لم تكن مبادرة «الحوار الوطني» ومن بعدها «حوار الأديان» اللتان تبناهما خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز محلياً ودولياً بعيدتين من أفكار الشبان السعوديين واعتقاداتهم. ويتلمس المتابع لبعض سجالاتهم بعداً فكرياً أكثر تسامحاً، لم يكن حاضراً في السابق كما هو الآن، خصوصاً بعد شيوع مصطلح «الحوار» بين أوساط الجنسين بشكل لافت. ويهدف مركز الحوار الوطني الذي أنشئ بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين – بحسب موقعه الإلكتروني- إلى «توفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وكل فئاته من ذكور وإناث، بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية، وذلك من خلال تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها من طريق الحوار الفكري الهادف». كذلك يهدف المركز إلى «الإسهام في صوغ الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء، ومعالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها، وطرحها ضمن قنوات الحوار الفكري وآلياته، وترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبًا للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا وتوسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية، وتعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري». وتجسد بعض أهداف مركز الحوار الوطني الذي أنشئ قبل بضع سنوات بعدما اكتوت السعودية بنار التطرف والإرهاب، في منتديات الانترنت، حيث بدا الميل واضحاً الى اعتماد مفهوم الحوار كأسلوب حياة ومنهج للتعامل مع مختلف القضايا، إضافة إلى أن أفراد المجتمع بشتى انتماءاتهم المذهبية أو الفكرية أصبح لهم دور وصوت مسموع في المجتمع، خصوصاً الشباب الذين كانوا يعانون تهميشاً في السابق. وفي أحد المنتديات الالكترونية رصدت «الحياة» جدلاً حول مدى حضور الهواجس الحزبية والانتماءات المذهبية لدى بعض الشباب السعوديين من الجنسين، فكتبت إحدى المشاركات من دون أي تردد: «بالنسبة الي ما يهمني بالدرجة الأولى أن تكون البنت مؤدبة ومحترمة، سواء كانت مسلمة (شيعية، سنية) أو نصرانية، او لا دينية، أكثر ما يهمني أن تحترم مبادئي ومعتقداتي». ويبدو أن حساسية الشباب من كلا الجنسين نحو المواضيع الدينية ليس مرحباً بها بشكل عام، إذ تضيف الفتاة التي استترت تحت اسم مستعار: «غالباً ما لا أناقش الأمور الدينية مع أصدقائي، ولا يناقشونها معي، لأن الاختلاف وارد، وربما يؤثر بعض الشيء في العلاقة، لذا من المستحيل أن أفتح مواضيع بهذا الخصوص معهم». ولفتت الفتاة إلى أن لديها «أصدقاء شيعة، ويهوداً، ومسيحيين، وهي مرتاحة معهم جداً»، موضحة أنها لا تحبذ الخوض في أمور الدين، «أنا لا أحب الخوض في أمور الدين لأني سأبقى على قناعاتي ويظل الآخرون على قناعاتهم مهما تناقشنا، فلا داعي للكلام الزائد». ولفتت إلى أنها تحب التعرف الى الديانات الأخرى من باب التودد والتلطف، تقول: «أحب أن أسألهم واستفسر من باب الشغف المؤدب وليس الجارح الذي يحسسهم بأنهم مخطئون، أو بأني مصيبة وأحاول إطلاعهم على الإسلام، بشكل موجز، لكي لا أشعرهم بأني أحاول إقناعهم بشيء ما»، نافية أن يكون باعث علاقتها مع المختلف معها دينياً أو مذهبياً مصلحياً. ويرجع أحد المعلقين في المنتدى ما أسماه ب «التخندق المذهبي» إلى عدم النضج الكافي أو نتيجة شعور الانسان بالتهديد فيلجأ للاحتماء، وأبدى تذمره من تعصب بعض الشباب لمعتقداتهم أو شخصيات معينة. ويقول: «قديماً، جاءت الأديان لتحرر الناس من عبوديتهم، والآن أصبحوا يعبدون الرموز، وغالباً ما تكون رموزاً عنصرية بغيضة في ميزان الإنسانية». وتعتبر الأقليات الدينية أو العرقية عموماً الأكثر استفادة من انتشار ثقافة التسامح إذ يتاح لها نيل حقوقها، إلا أن الأقليات غالباً ما تكون مسؤولة عن عدم الانفتاح على غيرها والتواصل معهم. وهو ما يحدث حتى في الجامعات حيث يبتعد أبناء الأقليات أحياناً كثيرة عن غيرهم ربما لمعلومات مغلوطة من قبل الطرفين. وأوضح القاضي السابق محمد الدحيم أنه في ظل الأحداث والمتغيرات لا بد من رؤية متجددة لآفاق التعددية في المجتمع السعودي. وتأتي في مقدمة المتحركات إرادة السياسي وفقاً لمخرجات الأحداث وهذا ما يبدو في لغة خطابه وتوجهاته التعليمية، والتأسيس لثقافة الحوار، إضافة إلى الثورة المعلوماتية العالمية غير المعترفة بمصطلح الممنوع. وذكر أن الجيل الجديد من العلماء والمثقفين نجح في كسر حاجز الجمود العلمي لدى المدارس التأسيسية للحركات العلمية، وإعادة قراءة النصوص المقدسة بفهم أوسع مقرون بمطالعة صحيحة للواقع المعاش مع قراءة صحيحة أيضاً لمعنى الإنسانية والنفس البشرية وحقها في الحياة والتعايش. ولفت إلى أن التصور الجديد لمفهوم «المواطنة» لدى رجل السياسة أو الأكاديمي أو حتى المواطن العادي، أصبح «حقاً» لا «فضلاً». وقلل الدحيم من زوال الفوارق المذهبية قائلاً: «لا نتوقع بأن تزول الفوارق المذهبية المؤثرة بل ستبقى، ولكن الذي نتوقعه بأنها لن تتحول إلى حرب عقائد وتجريم وتكفير». واشار إلى أن «من يظن أن الهدف من التقارب والحوار هو الاندماج العلمي والثقافي وإذابة كل الفوارق وإنهاء كل الخصوصيات فإن هذا أقل ما يقال عنه إنه ناقص التصور». وأضاف: «ليس دورنا في الحوار أن نحنبل الشافعي أو نسنن الشيعي ولكن الهدف أن تكشف للآخر ثقافتك ومعلوماتك وتقرأ ما لديه وتنتخب الحق الذي تفهمه أياً كان مصدره».