قالت مصادر سياسية مواكبة للمداولات التي شهدها الاجتماع الاستثنائي للمكتب السياسي لحزب الكتائب، برئاسة رئيسه أمين الجميل، للنظر في تحفظ وزراء الحزب على البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام، بذريعة ان الفقرة الواردة فيه والمتعلقة بمرجعية الدولة يكتنفها بعض الغموض يستدعي توضيحها منعاً لأي التباس، خصوصاً في ضوء تلميح بعض الوزراء الى الاستقالة وأفادت بأن تلك المداولات لم تحبذ الخروج من الحكومة. وأكدت المصادر نفسها ل «الحياة» أن غالبية الأعضاء في المكتب السياسي عارضوا بشدة الاستقالة من الحكومة، ورأوا ان لا مبرر للخروج منها تحت وطأة المزايدات السياسية من هنا وهناك، وقالت ان هناك مبالغة في الترويج لوجود اختلاف بين الرئيس الجميل ونجله النائب سامي الجميل. وعزت السبب الى أن الأخير لم يطرح استقالة الوزراء بصورة مباشرة خلافاً لموقف النواب نديم الجميل وسامر سعادة وإيلي ماروني الذين دافعوا عن الخروج من الحكومة. واستبعدت المصادر عينها ما كان أشيع عن لسان بعض الأعضاء في المكتب السياسي من انهم يشترطون لقاء عزوفهم عن مطالبة الوزراء بالاستقالة اعادة النظر في البيان الوزاري لجهة تضمينه نصاً صريحاً حول مرجعية الدولة، وقالت ان الغالبية لم تتطرق الى مثل هذا الطلب. ولفتت الى ان الغالبية في المكتب السياسي اعتبرت ان المخرج الذي يدفع الحزب الى سحب تحفظه على البيان الوزاري يكمن في تأكيد رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة تمام سلام على مرجعية الدولة من ناحية وعلى تفهمهما لهواجس الحزب من ناحية ثانية. وسألت المصادر عن الجدوى من الاستقالة، في وقت يشدد فيه الرئيس الجميل وباستمرار على التوافق الذي يمهد الطريق لقيام حكومة سياسية جامعة ويقدم نفسه على أنه مرشح لرئاسة الجمهورية على هذا الأساس ويبدي انفتاحاً على جميع الأطراف وصولاً الى اجتماعه بالسفير الإيراني في لبنان غضنفر ركن أبادي. ورأت ان بعض المتشددين المعارضين لمشاركة الحزب في الحكومة وقعوا في «كمين» نصبه لهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع واعتقدوا بأنه سيزايد عليهم في موضوع عدم مشاركته في الحكومة، وهذا ما عبر عنه النائب الجميل في خطابه الذي ألقاه في الاحتفال الذي أقامته في «البيال» قوى 14 آذار لمناسبة الذكرى التاسعة لانطلاقة «ثورة الأرز» في 14 آذار عام 2005. وقالت ان الجميل ألقى خطابه قبل جعجع وفوجئ بأن الأخير لم يتطرق الى مسألة مشاركة «القوات» في الحكومة إلا من زاوية رغبته بتسجيل موقف أمام المشاركين في الاحتفال ولم يذهب بعيداً في مزايدته ورغب في التركيز على انتخابات رئاسة الجمهورية طارحاً مجموعة من المواصفات للرئيس العتيد يمكن ان تنطبق عليه من وجهة نظره. وأكدت ان المشكلة التي دفعت بالمتشددين في «الكتائب» الى التلويح بدعوة وزراء الحزب الى الاستقالة تكمن في انهم ذهبوا ضحية الازدواجية في الخطاب السياسي وأن هؤلاء لا يزالون يراهنون على منافسة جعجع وزعيم «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على كسب ود الحياديين في الشارع المسيحي، على رغم ان الرئيس الجميل ومعه الوزير في «الكتائب» سجعان قزي كانا على تواصل مع رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة ونادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري في خصوص الصيغ المطروحة في البيان الوزاري والمتعلقة بمرجعية الدولة ودور المقاومة. ضبط اداء المتحمسين للاستقالة وتابعت المصادر: «ان غالبية الأعضاء في المكتب السياسي للكتائب وعلى رأسهم الرئيس أمين الجميل نجحوا في ضبط أداء المتحمسين للاستقالة انطلاقاً من تقديرهم بأن لا مصلحة للحزب بأن يكون في ملعب سياسي واحد الى جانب «القوات» لأن الأخيرة قادرة على استيعابهم باعتبارها أكثر تنظيماً وانتشاراً، اضافة الى ان مثل هذه الخطوة تقطع الطريق على قيادة الحزب التي تسعى دائماً للتمايز عنها». وقالت ان الغالبية في قيادة «الكتائب» أجرت تقويماً للموقف الذي ستتخذه حول مسألة المشاركة في الحكومة والتبعات السياسية المترتبة على خروج الحزب منها وأولها ضرب تحالفه مع «المستقبل» الذي سيكون له موقف من أي قرار سلبي يتعلق بالحكومة. وأضافت: «ان الكتائب كانت تعارض على الدوام تشكيل حكومة حيادية أو من التكنوقراط، وبالتالي فإن خروجها منها لن يدر الربح السياسي على الحزب لأنه لن يستطيع منافسة «القوات في ساحتها». ناهيك بأن «الكتائب» - كما تقول المصادر المواكبة - بات على يقين بأن خروجه من الحكومة لن يمر من دون تداعيات، أي أن رئيسي الجمهورية والحكومة لن يتركا المقاعد الوزارية التي يشغلها وزراء الحزب شاغرة، بل سيبادران قبل عقد جلسة الثقة المقررة بعد غد الأربعاء لمناقشة النواب البيان الوزاري الى التفاهم على تعيين وزراء جدد خلفاً للذين يستقيلون من الحكومة. واعتبرت ان لا مبرر ل «الكتائب» للتحفظ على البيان الوزاري في ظل التأكيد على مرجعية الدولة وقالت إن رئيسي الجمهورية والحكومة لن يتريثا في قبول استقالة الوزراء أو رفضهما لها. وعزت المصادر السبب الى ان هناك ضرورة لتعيين وزراء خلفاً للمستقيلين وقبل موعد عقد جلسة الثقة لقطع الطريق على وقوع الحكومة في إرباك يمكن ان يفتح الباب أمام سجال جديد حول الوزراء المرشحين لخلافتهم، وبالتالي يؤدي الى حصول فراغ قد تستفيد منه قوى 8 آذار أو بعض أطرافها للالتفاف على عدم إعطائها الثلث الضامن في الحكومة. وبكلام آخر، فإن الإبقاء على الفراغ من دون أن يصار الى ملء الشواغر سيؤمّن لقوى 8 آذار الحصول على أكثرية الثلث الضامن إذا ما حسمنا من العدد الإجمالي لأعضاء الحكومة الوزراء الذين سيتقدمون باستقالاتهم. لذلك، فإن تهديد البعض في «الكتائب» بالاستقالة يبقى في حدود التعبير عن «فشة خلق» لن تكون لها تداعيات أو مفاعيل سياسية وبالتالي يسألون سليمان وسلام عن «ترضية» تتمثل في التأكيد على مرجعية الدولة لتبرير العودة الى الصف الحكومي. وفي رأي المصادر ان جعجع أراد التصويب على معركة الرئاسة الأولى ولم يدخل في سجال مع «المستقبل» حول مسألة المشاركة، لكنه بموقفه استعجل حرق المراحل عندما قدم نفسه بطريقة أو بأخرى على أنه المرشح الأقوى داخل قوى 14 آذار ومن خلال المواصفات التي اعتبرها من شارك في مهرجان «البيال» أنها تنطبق عليه أولاً وأخيراً. وفي هذا السياق قالت مصادر مواكبة إن من حق جعجع الترشح للرئاسة الأولى، لكنه أراد بطريقة مباشرة أن يلغي المرشحين الآخرين في 14 آذار مستبقاً ما كان تحدث عنه زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري في أكثر من مناسبة من أنه سيكون ل 14 آذار مرشحها وأنها لا بد من ان تجتمع للاتفاق على الاسم الذي ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية. وسألت المصادر عن الأسباب التي دفعت جعجع الى استباق القرار الذي ستتخذه «14 آذار» في شأن رئاسة الجمهورية على رغم ان هناك صعوبة في التوافق على الاسم؟ وقالت: هل لاستباقه علاقة بكل ما يشاع عن الأجواء التي سادت لقاء الحريري - عون في باريس والتي تتولاها جهات إعلامية مقربة أو محسوبة على 8 آذار في محاولة لزعزعة موقف «14 آذار» من الرئاسة بذريعة أنهما تفاهما على ملف الانتخابات الرئاسية؟ وأكدت أن لا أساس من الصحة لكل ما تروّجه بعض الأوساط في 8 آذار حول تفاهم الحريري وعون على رئاسة الجمهورية أو أن هناك إمكانية لتوافق في هذا الخصوص، وقالت إن مسألة تشكيل الحكومة كانت حاضرة بامتياز في اجتماع باريس وأن انتخابات الرئاسة غابت تماماً عن البحث. لكن المصادر لاحظت أن عون بادر منذ فترة وبناء لنصيحة فريق عمله الذي يتولى التحضير لخوض انتخابات الرئاسة الى مهادنة «المستقبل» في محاولة لكسب وده، وإلا لماذا أخذ يكثر الحديث عن الانفتاح وضرورة تطبيع العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و «المستقبل» على أنقاض الكتاب الذي أعده «تكتل التغيير والإصلاح» تحت عنوان «الإبراء المستحيل» وأنه قطع للحريري تذكرة سفر في اتجاه واحد، فيما يتجنب تحديد موقف واضح من القضايا الساخنة التي هي موضع اشتباك سياسي في الساحة اللبنانية والمتعلقة بسلاح «حزب الله» ومشاركته في القتال الى جانب النظام في سورية؟