احتُفل في 12 الجاري باليوم العالمي للشباب في مختلف أنحاء العالم، وقد اتفق على التركيز هذا العام على «الشباب والانخراط المدني»، الأمر الذي يمس على نحو يومي الكثير من الشباب السوريين في لبنان وبلدان اللجوء المجاورة. ولهؤلاء الشباب قصصهم وخبراتهم مع العمل المدني. لم يعرف الشباب السوري عموماً العمل المدني في بلاده خلال العقود السابقة، فالنظام الأمني لم يسمح بنشوء منظمات مجتمع مدني أو أي تجمعات قد تعرقل خططه وأهدافه وتحد من سلطته، وأنشأ في المقابل منظمات انبثقت من الفكر البعثي الحاكم كاتحاد شبيبة الثورة والاتحاد النسائي. وبقيت الأمور على ما هي عليه، والعمل في الشأن العام حكراً على الحكومة، حتى اندلعت الثورة وتشكلت نواة العمل المدني لمواجهة الصعوبات التي برزت أمام الشباب المنخرطين في الثورة ولملء الفراغ الناتج عن الأحداث. بحكم تطور الأمور وتصاعد الصراع وتسلح الثورة، اضطر كثير من هؤلاء الشباب إلى الانتقال نحو البلدان المجاورة، وفي لبنان تعرفوا على نمط جديد من العمل المدني. ويقول ثابت المعراوي، وهو طالب جامعي سوري له اهتماماته في العمل المدني، إن «لبنان بلد يحتضن مجتمعاً مدنياً حيوياً وفعالاً»، ويضم خبرات تراكمت عبر سنوات من العمل المدني، يمكن للشباب السوري المهتم أن يتعلم منها الكثير مما ينقصه، خصوصاً على صعيد اهتمام الأفراد والمجموعات المدنية بالشأن العام الذي يجب ألا يكون محصوراً بالأجهزة والمؤسسات الحكومية. يعتبر لبنان أيضاً مركزاً رئيساً للمنظمات الدولية والإقليمية غير الحكومية العاملة في الشرق الأوسط. وبسبب توجه اهتمام هذه المنظمات نحو سورية في السنوات الأخيرة، استقطبت شباباً سورياً نشط في العمل المدني خدمة لمواطنيه سواء داخل سورية أو اللاجئين منهم في لبنان، كما تمركزت في البلد نفسه منظمات سورية غالباً ما تعمل على نحو غير رسمي معتمدة على جهود الشباب السوري وخبراته في هذا المجال الذي يخوض معظمهم غماره للمرة الأولى. فوجئ سامر عوض ابن الرابعة والعشرين بالمجالات التي فتحها العمل المدني أمامه، فهو أتى من سورية مضطراً و انخرط في العمل المدني عبر علاقاته الشخصية مهتماً بالشأن السوري. ويشرح أن العمل المدني كسر فكرته التقليدية عن مستقبله العملي، ويضيف: «صار بإمكاني اليوم أن أكون فعالاً في المجتمع خارج الأطر التقليدية التي كانت تحدنا في سورية ضمن مهن محددة لا محيد عنها»، فهناك إما الحرف العادية أو المهن المعروفة كالطب والهندسة والمحاماة، وأغلبها لا علاقة له بالشأن العام. ويركز عوض على امكان الدمج بين العمل المحترف والقدرة على خدمة المجتمع من خلال المبادرات الفردية والجماعية، من دون التخلي عن الجانب التطوعي، وهو الأمر الذي لم يخطر في باله لولا الثورة السورية وانتقاله إلى لبنان. تطوير مهارات ساهمت الدورات التدريبية المتنوعة والمتكررة في تطوير مهارات الشباب السوري في هذا الشأن. وعلى الرغم من بعض الانتقادات الموجهة إلى هذه الدورات والتشكيك في جدواها وملاءمتها للوضع السوري، لا يمكن نكران الفائدة العميقة التي قدمتها لمن اهتم فعلاً من الشباب السوري بزيادة معارفه في هذا المجال. ويقول أحد الذين شاركوا في عدد من هذه الدورات إن تعدد المنظمات المعدة لهذه الدورات ساهم في تعدد مضامين ها، كما أن هذه اللقاءات أسست لعلاقات جيدة بين الشباب السوري المنخرط في العمل المدني، ولعلاقات ضرورية مع أفراد المنظمات الدولية ذوي الخبرة. من جهة أخرى، شكلت فرص العمل المدني بأنواعه فخاً لكثيرين، فانعدام الخبرة وعدم القدرة على التعلم ساهما في تشويه العمل المدني، كما أن سوء الأحوال والظروف السيئة للاجئين وضعف الرقابة أمور جعلت من الحديث عن فساد وهدر في الموارد أمراً يكاد يكون عادياً. ويعتبر مؤيد السالم الذي تطوع سابقاً في إحدى المنظمات أن الرواتب الممنوحة للشباب السوري في بعض المنظمات الدولية مرتفعة إلى حد مفسد وغير عادل، ويرى أنه لا يمكن لمن يتقاضى راتباً بألوف الدولارات أن يتحسس فعلاً هم اللاجئ المعدم الذي فقد كل شيء ليقبع في خيمة ينتظر المساعدة. ويلفت إلى أن مستوى المعيشة المرتفع الذي توفره هذه الرواتب سيجعل من عودة هؤلاء الشباب إلى سورية في المستقبل والاندماج في مجتمعها أمراً بالغ الصعوبة. يعارض أحد الموظفين السوريين الشباب في منظمة دولية السالم في رأيه، فالعمل المدني في هذه المنظمة يوفر له خبرة احترافية متقدمة ومترافقة مع راتب يتناسب ومدى خبراته ومهاراته في اللغات الأجنبية والشهادات التي يحملها. ويذكّر بارتفاع تكاليف المعيشة في بلد مثل لبنان ليهلص إلى أن ما يتقاضاه هو مقابل عادل لقاء جهوده، مخالفاً رأي السالم بشأن عدم القدرة على تحسس هموم اللاجئين. ويعوّل منسق المشاريع في احدى الجمعيات الشبابية السورية كثيراً على انخراط الشباب في العمل المدني واهتمامهم بالشأن العام، ويتحدث عن الوضع في سورية الذي وصل إلى حد بالغ السوء بسبب طغيان العمل العسكري والمسلح على العمل المدني. ويؤكد أن المستقبل الجيد لبلده سيصنعه شباب سوريون ناشطون مدنياً، ويرى أن هذا المستقبل سيكون مشرقاً وأقل صعوبة بمقدار ما يستطيع الشباب السوري اليوم زيادة معارفه وخبراته في هذا الشأن من خلال الالتزام الجاد والعمل بجهد على تطوير الذات. ويشدد بشكل خاص على اكتساب اللغات الأجنبية بطلاقة لما لمسه من ضعف لدى فئة واسعة من السوريين في هذا المجال.