 منظمة مجتمع مدني، كما تم قصف 4611 منزلاً، منها 402 دمرت بالكامل. كما تم اقتحام 578 مؤسسة حكومية، و163 مقراً لأحزاب سياسية، كما تم قتل 200 مدني برصاص القناصة». وتتجلى فظائع الحوثيين وأنصار صالح في أبشع صورها في تعز، تلك المحافظة الصامدة التي تواصل لملمة جراحها إثر القتل والدمار والقصف والمأساة التي يخلفها الحوثيون والقوات الموالية لهم بشكل مستمر، خصوصاً عندما يقف الأطفال والنساء بوقت الظهيرة تحت حرارة الشمس الحارقة في طابور طويل، للحصول على مياه الشرب والغذاء في المدينة التي تشهد حصاراً خانقاً تفرضه الميليشيات على منافذها التي تخضع لسيطرتهم، فيما تدخل المواجهات المسلحة شهرها السابع من دون توقف. ويواجه نحو 2.2 مليون مواطن في محافظة تعز أوضاعاً إنسانية واقتصادية صعبة، جراء الحرب التي تشنها جماعة الحوثي، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية وانعدمت المشتقات النفطية والغاز، في ظل الحصار الذي تفرضه الجماعة على تدفق الوقود والسلع. وقالت المحامية والناشطة الحقوقية اليمنية إشراق المقطري ل«الحياة» إن «تعز تتعرض لنوعين من الانتهاك للقانون الدولي والإنساني، جرائم ضد الإنسانية ممثلة بالقصف المنهجي على المساكن والأسواق بشكل يومي نتج عنه مقتل نحو 1200 مدني وجرح 6 آلاف، واستهداف المنازل والأزقة والأسواق والمستشفيات ووسائل المواصلات، وهو استهداف لأية فرصة حياة ممكنة يصنعها الصامدون هنا». وزادت: «أما النوع الآخر فهو تعرض أبناء تعز إلى جريمة إبادة جماعية عن طريق الحصار ومنع الغذاء والماء والدواء والوقود وكل الحاجات الأساسية، ويشمل الحصار المدينة من الجهات الشرقية والغربية، ووضع نقاط تفتيش ومنع دخول أية حافلة مساعدات، واحتجاز شاحنات الأدوية والمساعدات الغذائية، سواء أكانت تابعة لجهة دولية مثل برنامج الغذاء العالمي، أم لفاعل خير». وأضافت أن «الوضع الإنساني يزداد بؤساً، وترتفع الأسعار بنسبة 300 في المئة، مع التحول للأخشاب في الطبخ والحطب، وتحول الحمير إلى وسيلة المواصلات وعيش في الظلام بسبب انقطاع الكهرباء منذ 7 أشهر، يوجد داخل المدينة 800 ألف محاصرين في معتقل كبير يعانون الجوع المختلط بالخوف من القذائف». حصار الماء و«تعطيش» المدينة وتوقفت المؤسسة المحلية للمياه عن ضخ الماء للسكان تماماً منذ منتصف آب (أغسطس) بسبب حاجتها إلى 200 ألف لتر من الوقود شهرياً، ما أدى إلى حرمان 300 ألف مواطن من مياه الشرب. وقال المسؤول الإعلامي للمجلس التنسيقي بالمقاومة بتعز رشاد علي الشرعبي في تصريح ل«الحياة» إن «تعز تعاني حصاراً خانقاً منذ نيسان (أبريل) الماضي، وشددته ميليشيا صالح والحوثي خلال الشهرين الماضيين، وزاده سوءاً استعادة تعز وسكانها كل ما كان لديهم من غذاء ومشتقات نفطية ودواء وماء ومال». وأضاف: «بالتزامن مع ذلك، هناك إصرار كبير على المضي نحو السيطرة واجتياح المدينة الصامدة بوجه العدوان، ولذلك اشتد القصف الأسلحة الثقيلة وصواريخ الكاتيوشا بصورة وحشية تطاول أحياء وشوارع مدينة مكتظة بالسكان». وعلقت الناشطة المقطري بأن «معاناة تعز ليس لها شبيه، هنا اضطر الناس لتنظيف أسطح المنازل ليستقبلوا ماء المطر ويشربوا منه، بعد انعدام الماء وبعد حوادث مقتل وإصابة سائقي شاحنات نقل الماء وتغميد الحصار بالدم». وزادت: «كان ردهم على كل سائق وايت ماء: اتركوا الدواعش يموتون.. أنتم من قلتم ارحل. ووصل الحال بهم إلى التبول داخل سيارات الماء، وسكب حمولة بعضها على الأرض حتى اضطرت محطات التحلية لإغلاق أبوابها. ولم يتوقف الأمر على الماء حتى الدقيق والبر عاملوهما كالمتفجرات والمخدرات، فمنعت حتى الكميات القليلة، وتم نثرها أمام حامليها مع التهكم والسخرية والسب: خلوّا السعودية تنفعكم وهادي يعطيكم». وأضافت: «لا توجد أسرة لم تتحول لاستخدام الموقد البدائي بعد أن منعوا (المتمردون) أسطوانات الغاز، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر الحطب وندرته إلى أن تم منعه أيضاً، وضع قاتل بكل معاني الكلمة يعانيه المحاصرون الفقراء بتعز في ظل مجتمع إقليمي ودولي لا يكترث بقضيتهم». السلاح يغتصب مستودعات الأدوية وعن نقص مخزون الدواء وضخامة مخزون السلاح، قال الشرعبي: «هذه نتيجة طبيعية لبلد اختطفته الميليشيا والعصابات التابعة لصالح والحوثي أن يختفي الدواء وينتشر السلاح وتسيل الدماء في المقابل. هنا الحياة مشلولة: تتوقف المدارس والمستشفيات وتتوالد الزنازين والمعتقلات.. وإنها كارثة حلت على البلد، وزادته معاناة وضاعفت آلامه، لكن في المقابل نثق بأن شعب اليمن وبدعم أشقائه في السعودية وبقية دول التحالف العربي سيستعيد عافيته وسينهي عملية الاختطاف». وأشارت المقطري من جانبها، إلى أنه «مع بداية الحرب وضح للناس ضعف البنى التحتية التي تجاهلها علي صالح، وفضل بدلاً منها شراء أسلحة ليواجه بها الشعب الثائر ضد حكمه، ودعماً لأسرته ومطامعه». وزادت: «توجد في تعز ألوية عسكرية طالب بإخراجها السكان منذ بداية العام 1990 لتكون خارج المدينة، فليس مهمة الجيش البقاء داخل المدن. هي اليوم تقتل الناس وتستبيح دماءهم، اللواء 22 و35 وعسكر الإذاعة والأمن المركزي والشرطة العسكرية وغيرها.. كلها تمتلئ مخازنها أسلحة موجهة للمنازل والأحياء، ألوية اختارت الصرخة السخيفة بدلاً من النشيد الوطني».