لم يزر الفنان الفرنسي بين لونكل سوول المسرح الاثري في قرطاج من قبل، هذه أول مرة تطأ قدماه هذا المسرح الذي يحتضن واحداً من أعرق المهرجانات العربية «مهرجان قرطاج الدولي». تقول مديرة الدورة الحادية والخمسين للمهرجان، الفنانة سنية مبارك، إن الفنان الفرنسي وقف مشدوهاً لحظة ولوجه المسرح الأثري، قائلاً بالحرف الواحد: «لماذا لم أزر هذا المسرح من قبل؟»، قبل أن يقدم سهرة فنية مع مواطنته الفنانة أنديلا. حاول «مهرجان قرطاج الدولي» تقديم رسالة سلام ومحبة خاصة بعد العمليات الارهابية التي ضربت تونس في الآونة الأخيرة، من خلال السعي لجلب أسماء كبيرة من الخارج. تقول مبارك: «أردنا أن نؤكد للعالم ان الشعب التونسي شعب ينبذ الارهاب ويحب الحياة بكل تفاصيلها الجميلة، طبعاً هناك من رفض الدعوة خوفاً، ولكن الغالبية استجابت متحدية رسائل الخوف التي بُثت هنا وهناك، وغنّت ورقصت أمام أنظار جماهير غفيرة تحب الحياة وتعشق الفن». استجابت لدعوة المهرجان أسماء معروفة مثل شارلي وينستون وآكون ولورين هيل وأنديلا وغيرهم من الفنانين الغربيين الذين تحدوا صورة قاتمة عن تونس تم ترويجها بعد العملية الارهابية التي ضربت مدينة سوسة. أنديلا وبين لونكل سوول استقطبا قرابة عشرة آلاف متفرج، غالبيتهم من الشباب والأطفال. ولم يجد سوول حرجاً في ترك الخشبة و«اقتحام» المدرجات والغناء بين الجمهور، ما أثار إعجاب كثيرين ممن لم يتوقعوا أن يتجرأ فنان غربي على حركة كهذه. لم تخفِ مديرة المهرجان إعجابها بالخطوة، مؤكدة أنها «رسالة قوية لمن يخاف المجيء الى تونس، ولمن يعتبرها وجهة خطرة»، مضيفة أن دور الفنان هو «تكسير كل الأفكار المسبقة وبعث الأمل أينما حلّ». بعد حوالى ساعة ونصف الساعة من بداية العرض، أخلى الفنان الفرنسي المسرح، تحت وابل من التصفيق، لمواطنته الفنانة الصاعدة أنديلا التي بدأت سهرتها بأداء اغنيتها الأشهر «الرقصة الأخيرة»، أمام جمهور لم يهدأ ولم يستكن طيلة ساعتين ونصف الساعة. ورفعت الفنانة العلم التونسي في نهاية السهرة، لتؤكد أنها قطعت إجازتها من أجل الغناء في تونس، أمام جمهور سمعت عنه الكثير، على حدّ تعبيرها. لم تكتف مديرة المهرجان بالسعي الى جلب أسماء عالمية، بل أثّثت برنامج المهرجان بنجوم عرب مثل وائل كفوري وآمال ماهر ومحمد عساف ولطفي بوشناق وغيرهم، لتقديم طبق متكامل يجمع بين الفن العربي والغربي، إضافة إلى بعض العروض الراقصة. وعن اعتبار بعضهم الطبق مفتقراً للجودة الفنية، تردّ مبارك بالقول إن «حضور مثل هذه الأسماء في ظلّ المشاكل الأمنية والظروف الصعبة يُعتبر في حدّ ذاته انجازاً»، مؤكدة أن الاهم بالنسبة اليها «هو الإصرار على اقامة المهرجانات وعدم الخضوع لمن يريدون زرع الخوف في قلوب الناس». يختتم «مهرجان قرطاج الدولي» عروضه يوم 18 آب (أغسطس) الجاري بعرض للفنان التونسي لطفي بوشناق الذي عُرف بأغانيه الملتزمة. وتنتظر مبارك الموعد لتتويج دورة امتدت على أكثر من شهر، وحضرها مئات الآلاف من المتفرجين. وهي لا تلتفت كثيراً للانتقادات إذ أنها تدرك أن «أي اجتهاد انساني مُعرّض للنقد، والمهرجان يتطور عبر النقد». وتتمنى مبارك أن «يتزاحم الجمهور على بقية العروض، كي يثبت المهرجان للعالم أن هناك أشياء كثيرة على هذه الأرض تستحق الحياة وتكفر بالأرهاب والموت».