دخل مشاهدو القنوات الفضائية على خط المنتقدين لحزب «العدالة والتنمية»، والداعين إلى تغيير سياساته، وذلك بعد أيام على تصاعد أصوات متذمرة، من داخل الحزب ومن رفاق درب سابقين، آخرهم الرئيس عبدالله غل. فالصدفة والعناد وضعا الرئيس رجب طيب أردوغان وحليفه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وزعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو في تنافس يُعتبر سابقة، إذ ظهر كلّ منهم على قناة فضائية مختلفة، لكن في التوقيت ذاته، فأظهرت مستويات المشاهدة الدقيقة في تركيا، تفوّق نسبة مشاهدة كيلجدار أوغلو على غريميه. ففيما حقق الأخير نسبة مشاهدة راوحت بين 4-5 نقاط، نال أردوغان 3.5 نقطة، فيما لم تتجاوز نسبة مشاهدة داود أوغلو نصف نقطة. هذا التراجع في نسبة المشاهدة يعكس في شكل ما تراجع اهتمام المواطن بتصريحات أردوغان، وميله إلى سماع «نغمة جديدة» يؤمّنها كيليجدار أوغلو، كما يظهر بوضوح عدم اكتراث المشاهد بما يقوله داود أوغلو، في حضور الرئيس التركي. هذه النسب التي انتشرت كالنار في الهشيم في تركيا، بدت وكأنها القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد انتقادات غل وقياديين سابقين في «العدالة والتنمية»، نتائج مؤتمر الحزب أخيراً، والتي أبعدت القيادات المؤسسة، لمصلحة موالين مخلصين لأردوغان يحيطون بداود أوغلو في اللجنة المركزية. وجاءت هذه الخطوة على رغم أن تقرير التقويم الداخلي للحزب حمّل أردوغان وأنصاره في «العدالة والتنمية» مسؤولية تراجع شعبيته، بسبب تفشي الواسطة في آليات ترقيات الكوادر، وسيطرة «لوبي المقاولين ورجال الأعمال المقربين من الرئيس» على أجهزة الحزب. وفي مقابل هذه الظروف الصعبة واستطلاعات للرأي تظهر أن «العدالة والتنمية» لن ينال في الانتخابات المبكرة المرتقبة مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، أكثر من نقطة واحدة عن النسبة التي حصل عليها في الانتخابات النيابية الأخيرة، سعى داود أوغلو إلى تحسين الوضع واستخدام صلاحياته زعيماً للحزب، ولكن من دون أن يزعج أردوغان. وأبدل رئيس الوزراء 40 في المئة من مرشحي الحزب للانتخابات، مستعيناً بأسماء جديدة ذات توجّه ديني أكثر قوة في المحافظات ذات الغالبية الكردية، للتغلّب على الاستقطاب القومي بآخر ديني، بسبب الأزمة مع الشارع الكردي بعد «حرب على الإرهاب» شنّها أردوغان على «حزب العمال الكردستاني». لكن داود أوغلو أطاح بعدد رمزي من الأسماء المحسوبة على الرئيس التركي، والتي لا وزن انتخابياً لها، مثل المغنّي أوغور اشلاق، والنائب عبدالرحيم بوينوقالن الملقب ب «البلطجي»، إذ اشتهر بتهديده صحافيين بالضرب، والصحافي صافجي صايان الذي تفرّغ تماماً للتهجّم على معارضي أردوغان، بأسلوب خارج عن الآداب العامة. في المقابل، حاول داود أوغلو خطب ودّ القيادات المؤسسة القديمة التي تمت تصفيتها في المؤتمر الحزبي الأخير، فدفع بعلي باباجان وبشير أتالاي وجميل شيشيك، في مقدمة لائحة المرشحين، على رغم إبدائهم سابقاً رغبة في عدم الترشح للانتخابات. القائمة الجديدة أشاعت أملاً خبا سريعاً في «العدالة والتنمية»، بعد إعلان الرئاسة برنامجاً كثيفاً لأردوغان خلال الحملة الانتخابية لزيارة المحافظات، ما يعني عزمه على العودة إلى الساحات مجدداً، ليطغى بخطابه وحضوره، على الجهود الانتخابية لداود أوغلو.