لائحة الأطراف والدول القلقة على لبنان تزايدت بوضوح في الآونة الأخيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر. - الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز يخشى على لبنان من التقسيم والتجزئة في حال نشوب حرب جديدة. - الرئيس الفلسطيني محمود عباس يخشى ان يتحول ما يجرى في مخيم عين الحلوة الى ما حدث في مخيم نهر البارد. - رئيس هيئة مصلحة تشخيص النظام في إيران هاشمي رافسنجاني عبّر عن خشيته على «مصير لبنان» في حال نشوب حرب جديدة. - البابا بنيديكتوس السادس عشر أبلغ رئيس الحكومة سعد الحريري الأسبوع الماضي خلال زيارة حاضرة الفاتيكان: ان لبنان في قلبي وفي صلواتي دائماً كي يجنّبه الله المزيد من الحروب والاضطرابات. وآخر القلقين، حتى كتابة هذه السطور، الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الذي أبلغ الرئيس ميشال سليمان قبل ثلاثة أيام فقط انه «يحرص على مصير لبنان وعلى سيادته في هذه الآونة بالذات»، والسؤال الطبيعي في هذه الحال: هل هذا الاهتمام الإقليمي والدولي بلبنان مدعاة لأن يجعل اللبنانيين أكثر قلقاً على المصير الآتي أم أكثر اطمئناناً؟ وبداية التصعيد الأخير كانت مع الخطاب الذي ألقاه أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله وفيه أطلق سلسلة من التهديدات ضد إسرائيل ومن ضمنها المخاطبة المباشرة: «إذا قصفتم مطار الشهيد رفيق الحريري سنقصف مطار بن غوريون في تل أبيب» الى نوع آخر من التهديدات التي يمكن إدراجها ضمن الحرب النفسية في جانب وفي سياق تكريس مبدأ «توازن الرعب» في جانب آخر. وقد استنفر لبنان صداقاته لدى دول المنطقة والعالم استدراكاً لاحتمال قيام إسرائيل بعدوان جديد عليه. وفي حين تلقى بعض الضمانات والتطمينات في هذا الاتجاه لكن في مسألة التعاطي مع إسرائيل لا يمكن ضمان اي وعد في شكل قاطع بعدم إقدامها على جنون آخر، معرّضة أمن لبنان والمنطقة بكاملها لفترة جديدة من العنف. ويبدو الوضع القابض على حال لبنان رهن نوعين من المخاطر الإسرائيلية منها والفلسطينية. وهل من رابط بين الجهتين؟ في الإجابة على هذا التساؤل تجب الإشارة الى ما شهده مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان من اشتباكات دامية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، وعلى رغم المصالحات التي عُقدت بين مختلف الفصائل المتناحرة داخل المخيم. فقد عبّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن خشيته من «احتمال تكرار تجربة مخيم نهر البارد»، وقال: «ان الصدامات التي شهدها مخيم عين الحلوة هي نذير شؤم وخطر على العلاقات الفلسطينية – اللبنانية» وانه يفوض الحكومة اللبنانية «ان تتصرف كما تشاء في موضوع السلاح خارج المخيمات، ونحن معها. وأما في شأن السلاح داخل المخيمات فنحن معها عندما تقول بأنها تريد البحث في هذا الموضوع». إذن... لبنان في هذه الحال بين المطرقة الإسرائيلية وسندان الفلسطينيين، وأيهما يسبق: تهديدات تل أبيب أم تفجيرات مخيم عين الحلوة أو غيره من المخيمات. تتزامن هذه التطورات مع لقاء القمة الذي عُقد في دمشق بين الرئيس بشار الأسد والرئيس محمود احمدي نجاد في ظاهرة تؤكد من جديد على عمق التحالف الاستراتيجي القائم بين البلدين. وسبقت هذا اللقاء تصريحات لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي أعلنت فيها انها طلبت من سورية فض الاشتباك بينها وبين إيران الأمر الذي كان مدعاة للسخرية خلال المؤتمر الصحافي المشترك بين الأسد وأحمدي نجاد. ولقاء دمشق توسع ليشمل لقاءات عدة بين الرئيس الإيراني ومجموعة من فصائل الممانعة والمقاومة للتأكيد على صلابة هذا التعاون، وسط إعلان لأحمدي نجاد بأنه «يتطلع الى شرق أوسط جديد من دون إسرائيل والصهيونية». في هذا الوقت كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تصرح أمام لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ أنها أبلغت دمشق «ضرورة ابتعادها عن طهران». وأضافت: «هناك فسحة صغيرة مع سورية يمكن البناء عليها»، وأكدت كلينتون تعيين روبرت فورد سفيراً جديداً لأميركا لدى سورية بعد خمس سنوات من القطيعة. وهنا تبرز المفارقة اللافتة، ففي حين كانت المواقف الأميركية في السابق تدعو الى تغيير سلوك النظام في سورية، تأتي الآن «دول محور الممانعة» للمطالبة بتغيير سلوك النظام الأميركي في المنطقة! وفي ما بدا مع تولي الرئيس باراك أوباما ظهور أسلوب جديد للتعاطي مع ما يسمى «دول الرفض» في المنطقة، وتغليب لغة الحوار على كل ما عداها، تظهر الوقائع عدم وجود تغيير فعلي في التصوّر العام من اعتراف اوباما نفسه بأنه كان على خطأ و «شديد التفاؤل» بإحداث اختراق في عملية السلام في المنطقة. كل هذا يؤكد وجود حالة من الفراغ السياسي العام، والسؤال يتركز حول من سيملأ هذا الفراغ؟ أما أزمة الملف النووي الإيراني فيبدو انها تراوح مكانها من حيث عدم الاتفاق الكامل بين دول الغرب الأميركي والأوروبي حتى حول العقوبات المشددة التي يمكن ان تفرض على إيران. وتقول هيلاري كلينتون «ان طهران لم تترك للمجتمع الدولي سوى خيار فرض العقوبات بسبب تصرفها الاستفزازي». ولدى مطالبة بعض أعضاء الكونغرس الأميركي الوزيرة كلينتون ردت بالدعوة الى «ترك هامش أمام الإدارة (الأميركية) لخوض مسار متوازٍ في الأممالمتحدة». وحول معارضة الصين تشديد العقوبات على إيران أقرت كلينتون بهذه الصعوبة، وقالت إنها نقلت الى المسؤولين في الصين مخاطر حيازة إيران سلاحاً نووياً على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ومصالح الصين في المنطقة وفي الخليج، وخصوصاً لجهة احتمال إطلاق سباق تسلح في الشرق الأوسط، ما سيؤذي مصالح الصين الأمنية لاعتمادها على النفط الإيراني. لكن الصين باقية على موقفها باللجوء الى حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار يدعو الى فرض المزيد من العقوبات على إيران. وبعد فإن تساؤلات المرحلة تبدو كالآتي: * هل ان التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على لبنان وعلى «حزب الله» هي من نوع القنابل الصوتية ام ان المخاطر جدية اكثر مما يظهر على سطح الأحداث؟ * وفي سياق استطرادي: هل ان إسرائيل بنيامين نتانياهو تتجه الى ارتكاب الحماقة الكبرى بتنفيذ تهديدات ضد إيران، وبذلك تشعل المنطقة بكاملها في أتون يصعب تقدير حدود مخاطره؟ * في هذه الأثناء تبدو إسرائيل ماضية الى حروب الجاسوسية، وآخر الفصول كان اغتيال القيادي في «حماس» محمود المبحوح في دبي وما تركه من تداعيات، وفي هذا السياق عقد اجتماع عاصف بين وزير خارجية إسرائيل افيغدور ليبرمان ووزراء خارجية المجموعة الأوروبية نفى فيه ضلوع إسرائيل في عملية الاغتيال. * قال رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا فيون خلال زيارته دمشق قبل أيام: «لقد مددنا اليد إلى الحكومة الإيرانية من دون ان ننجح»، وأعرب عن الأمل ب «ان تساعد سورية في هذه الجهود لكي تتراجع إيران عن اتخاذ قرارات خطيرة على السلام في العالم». وفي المقابل أعرب وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن سعي سورية الى إيجاد حوار بناء بين إيران والغرب يؤدي الى حل سلمي لأزمة الملف النووي الإيراني، ولعلها المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب عن دور سوري واضح للوساطة بين إيران والدول الغربية. ويبدو ان مقومات هذه الوساط تقوم على المبدأين الآتيين: الأول: حق إيران في استخدام الطاقة النووية لغايات سلمية، والثاني ان تثق دول المنطقة ان ليس لدى إيران برنامج نووي عسكري! * كاتب وإعلامي لبناني [email protected]