فيما استمرت أعمال القنص متقطعة على الجبهة الأمامية القريبة من شقتها القائمة في بناية متداعية في حي ستاركو أحد محاور باب التبانة في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، تكمل أم خالد البوبلي (40 سنة) نشر ثياب أولادها الصغار، وهي تقول لنا: «الطقس منيح. وإذا لم أنشر اليوم راح الأمر إلى الأسبوع المقبل، تعودنا على هذه الاشتباكات. لن يتغير أي شيء. كلها 3 أيام وتنتهي، وإذا لم تنتهِ على الأقل تكون ثيابنا نظيفة»، منهية كلامها بابتسامة ضحلة، وهي تمسك بيدها ملاقط خشبية لتعلق بنطالاً ملوناً لطفل صغير السن. أم خالد تستغل هدنة «مقطوعة» بعد ليلة واحدة من جولة العنف ال20 من جولات الاقتتال العبثي التي تشهدها محاور باب التبانة - جبل محسن، راح ضحيتها بين ليلة وضحاها (من أول من أمس وطيلة الليل حتى صباح أمس) 4 قتلى بعد وفاة طارق عبوس متأثراً برصاصة أصيب بها في صدره في باب التبانة، وبلغ عدد الجرحى 36 جريحاً وآخرهم يحيى خالد يوسف الذي أصيب في خاصرته ونقل إلى المستشفى ووضعه مستقر. الهدوء الحذر ساد طرابلس أمس، وهو بعرف قادة المحاور عبر «واتسآب» بمثابة «هدنة، ترتاح جبهة لتشتعل أخرى في «القبة» و «الريفا» و «المنكوبين». وقال أحد المقاتلين ل «الحياة»: «هذه استراتيجيتنا كي نستطيع الراحة. ليس لدينا شبان كافين للمعركة. نكون أنهكنا في الليل كله. فنريح جبهة لتأخذ عنا جبهة أخرى. أو نكتفي بالرد على رصاص القنص». اشتباكات كر وفر. لا صوت فيها إلا للرصاص. تدوّي القنابل وأصوات ال «بي - 7» في أرجاء المدينة القلقة دوماً من الأزمة السورية. وتقول الحاجة أم خالد: «لن تحل أزمتنا قبل أن يتم استئصال حزب آل عيد وزمرة بشار الأسد من طرابلس». كلامها يردده معظم سكان التبانة. لكنهم على شيء من الرتابة صاروا غير مكترثين بتبعات هذه الاشتباكات التي تحولت إلى عادة ضجرة في حياة سكان المنطقتين. يضطر سكان المنطقة الأمامية المقابلة لسكة الشمال وحي المهاجرين والحارة الجديدة ومعهم سكان شارع سورية إلى ترك شققهم، متجهين إلى الأحياء الداخلية في التبانة. يشاركون عائلات أخرى بيوتها وطعامها. ينامون في غرفهم مكدسين، أو يفترشون كاراجات معزولة هرباً من القذائف ورصاص القنص العشوائي الذي يطاول معظم الأحياء المختبئة وراء أبنية مكتظة في حزام بؤس متفجر.وبين هذه الأحياء يتجمع فتيان لا يتجاوزون الثامنة عشرة من عمرهم. يحملون أسلحة خفيفة وأمشاطاً مليئة بطلقات الرصاص. يمشون بزهو وهم يكملون المشهد الحربي المتكرر في الحي. بعضهم يشارك في القتال، وبعضهم يرد على رصاص القنص في الهواء. أما كثر منهم فيمشون بين السكان والأبنية. يقول سعيد إنه يحمل سلاحاً ل «حماية» أهله. مؤكداً أن إخوته الشباب يشاركون على الجبهة، ومشيراً إلى أن والده «قتل على يد النظام السوري في مجزرة التبانة أواخر الثمانينات، بمساعدة من أهالي جبل محسن»، موضحاً: «لدينا ثارات مع أهل الجبل والجرح يزداد». والاشتباك الذي اندلع في محلة القبة بين عناصر من الجيش اللبناني ومجموعة مسلحة، أدى إلى إصابة عسكري في يده. وكان بين القتلى الذين سقطوا في أقل من 12 ساعة، نساء وبين الجرحى أشخاص من التابعية السورية إلى جانب لبنانيين. وأثارت الاشتباكات احتجاجات سياسية، إذ استغرب النائب محمد كبارة «إعادة عقارب الساعة الأمنية إلى الوراء في طرابلس التي كانت بدأت تستعيد حياتها تدريجاً»، مؤكداً أن «الجولة العشرين التي انطلقت، على رغم كل التطمينات السياسية والأمنية مرتبطة بسلسلة من الضغوط التي تمارس على اللبنانيين للقبول ببيان وزاري على قياس مقاومة مزعومة تريد خطف الدولة والوطن والشعب والجيش». وطالب في بيان بعد اجتماع اللقاء الإسلامي في طرابلس، ب «إحالة تفجيري التقوى والسلام في طرابلس على المجلس العدلي»، رافضاً «تحويل طرابلس إلى صندوق عنف لتبادل الرسائل»، مؤكداً أن «لا غطاء سياسياً لأي مخالف للقانون». ورفض «استهداف الأبرياء من أي جهة أو أي طائفة كانوا»، مطالباً الدولة ب «ملاحقة كل من يثبت تورطه بارتكاب الجرائم»، داعياً القوى العسكرية والأمنية إلى «الاستمرار بأداء واجباتها لوقف كل الاعتداءات على أهل طرابلس من جانب عصابة الرئيس السوري بشار الأسد في جبل محسن». وقال فيصل كرامي: «إن حكومات تأتي وحكومات تذهب، رؤساء يأتون ورؤساء يذهبون، وزراء يأتون ووزراء يذهبون، وتبقى طرابلس على ما هي عليه. وللأسف الشديد، قلنا ونكرر إن لا حل لطرابلس إلا بقرار أمني سياسي مشترك يرفع الظلم عن هذه المدينة المخطوفة من مسلحين يقومون بالاعتداء على المواطنين الأبرياء يومياً فيها، وعلى القضاء والأجهزة الأمنية أن تتحرك سريعاً». وكان جرى أمس، توقيف جلال كلش مدير مكتب عضو «هيئة العلماء المسلمين» الشيخ سالم الرافعي في مطار رفيق الحريري الدولي ثم أخلي سبيله. وأعلن الشيخ الرافعي في مؤتمر صحافي لاحقاً أنه أفرج عن مرافقه كلش «بضغط من الشارع والناس»، لافتاً إلى أنه «في حال كان المقصود اعتقال كل من يناصر الثورة السورية فنقول إننا نناصر الثورة السورية ولو كلفنا هذا كل الثمن، ولن نتخلى عن نصرة أهلنا في سورية، ولو استغاث أهلنا في يبرود بنا لأفتينا بالجهاد معهم». ورأى أن «طرابلس باتت صندوق بريد، وإذا تعثر البيان الوزاري يُؤمر الحزب العربي الديموقراطي بتوتير الوضع». ولفت إلى «أننا فوجئنا بعد تشكيل الحكومة بأن المداهمات زادت والمداهمات باتت تطاول الشباب الملتزم والذي لا علاقة له بالأحداث في طرابلس».