«كان لا بد من إيجاد حل لتراكم النفايات أمام المنازل وفي شوارع الحي لأيام أحياناً، ما يبعث بروائح كريهة منها في شكل مزعج، بخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، فلمعت فكرة مبادرة في ذهني»، يقول الشاب مأمون ملكاوي، الذي لا يجد مبرراً لعدم استغناء سكان الأحياء، خصوصاً في البلدات الريفية عن عمال النظافة. ويضيف ملكاوي: «فكرت كثيراً لماذا لا نقوم بمبادرة نحن سكان الحي ونأخذ دور عمال النظافة في البلدية، بحيث نستغني عن خدماتهم، ونحقق مستوى جيداً من النظافة بشكل دائم للحي». ويقول ملكاوي الذي يسكن أحد أحياء بلدة ملكا في محافظة اربد (80 كلم شمال العاصمة عمان) إن عمال النظافة في البلدية، كثيراً ما يتعرضون لظروف اجتماعية تجبرهم على التغيب عن العمل، فيغرق الحي في النفايات لأيام، بسبب قلة أعداد هؤلاء العمال وعدم قدرة زملائهم على التعويض عنهم لضعف موازنات البلديات. وأوضح أنه في البداية تحدث بالفكرة إلى عائلته، بيد أن الفكرة وعلى رغم أنها لاقت تردداً من قبل البعض، بدعوى الخجل من القيام بهذه الأعمال، إضافة إلى خطورتها بسبب العمل بالنفايات، لاقت حماسة من البعض الآخر، ما شجعني على طرح الفكرة على أبناء الحي الشباب الذين تحمسوا لها وأطلقوها تحت شعار «مبادرتي». ويشير ملكاوي إلى أنه بدأ بعقد اجتماعات تشاورية مع الجيران حول كيفية تنظيف الحي وشوارعه والأوقات الأفضل خلال اليوم للقيام بهذه الأعمال، للسيطرة على مشكلة النظافة، موضحاً أن هذه الاجتماعات شهدت تبادل أفكار أفضى إلى حلول خلاقة، تم الأخذ بها لاحقاً عند بدء تطبيق المبادرة. وأوضح الملكاوي أن سكان الحي جميعهم تبنوا المبادرة وشاركوا بنقل النفايات من أمام المنازل إلى الحاويات، إضافة إلى كنس شوارع الحي، مشيراً إلى أن الكثير من السكان كان يتبرع بنقل النفايات بواسطة مركبته الخاصة أو من خلال عربة يمتلكها إلى الحاوية. واللافت أن كثيراً من المتقاعدين شاركوا الشباب عندما شاهدوهم يقومون بأعمال التنظيف. وقال الملكاوي إن نجاح المبادرة دفع سكان الأحياء المجاورة إلى محاولة الاستفادة من التجربة، مشيراً إلى أن الكثير من هذه الأحياء بدأت تطبيق فكرة المبادرة. ويضيف أنه يسعى حالياً إلى نقل فكرة المبادرة إلى سكان الأحياء في المدن الأردنية كافة، بخاصة أن جميعها، باستثناء العاصمة عمان، والأحياء الغربية منها بالذات، تعاني من تفشي ظاهرة تكدس النفايات في الشوارع وحتى في الحاويات، بسبب ضعف موازنات البلديات وعجزها عن توظيف عمال نظافة بأعداد كافية، أو حتى توفير آليات نظافة لنقل هذه النفايات إلى المكاب المخصصة لذلك. ويؤكد منير المسالمة الذي يعمل أستاذاً في إحدى المدارس أن نجاح هذه المبادرة في مجال النظافة دفعه وزملاءه من مؤسسي المبادرة إلى التفكير بتوسيع الفكرة إلى مجالات أخرى، مشيراً إلى أنهم بدأوا يحاولون حل أي مشكلة عامة تواجه سكان الحي، مثل انقطاع المياه أو التيار الكهربائي، أو حتى نقص المعلمين في مدرسة الحي الحكومية. ويضيف مسالمة أنه يشعر بالفخر وهو يرى أبناء حيه يقومون بأعمال النظافة في الحي، لتخليصه من النفايات. ويقول أنه يعمل حالياً على تدريب أبناء الأحياء الأخرى في بلدته على كيفية تطبيق الفكرة، وأفضل الوسائل للتعامل مع مشكلات النظافة والنفايات في أحيائهم، في شكل يخلق حالاً من الديمومة في معالجة هذه المشكلة. أما محمد العبابنة وهو أحد المشاركين في المبادرة، فيؤكد أن الفكرة لم ترق له في البداية، بسبب ثقافة العيب المتفشية في المجتمع، غير أنه يؤكد أن رؤيته نتائج المبادرة على الأرض، دفعته إلى المشاركة بفعالية في فاعليات هذه المبادرة وتشجيع جميع أفراد أسرته على المشاركة بها. ويقول العبابنة إن مشاركة الجميع في شكل تطوعي في تنظيف الحي، ونقل النفايات من أمام المنازل، غيبا أي شعور بالعيب من ممارسة مثل هذه الأعمال، بل على العكس فقد رفعت هذه المشاركة التطوعية من قيمة العمل.