تراجع الريال اليمني أمام الدولار خلال الأيام القليلة الماضية من 215 ريالاً إلى 240 ريالاً، ثم إلى 250 ريالاً، وذلك بعد استقرار استمر ثلاث سنوات، وسط توقّعات باستمرار التراجع إلى 300 ريال. ومنذ تفاقم الصراع أواخر آذار (مارس) الماضي وحتى التراجع الأخير، كان السعر الرسمي للدولار يبلغ 215 ريالاً، وفي السوق السوداء نحو 225 ريالاً. وفيما عزا خبراء تراجع الريال إلى سعي الحكومة اليمنية الشرعية إلى تحويل ميناء عدن إلى مركز رئيسي لاستقبال المساعدات والبضائع التجارية بدلاً من ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه «الحوثيون»، رأى آخرون أن التراجع نتيجة طبيعية لانخفاض الاحتياطات الخارجية للبنك المركزي إلى أربعة بلايين دولار، بليون دولار وديعة للمملكة العربية السعودية، وشحّ المعروض النقدي من العملة الأجنبية. وقال الخبير الاقتصادي عبدالسلام الأثوري ل»الحياة» إن «حالة الهلع والقلق تعتبر السبب الرئيس لانهيار العملة الوطنية»، معتبراً أن «الشعور بالثقة والاطمئنان يمثّل جوهر الاستقرار النقدي في اقتصادات الريع». وأضاف: «لا شيء يبرر انخفاض قيمة العملة الوطنية إلا الخوف، ما دفع بالسوق إلى وقف بيع العملة الصعبة». وأوضح أنه «منذ العام 2011 تقلّصت نسبة استخدامات العملة الصعبة نتيجة انحسار استخدامها في المشتريات السلعية الرئيسة ومتطلّبات الصناعة والسفر، بينما توقّفت المشاريع الاستثمارية وإخراج الأموال إلا في شكل محدّد وبسيط عبر التهريب». بدوره عزا «مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي» الهبوط المفاجئ للريال أمام الدولار والعملات الصعبة الأخرى بأكثر من 10 في المئة، إلى تزايد الطلب على الدولار عقب قرار «اللجنة الثورية العليا» التابعة للحوثيين في 27 تموز (يوليو) الماضي تعويم أسعار المشتقات النفطية وإتاحة المجال للقطاع الخاص لاستيرادها من الخارج. وأكد المركز في بيان أن «هذه الخطوة ضاعفت الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد اليمني الذي يعاني تجفيف منابع الحصول على العملة الصعبة، إذ توقّف تصدير النفط والغاز الطبيعي والمعادن والبضائع، وتوقّفت الاستثمارات الخارجية وقطاع السياحة، كما توقّفت المساعدات والمنح الخارجية باستثناء عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية». ولفت إلى أن «استمرار تراجع الريال يمثّل كارثة على المواطنين تفوق الجرعة السعرية المتمثّلة في رفع الدعم عن المشتقات النفطية، فمثل هذه الحالة ستؤدّي إلى زيادة نسبة التضخّم وبالتالي ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الحقيقية للعملة». ودعا المركز «البنك المركزي» إلى تشديد إجراءات وقف التلاعب بالعملة الصعبة وخلق سوق سوداء، محذّراً من أن أي تساهل قد يؤدّي إلى انهيار شامل للاقتصاد اليمني، لا سيّما وأن الاقتصاد دخل مرحلة الانهيار الجزئي عقب سيطرة الحوثيين على السلطة بالقوة في أيلول (سبتمبر) 2014. وأكد المركز أن قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية لن يجد طريقه للتطبيق بعد قرارات الحكومة بمنع دخول السفن المحمّلة بالمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وتحويلها إلى ميناء عدن التابع للحكومة الشرعية، داعياً التجّار والمستوردين إلى عدم التهافت على شراء الدولار من السوق ومطمئناً المواطنين بأن الدولار لن يشهد ارتفاعات مخيفة في حال واصل «المركزي» لعب دوره في ضبط التعاملات بالعملة الصعبة من قبل المصارف وشركات الصرافة. وفي حين ثمّن المركز الخطوات الرامية إلى تشجيع القطاع الخاص للتنافس لاستيراد المشتقات النفطية، اشترط أن يتم ذلك وفق دراسة تشمل كل الجوانب ومعالجة آثارها السلبية ووضع الاحتياطات اللازمة والمتمثّلة في توفير العملة الصعبة، ووضع شروط المنافسة ومواصفات المشتقات المراد استيرادها وتقليل الرسوم المستحقة عليها، لضمان وصولها للمواطنين بسعر يتلاءم والحالة المعيشية الصعبة. وأكد المركز أن الاقتصاد اليمني يمرّ بمرحلة صعبة جداً، إذ بدأ الإحتياط من النقد الأجنبي يتراجع جرّاء استمرار استيراد شركة النفط للمشتقات النفطية وتغطية البنك المركزي لعملية الاستيراد من العملة الصعبة.