أي أثر سيتركه مركز الفنون الذي اعتمدته أخيراً إمارة منطقة مكة وكلفته 58 مليون ريال، في المشهد التشكيلي، وكيف يمكن إدارته من أجل تحقيق الأهداف المنوطة به؟ سؤالان طرحتهما «الحياة» على عدد من التشكيليين، الذين اعتبروا وجود مركز دولي للفنون إنجازاً يصعب الكلام حوله، مشيرين إلى أنهم طالما تطلعوا إلى وجود بنية تحتية تؤازر المبدعين وتدفعهم إلى تقديم مشاريع جديدة فيها من التحدي الكثير. الفنان التشكيلي أحمد فلمبان قال: «قد لا تسعفني الكلمات في التعبير عما بداخلي من أمتنان وغبطة لهذه المكرمة الكبيرة، وهذا الدعم الكبير من أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل، الأمير الشاعر الفنان التشكيلي لإنشاء مركز جدة للفنون التشكيلية»، معتبراً أن المركز «خطوة رائدة تسطر بأحرف من نور في صفحات تاريخ الفن التشكيلي السعودي. ولا شك أن هذا المركز سيكون معلماً حضارياً ورمزاً ثقافياً في مدينة جدة، مهد الحضارات والحاضنة للثقافة والفنون». ولفت فلمبان في حديثه ل«الحياة» إلى أن الفن التشكيلي في جدة «عريق جداً، ومنها ظهر أوائل وأبرز الفنانين رواد الفن التشكيلي السعودي المعروفين على مستوى المملكة والعالم»، مضيفاً أن وجود مركز في هذا الحجم يعد «مسؤولية كبيرة لجميع الفنانين؛ لإثبات الوجود، وحافزاً للعمل الجاد للوصول بهذا الفن إلى مستوى الحراك التشكيلي بمفهومه العلمي الصحيح، القائم على التوجهات الفكرية الواضحة والفلسفة الجلية». من جهتها، قالت التشكيلية والمكلفة الدائمة من جمعية الثقافة والفنون السعودية بتولي تنظيم المعارض التشكيلية النسائية هدى العمر، إن وجود المركز يعتبر «مبادرة رائعة من إمارة مكة، نهنئ من خلالها زميلات وزملاء المجال في تحقيق ما تطمح إليه منطقة مكة من نجاحات في هذا المجال. أما فيما سيعود عليه إنشاء هذا المركز للساحة ككل فنحن نطمح في المزيد». وفتحت العمر ملف البنى التحتية غير المتوافرة في العاصمة الرياض، «فلا ننسى أنه لا يوجد مركز للإدارة الأم بالعاصمة الرياض، كما لا يوجد مقار مؤهلة لفروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون الذي يبلغ عددها إجمالاً 16 فرعاً في شتى مناطق المملكة، وغالبيتها مبانٍ مؤجرة وقديمة ولا تصلح حتى كمكاتب للموظفين». وقالت: «أشرفت تحت مظلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب على أول معرض فني يخصص للنساء، في عهد الأمير فيصل بن فهد، ثم واصلت الإشراف في فترة الأمير سلطان بن فهد لأكثر من ثمانية أعوام. وكنت أشرف على شتى الأنشطة النسائية، التي تقام من خلال الجمعية أو الرئاسة العامة لرعاية الشباب قبل تشكيلها الجديد وانتقالها إلى وزارة الثقافة والإعلام. وعلى رغم أن الرئاسة لم تملك الصالحية والتسهيلات التي نجدها الآن، من فتح الباب لتقبل رعاة من مؤسسات ورجال أعمال التي كانت ممنوعة من تشكيل الوزارة، واعتمدت فقط على موازنة الدولة، إلا أننا لا نجد هذه الأنشطة الدورية السنوية التي كانت تقام داخل المملكة وخارجها على نفقة الدولة، وهذا بسبب عدم وجود ليس فقط مراكز، ولكن لا توجد موازنة ولا توظيف رسمي لموظفين أصحاب الخبرات، فما زال تعاوني قائماً مع الجمعية على رغم خبرتي الإدارية كتكليف ينتهي بانتهاء الحدث». وشددت هدى العمر على أن جميع الدول «تتباهى بفنانيها التشكيليين، وتعد الفنون قمة هرم الثقافة وتراث وموروث الأمم، ونحن لا نملك مقراً للإدارة الأم ولا موازنة ولا متحفاً فنياً». بدوره أكد التشكيلي محمد الشنيفي الأثر الإيجابي الذي سينجم عن وجود مركز الفنون الدولي، «خصوصاً أنه سيقام في منطقه من المناطق الأكثر نشاطاً في مجال الفنون التشكيلية في العالم العربي. ومما لاشك فيه أن هذه الخطوة تعد من أهم المشاريع المقدمة لمصلحة الفنان التشكيلي والمجتمع الفني في شكل عام. كما أنها تحتاج إلى تنظيم عصري يضمن الوصول إلى الهدف المنشود، وهو نشر الثقافة السعودية من خلال الفنون التشكيلية». وقال التشكيلي فيصل الخديدي ل«الحياة» إن المأمول أن يهتم المركز «بعنصرين مهمين، أولاً: دعم وبناء المواهب الشابة، وتأسيسهم في شكل علمي من خلال برامج تدريبية وتأهيلية وفنية. ثانياً: الاهتمام بالتجارب المميزة والناضجة في الساحة المحلية والعربية والعالمية، وتقديمها على أنها نماذج ناجحة يقتدى بها وتستحق أن تقدم بما يليق بها من معارض وورش تعريفية وقراءات نقدية»، متمنياً أن يكون المركز «نواة لمراكز نقدية وبحثية في المجال التشكيلي والفني في شكل عام، والاهتمام بالكتاب التشكيلي والتأليف ودعمه بشكل كبير، وأن يكون التسويق مبنياً على أساس اقتصادي وعلمي ونهج نقدي». وكان أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل أقر، قبل مدة، إنشاء مركز دولي للفنون بكلفة إجمالية 58 مليون ريال، ومن المتوقع أن يكون معلماً بارزاً في مدينة جدة.