الصور التي نشرتها مجموعة من اليمين المتطرف للرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين وهو يعتمر الكوفية الفلسطينية ورئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه موشيه يعالون، بزي ضابط نازي، كانت المحرك الأساس للإسرائيليين للتعامل بجدية مع مظاهر العنصرية والفاشية التي انعكست في جرائم ارتكبها المستوطنون بحق الفلسطينيين وأبشعها إحراق الطفل الفلسطيني علي دوابشة وهو حي، وإحراق والديه وشقيقه وهم نيام في بيتهم في دوما. فمنفذو الجرائم بحق الفلسطينيين باتوا تنظيماً خطيراً، نشأوا وكبروا على سياسة الكراهية للفلسطينيين وطالما حذر الكثيرون من ان الصمت تجاه هذه المظاهر سيؤدي الى «انقلاب السحر على الساحر»، وهذا ما يحصل في اسرائيل الآن. فإذا وصل الوضع بالمستوطن اليميني المتطرف وزير التعليم نفتالي بينيت، إلى ان ينشر في مقالة له في صحيفة «نيويورك تايمز» ان منفذي العملية في دوما ومن نفذ عملية الطعن في مسيرة المثليين في القدس، وأدى الى مقتل شابة اسرائيلية، إرهابيون وطابور خامس، فهذا يعني ان القلق لدى الاسرائيليين يتزايد والخوف من تكرار جرائم قتل واغتيالات حتى ضد مسؤولين اسرائيليين، كمقتل رئيس الحكومة الاسبق، اسحق رابين، يتضاعف، ليطرح السؤال الذي يتصدر نقاش الاسرائيليين «هل يصبح الخطر على اسرائيل من داخلها، أكبر من الخطر الخارجي الذي يركزون عليه»، وعملياً «ينقلب السحر على الساحر؟»، كما يرى كثيرون. في نهاية المطاف، يعتبر شباب التنظيمات الإرهابية الإسرائيلية أولاد المؤسسة الاسرائيلية. أرسلتهم الحكومات الاسرائيلية، في زمن حكم حزب العمل كما في زمن حزب الليكود، ليقوموا بمهمة «وطنية»، هي احتلال رؤوس الجبال والتلال في الضفة الغربية وتهويدها. كانوا أداة الاحتلال الأولى في التهويد. هناك تغذوا من بطش الاحتلال العسكري للفلسطينيين، فراحوا يمارسون اعتداءات أبشع. السلطة دللتهم ولم تكبل أيديهم. والآن يتمردون حتى على مرسليهم. ويهدد بعضهم باغتيال الرئيس الاسرائيلي، رؤوبين رفلين وغيره من المسؤولين. الخبيرة السياسية ليلي جليلي، وصفت هذه المجموعات ب»الثمار الفاسدة» وتقول: «جريمة دوما وقبلها إحراق كنيسة الطابغة في طبريا ولدتا غضباً عالمياً وجعلتا التهديد المحلي لهذه المجموعات اليمينية المتطرفة تهديدات شرق أوسطية واسعة. فقد شنّ النظام حرباً شاملة على هذا الوحش الذي سمحوا له بأن يترعرع ويكبر. وفي حين جاء رد فعل اليسار واضحاً وجلياً، بدا رد فعل اليمين متردداً وخائفاً بل مفزوعاً وكأنهم يشاهدون الوحش الذي ينقلب على من أوجده، خائفون من إمكان ربط اسمهم بما يقترفه هذا الوحش». في كنف اليمين في اسرائيل يربطون نشاط العشرات من هذه المجموعات اليهودية الفاشية بالانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة عام 2005 وأبرز هؤلاء «شباب التلال». وفي تصريحات له قال بنحاس فالرشتين، أحد مؤسسي «غوش ايمونيم»، التنظيم الطلائعي للمستوطنين منذ سنة 1975، ان هؤلاء هم ممن تركوا مقاعد الدراسة في مدارسهم، وابتعدوا عن عائلاتهم، وراحوا يشككون في أقرب الناس إليهم. لا يلتحقون بالمستوطنين في المستوطنات المعترف بها، ولا يقبلون بأي سلطة، ولا حتى سلطة الحاخامات من اليمين المتطرف. بل يقيمون بؤر استيطان عشوائية من دون تصريح حكومي رسمي ويقذفون الشرطة التي تحاول إجلاءهم تطبيقاً للقانون ويتمردون على زعمائهم الدينيين والسياسيين وحتى على أهاليهم في البيوت. في التقارير الاسرائيلية حول اعضاء التنظيم، منفذي الجرائم، التي اعتمدت على وثيقتين ضبطتا اثناء ملاحقتهم، يجري الحديث عن اعضاء في تنظيم يضم المئات وربما الآلاف، ويعتبرون تطوراً تدريجياً لنشطاء «بطاقة الثمن» من عام 2008. في حينه كان الهدف إيجاد أدوات لمحاربة الدولة، والدفاع عن البناء غير القانوني والبؤر الاستيطانية. ومقابل كل بناية تهدمها اسرائيل كان يفترض تنفيذ عملية انتقام. ويضعون لذلك تسعيرة. أما في التنظيم الجديد، فقد جمع بعض نشطاء «بطاقة الثمن» القدامى من حولهم، نواة شابة وجديدة، وتخلوا عن مبادئ التناسب. وأصبحت الفكرة التي يعملون عليها، مصابة بجنون العظمة - تدمير اسرائيل، وممارسات أكثر عنفاً. في الماضي، كانوا يدمّرون الممتلكات، وفي الحالات الأشد خطورة كانوا يهددون حياة الإنسان، مثلاً بواسطة رشقه بالحجارة. أما القتل فكان خارج حدود اللعبة. لكن بالنسبة إلى النواة الجديدة، فإنهم لا يستبعدون أي عمل عنيف. كما ان قيمة الاستيطان الذي كان يعتبر في الماضي رمزاً لشبيبة التلال، تحتل مكانة منخفضة جداً لدى أعضاء التنظيم المتطرف. وبالنسبة إليهم فان هذه نقطة ضعيفة لا تستحق الوقوف عندها. واذا كان إنشاء البؤر في السابق هو الجوهر والعنف هو الوسيلة، فقد انقلبت الامور اليوم. قبل انضمام الشباب الى التنظيم المتطرف يجتازون محادثة أيديولوجية للتأكد مما اذا كانوا يتبنون الخط الفكري للتنظيم. ومن شروط القبول اثباتهم الاستعداد للتضحية بالنفس من اجل اسرائيل والقدرة على الصمت خلال التحقيق. وفي مرحلة لاحقة يتم فحص مدى استعدادهم للتقدم نحو تنفيذ عمليات عنيفة جداً. يصلون من كل المناطق نشطاء التنظيم يصلون من جميع أنحاء البلاد، وعادة ممن لا يوجد اتصال بينهم وبين المستوطنات الدينية القديمة. انهم يأتون الى التلال بعد تسربهم من المدارس، ويبدأون البحث عن أنفسهم. بعضهم يعثر على عمل، في الزراعة، على سبيل المثال، وبعضهم يبحث عن الاثارة فيختلق مواجهات مع الفلسطينيين. يبدأون بالأمور الصغيرة: رمي الحجارة وإضرام النار في الحقول. ويتم القبض عليهم والافراج عنهم، فيتعلمون أساليب استجواب الشرطة والشاباك لهم ويستخلصون العبر. ومع مرور الوقت، يكتسبون الثقة بالنفس ويخططون لأعمال أشد عنفاً، مثل إحراق المنازل. ويكرس هؤلاء جزءاً كبيراً من وقتهم لتحليل نقاط الضعف التكتيكية لقوات الأمن كي يتهربوا من الادانة. لقد تعلموا الطلب من اصدقاء لهم استخدام هواتفهم الخليوية من مكان آخر خلال قيامهم بتنفيذ افكارهم، كي يوفروا بذلك حجة وهمية. ومن الأساليب الاخرى التي يتبعونها، تحدي السلطات. بعضهم يقوم في حال تسلمه أوامر إبعاد أو يتم إطلاق سراحه من التحقيق، بنشر افلام عنهم يظهرون فيها وهم يضحكون ويتحدثون باستهتار عن المحققين. والهدف من هذا التحدي هو الاظهار للشبان الآخرين بأن الشيطان ليس رهيباً الى هذا الحد. يتنقل اعضاء التنظيم بشكل متواصل من مكان الى آخر، وهم يحملون كل ما يملكون على ظهورهم. يعتاشون على التبرعات او من فرص العمل في الزراعة والبناء. ولا يتركز نشاطهم في الضفة، لاسباب منها أوامر الإبعاد الكثيرة التي تصدر ضدهم. يتحركون بين الضفة والقدس ويصلون الى اماكن اخرى مثل المستوطنة الدينية ياد بنيامين في السهل الداخلي او في منطقتي طبريا وصفد في الشمال. ترعرعوا في كنف اليمين المتطرف ثم يئسوا منه، يشعرون بالخذلان من الدولة وقيادتها الدينية، يتجهون نحو التمرد على القوانين. هم مصممون على تغيير الواقع الذي يكرهونه، كما يرى أكاديميون درسوا هذه الظاهرة. التقارير المتداولة حول هؤلاء الشباب وتنظيمهم تثير الاسرائيليين وكما يقول يارون ازراحي، المحاضر في مجال العلوم السياسية وأحد أبرز المفكرين من اليسار الإسرائيلي، فان اليمين الإسرائيلي مفزوع من هذه الظاهرة اذ انها تقوض شرعية المشروع الاستيطاني برمته. ويضيف: «اذا كان الشباب هم المستقبل – فإن هذا المستقبل فوضوي وعنيف. جزء من نجاح حركة الاستيطان قائم على الوحدة المتينة لأقلية معينة. شباب التلال قد يتسببون بشرخ في هذه الوحدة ويمكنهم حتى تمزيقها. حقيقة انهم مجموعة صغيرة ليست ذات اهمية. لا علاقة للحجم هنا، وإنما انعدام الحدود. هذه القلة القليلة قد تغير الواقع في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم. انهم يتعاملون مع العنف والتمرد على انه امر في غاية الرومانسية». وفي رأي مزراحي أنه «إذا كان المخطط الأولي لهم هو الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية، فإن المخطط الجديد ذهب الى أبعد من ذلك بكثير. فهم لا يريدون مزيداً من الارض لإسرائيل، بل هم يريدون ارضاً مختلفة. ولديهم خطة لتنفيذ ذلك». وفي وصف اكثر صراحة لنشاط هذه المجموعة راى الخبير السياسي، نحاميا شترسلر، ان هذه المجموعة الشبابية المتطرفة لم تأت من الهامش، وانما من مركز الأحداث، من التعليم في جامعة بار ايلان، من محيط النشطاء السياسيين في المناطق ويحظون بدعم الحاخامات في المستوطنات. ويقول: «كان قائماً الى جانب الصنبور الرئيسي وتمتع بوفرة من الماء. وهكذا يواصل المتحدثون بلسان المستوطنين منذ مقتل رابين وحتى اليوم، تمييز القتلة ومشعلي الحرائق ومرتكبي المذابح والمعتدين بأنهم «قلة»، «هامش»، اعشاب ضارة. وهذا الأسبوع دانوا، بنفاق، قتل الرضيع علي دوابشة»، ويتابع:» الوزير غلعاد أردان، على سبيل المثال، وصف قتلة الرضيع الفلسطيني بأنهم مجموعة فوضوية هامشية مرت بعملية تطرف. كيف مرت؟ من دون توجيه وتثقيف من قبل أحد؟ من دون نزع الشرعية المتواصل عن الفلسطينيين يومياً من قادة اليمين؟ تساءل شترسلر واضاف: «هل تذكرون، على سبيل المثال، مقولة «الصراصير المسممة داخل القنينة» لرفائيل ايتان (رئيس أركان الجيش الاسبق في فترة حرب لبنان 1982)؟ هل تذكرون كتاب الشريعة لحاخامات يتسهار «توراة الملك»، الذي يشرح أن من المسموح والمرغوب فيه قتل الأغيار؟ هل تعرفون تنظيم «لهباه» وبنتسي غولدشطاين الذي قال أخيراً انه يجب إحراق الكنائس؟ وكيف يمكن تقبل رفض حاخامات المدارس الدينية في المستوطنات تقديم معلومات حول عصابة «بطاقة الثمن» ومواصلة دفع رواتب لهم من الدولة؟ وكيف حدث ولم ينددوا؟ كل شيء هو تثقيف على التطرف والجريمة والقتل».