بلغ الوضع الأمني في طرابلس، شمال لبنان، مرحلة خطيرة مع إعلان نواب وفاعليات فيها أن المدينة «ستكون مضطرة للدفاع عن نفسها»، «بعد هدنة 48 ساعة» طالب الجيش والقوى الأمنية خلالها بردع «الحالة المسلحة الشاذة في منطقة بعل محسن»، فيما دعا زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في تصريح الى «الحياة» الى حسم الوضع في طرابلس مطالباً ب «عدم إبقاء أي حي أو منطقة مقفلة في وجه الجيش والقوى الأمنية الشرعية». وإذ رأى الحريري أن «هذا الوضع في المدينة لن يستمر مهما كلّف الأمر وأن التساهل مع الذين يعتدون على أهلنا أوصلنا الى هذا الوضع المأسوي»، قال إن «الدولة مسؤولة عن سلامة المدينة ويجب أن تسارع الى تعطيل مرابض الفتنة وشل قدرات الأدوات التي تعمل على استيراد الحريق السوري الى لبنان». وفي الساعات الأولى من مساء أمس، بدأت وحدات في الجيش اللبناني انتشاراً في أحياء جبل محسن وتمركز بعض الجنود على أسطح بعض الأبنية فيها للحؤول دون عمليات القنص، بحسب ما أعلن مصدر في الحزب العربي الديموقراطي، الميليشيا المتحصنة في المنطقة، بعد أن كان «اللقاء الوطني الإسلامي» الذي يضم نواباً طرابلسيين وشماليين ورجال دين من طرابلس اتهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمؤسسة العسكرية بأنهم يبدون «كأنهم متواطئون مع النظام السوري والإيراني عبر العصابة المسلحة المتحصنة في ثكنة الأسد في بعل محسن». وفيما كانت أعمال القنص وإطلاق النار استؤنفت قبل الظهر بين منطقتي بعل محسن ذات الأكثرية العلوية وباب التبانة ذات الأكثرية السنية وطاولت أحياء أخرى في عاصمة الشمال، قال وزير الداخلية مروان شربل في المقابل إن «رغبة وزراء ونواب طرابلس في طيّ هذا الملف تعترضها صعوبات بعدما خرج المتقاتلون عن طاعة بعض الفاعليات على طريقة لما اشتد ساعده رماني». وبينما أكد الوزير شربل أن الأحداث السورية تنعكس سلباً على لبنان، خصوصاً على طرابلس، أكد مرجع أمني رفيع ل «الحياة» أن الوضع الأمني في طرابلس «أوشك على الانفجار وأخذ يقترب من الهاوية وهذا يستدعي اتخاذ قرارات جريئة وفوق العادة لتدارك المأساة لأن الإجراءات والتدابير الروتينية لم تعد كافية لإعادة الهدوء والاستقرار إليها». واستأثر وضع المدينة بالمشهد السياسي الداخلي فربط بعض الأطراف التدهور الأمني فيها بمجريات الأزمة السورية فيما ربطه البعض الآخر بالطعن الذي تقدم به كل من الرئيس سليمان وكتلة «التيار الوطني الحر» برئاسة العماد ميشال عون بقانون التمديد للبرلمان. وناشد رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة السورية بالإنابة جورج صبرا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري «الإسهام في فتح ممرات لإخراج الجرحى من مدينة القصير السورية الى المناطق اللبنانية أو السورية وإلا تكون مجزرة تلطّخ تاريخنا وتخرّب علاقاتنا لفترة طويلة» مقدراً أن يكون «هناك أكثر من ألف جريح 400 منهم في حالة حرجة». وأضاف صبرا: «إنه نداء وطني سوري الى وطني لبناني. آمل ألا تفوتوا الفرصة ولا تسمحوا بإغلاق جميع الأبواب بيننا». وكان العماد عون اتهم نواب طرابلس بأنهم هم من ربوا المسلحين فيها، بينما رأى رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط أنه «آن الأوان لبعض الساسة في المدينة وبعض الأطراف الداخلية والخارجية الأخرى للإقلاع عن عملها المتواصل في التسليح والتمويل المنظم لبعض الأحزاب والميليشيات وقادة المحاور داعياً لاحتضان الجيش اللبناني». وكانت مصادر مطلعة على موقف الرئيس سليمان ردت على مطالبته والجيش بموقف حازم حيال ما يجري في طرابلس، بالتأكيد أنه سعى على الدوام الى تأمين الدعم المعنوي والسياسي للجيش والقوى الأمنية الأخرى سواء في مجلس الوزراء أو مجلس الدفاع الأعلى. وأضافت: «صحيح أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة لكن وضع الخطط الأمنية مناط بالقادة الأمنيين الذين هم أكثر قرباً الى الواقع على الأرض وهم يقومون بدورهم للجم التدهور الأمني في المدينة». وشددت المصادر على أن القرار السياسي بوقف الاشتباكات، والتغطية السياسية من قبل سليمان مؤكدان للجيش الذي لن يتردد في الحؤول دون سقوط ضحايا جراء الفلتان، لكن المشكلة في وجود بيئة حاضنة للمجموعات المسلحة المتنازعة من الجانبين في الدعم المعنوي والمادي لها. من جهة أخرى، أفادت المعلومات الواردة من طرابلس مساء أن الجيش بدأ إزالة الدشم في بعض أحياء جبل محسن، وقام بمداهمات لبعض المنازل. واعترض الحزب العربي الديموقراطي على انتشار الجيش، بينما أفادت معلومات شبه رسمية أن الجيش سينتشر في مناطق باب التبانة بعد انتهاء تمركزه في جبل محسن، إلا أن رصاص القنص لم يكن توقف مساء أمس.