أياً يكن الرئيس المقبل الذي سينتخب، تتجه الأرجنتين التي يحتل اقتصادها المرتبة الثالثة في أميركا اللاتينية، نحو تحرير اقتصادها الذي اعتمدت الطريقة الحمائية لإدارته خلال رئاسة نستور ثم كريستينا كيرشنر. ويتنافس ثلاثة مرشحين في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 25 تشرين الأول (أكتوبر)، هم الحاكم دانيال سكيولي المدعوم من الرئيسة اليسارية كريستينا كيرشنر، لكنه أكثر اعتدالاً، ورئيس بلدية بوينس آريس المحافظ موريسيو ماكري ومرشح وسط اليمين سيرجيو ماسا. وقد حصلوا على التوالي على 39 و30 و20 في المئة من نوايا التصويت. وعلى الرئيس المقبل أن يضع في مقدم اهتماماته تسوية النزاع مع صناديق مالية حول بقايا الدَّين الناجم عن إفلاس الأرجنتين في 2001، لإعادة مستثمرين محتملين، خصوصاً في حقول فاكا مويرتا الواعدة (الغاز والنفط الصخريين) في وسط البلاد. ومن دون أن يخفي استراتيجيته، يعد سكيولي بتغييرات «تدريجية»، فيما يؤيد منافسه «تعديلات تقليدية»، وفقاً لمدير معهد هاسير الاقتصادي الخاص بابلو تيغاني. وتطالب أوساط الأعمال بتغييرات منذ سنوات، وتعرب عن تذمرها من مراقبة عمليات الصرف والحد من الاستيراد والتضخم وارتفاع كلفة اليد العاملة. كما أنها ستواجه زعيماً جديداً. فكريستينا كيرشنر التي تتولى السلطة منذ عام 2007 بعدما خلفت زوجها نستور كيرشنر (2003 - 2007)، لا تستطيع الترشح لولاية ثالثة على التوالي، كما ينص الدستور. وقال الخبير الاقتصادي لورينزو سيغو غرافينا: «أياً يكن الرئيس، ستحصل تغييرات. ليس ممكناً الاستمرار في رفع قيمة البيزوس في مقابل الدولار وعملات الشركاء التجاريين للأرجنتين». وقال أن لا مفر من خفض قيمة البيزوس في 2016. ولأن الحصول على العملات محدود، ازدهرت سوق سوداء يباع فيها الدولار بأكثر من 15 بيزوس في حين أنه يساوي 9,25 وفقاً للتسعيرة الرسمية. ولاحظ المحلل في مكتب للاستشارات خوان بابلو رونديروس، أن أياً من المرشحين لم يتلفظ بكلمة خفض قيمة العملة، المرادفة للتضخم وفقدان القدرة الشرائية، حتى لا يخيف الأرجنتينيين الذين صدمتهم أزمة 2001. لكنه قال أن ذلك لا مفر منه، لأن التضخم سيتراوح بين 20 و25 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2016. وسواء فاز سكيولي أو ماكري، كما يقول رونديروس، «سيكون هناك بالضرورة تغيرات في الاقتصاد. وستكون 2016 سنة انتقالية صعبة، خصوصاً في الفصل الأول، حيث من الضروري التحرك». ويتوقع خصوصاً إلغاء الدعم عن النقل المشترك وفواتير الكهرباء والغاز. ولم تدخل السياسة الاقتصادية الحملة الانتخابية حتى الآن. ولاحظ المحلل السياسي بابلو نوبوف أن «المفهوم الإيجابي للاقتصاد مرتبط بالمحيط المباشر للناخب: لديه براد ممتلئ وتلفزيون في الجدار ووظيفة ويتمكن من تغطية نفقاته». إلا أن المؤشرات تسبب قلقاً. فعجز الموازنة يتخطى 5 في المئة والاقتصاد يقترب من الركود وميزان الطاقة يواجه عجزاً وسعر الصويا ينحفض. ويذكر أن صادرات الأرجنتين تتراجع منذ عام 2013، عندما بدأت تصدر عن اقتصاد البرازيل، شريكها التجاري الأول، مؤشرات ضعف. وزاد خفض قيمة اليوان أيضاً المشهد تشاؤماً، لأن الصين من كبار مشتري المواد الأولية أو المنتجات الزراعية الأرجنتينية. وقال مستشار سكيولي ماريو بليير: «استعادة الثقة مسألة أساسية، لأن العجز الأساس هو على صعيد الاستثمار». ويعرب تيغاني عن تفاؤله بمستقبل الأرجنتين قائلاً: «من الواضح أن ثمة اختلالات على صعيد الاقتصاد الكلي، لكن الأرجنتين تخلصت من ديونها. ولا أرى أي مشكلة لا يمكن تجاوزها على الصعيد المالي أو أسعار العملات أو النقد». وبعد التخلف عن التسديد في 2001، تجاوزت الأرجنتين المشكلة وسددت ديونها، بفضل صادراتها الزراعية، مستفيدة من ارتفاع الأسعار عالمياً. كما أعادت بوينس آريس جدولة ديونها مع 93 في المئة من دائنيها الخاصين، لكن الخلاف ما زال مستمراً حول 7 في المئة تتعلق بصناديق المضاربة التي ترفض أي خفض لهذا الدَّين، خلافاً لما وافق عليه جميع حاملي السندات تقريباً. لكن وزير الاقتصاد بعد أزمة 2001 روبرتو لافانيا، حذر من «الخطر الكبير للوقوع في فخ سياسات التعديلات» التي أوصى بها صندوق النقد الدولي.