خطة اصلاح القوات العسكرية الروسية السارية جذرية وطموحة، وتلبي حاجة روسيا الماسة الى جيش عصري منظم، ومجهز بأحدث وسائل الادارة والتقنيات العسكرية لمواجهة التحديات العالمية والاقليمية الجغرافية - السياسية. وأبرز اهداف الاصلاح رفع مستوى جاهزية الجيش الروسي القتالية. ففي صيف 2008، اقتصرت جاهزية القتال في الجيش الروسي على 20 في المئة من عديده. ووجهت انتقادات لاذعة الى خطة وزير الدفاع الحالي، اناتولي سيرديكوف، ومحاولة اصلاح القوات المسلحة الروسية. فهو شأن سلفيه، يرمي الى تقليص عدد ضباط الجيش أكثر من ضعفين، واختزال الاقسام العسكرية. وإذا نجح مخطط الاصلاح، أبقي في قمة الهرم العسكري على نحو 10 آلاف جنرال وعقيد، و100 ألف ضابط صغير، و 40 الف رائد ومقدم. في اعوام 1993-2002، بلغ عدد الضباط المستقيلين من الجيش الروسي نحو 457 الف ضابط. ومعدل الاستقالات السنوية بلغ 45 ألف ضابط، على رغم زيادة الانفاق العسكري، ورفع الرواتب، وتقديم حوافز مالية، وتقليص مدة الخدمة. وتلغي خطة الاصلاح الجديدة بنية النظام العسكري السوفياتي. وهي تتعمد إبطال الترتيب القائم على الجيوش والفيالق والفرق والافواج، في القوات البرية والجوية والبحرية. وبلغ عديد القوات المسلحة، في مطلع 2008، مليون و118.8 ألف جندي، وعدد الضباط 355.3 الف، الى 140 الف ملازم ثان، و 623.5 الف رقيب وجندي. ويتوقع أن يقلص عدد الضباط في 2012، الى نحو 150 الف ضابط، ويرفع عدد الرقباء والجنود الى 850 الف رقيب وجندي . ويتزامن تقليص عدد الضباط مع تغيير بنية إدارة الجيوش العمودية، واستبدال بنية جديدة بها، ركنها 3 دوائر أو مراتب هي المنطقة العسكرية، والقيادة الاستراتيجية السريعة والعملية، والفرقة. ويستكمل الاصلاح هذا بتغيير نظام التعليم العالي . ومن المقرر أن يقلص عدد المؤسسات التعليمية العسكرية من 65 مؤسسة الى 10 مؤسسات فقط، في 2013. ولن يتعدى عديد قسم الاحتياط في الجيش الروسي ال 800 ألف جندي، بعد أن بلغ في العهد السوفياتي نحو 120 مليون شخص. وتابع ما يقل عن 3 آلاف طالب السنة الدراسية الاولى في المؤسسات التعليمية العسكرية في 2009، بينما كان عدد نظيرهم في الأعوام السابقة نحو 18 الف طالب. وترتب على الخطة الاصلاحية تغيير بنية قطاعات القوى المسلحة التنظيمية، وإلغاء الجيوش والفيالق والافواج. وتربعت محلها الفرق وقواعد الطائرات. وفي القوات البرية، انشئت 85 فرقة مجهزة بالتقنيات والوسائل الضرورية. وفي الاعوام السابقة، كانت 17 في المئة من وحدات الجيش الروسي جاهزة للقتال، في وقت بلغ عدد الفرق في القوات المسلحة البرية الاميركية ، في 2008، 68 فرقة و187 فرقة دعم قتالي وخلفي. وشمل الاصلاح القوات الجوية. فأنشئت 13 فرقة للدفاع الحربي – الفضائي، و33 قاعدة طائرات يستقبل أوسعها 5 الى 10 اسراب مقاتلة. وقُلص عدد ضباط السلاح الجوي الى 38 الف ضابط من 68 الفاً، وعدد الطيارين من 12 ألف طيار الى 7 آلاف طيار. ونظام الادارة الجديد هذا يرقى الى إعداد القيادة الاستراتيجية العملانية لشن عمليات حربية في غضون ساعة او ساعتين من تلقي الاوامر. ويعود نجاح سيرديكوف في تنفيذ خطة اصلاح القوات المسلحة وتطوير القوى المسلحة الروسية الى كونه وزير دفاع مدنياً براغماتياً اعتبر بنماذج جيوش الدول الاجنبية، وطريقة عمل هيئات اداراتها العسكرية العليا، وأطلع على التجربة الاميركية الرائدة في هذا المجال. وأثبتت التجارب أن تعيين شخصيات عسكرية على رأس وزارة الدفاع، على ما جرت العادة في روسيا، غير ناجع. فمحاولات الاصلاح السابقة مُنيت بالفشل. والجيش الروسي ورِث بنية الجيش السوفياتي العشائرية، إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي عمليات الاصلاح السابقة، سعى كل وزير دفاع عسكري الى تعزيز قطاعات عسكرية معينة على حساب قطاعات اخرى. وادى ذلك الى نزاعات حادة وعنيفة بين الجنرالات والقيادات العسكرية. ولم تترفع قيادة الاركان عن النزاعات هذه. وكان مدار الخلاف الاساسي على من يتولى السيطرة على القوى الاستراتيجية النووية. وعلى خلاف نظرائهم الروس العسكريين، اكتسب وزراء الدفاع الاميركيون المدنيون قدرة على ادارة الجيوش الاميركية. ولكن الجنرالات الروس تهافتوا على قيادة وزارة الدفاع ، وانصرفوا الى استبعاد منافسيهم، والى إجراء تغييرات جذرية في بنية القوات المسلحة على هوى رغباتهم الخاصة. واضطر وزير الدفاع المدني سيرديكوف، وهو ينتهج سياسات غير عشائرية، الى تذليل هذه النزاعات من طريق الاستعانة بجهاز مؤهل وخبراء مستقلين. وتسهم قيادة مدني وزارة الدفاع الروسية في انجاح المفاوضات الروسية – الاميركية على اتفاق « ستارت – 2» تقليص حجم الاسلحة الاستراتيجية النووية الهجومية. والمراقبون مدعوون الى تجنب الخلط بين جاهزية الجيش القتالية وبين امكاناته الحربية. فالرئيس دميتري ميدفيديف حذر من تدني نسبة حيازة التقنيات الجديدة المطابقة للنماذج العالمية المتطورة. ونسبة التقنيات المتطورة الحديثة في الجيش الروسي هي 10 في المئة من تقنياته عموماً. والتحدي الابرز هو امداد الجيش والاسطول الحربي بسلاح حديث قوامه تقنيات متطورة عالية المستوى . * رئيس لجنة المجلس الاجتماعي في وزارة دفاع روسيا الاتحادية المختص بسياسة الامن والتشريع العسكري، عن «روسيا ف غلوبالنوي بوليتيكي» الروسية، 27/12/2009، إعداد علي ماجد