شيّع آلاف الفلسطينيين الشهيد سعد دوابشة الذي توفي امس متأثراً بالحروق البالغة التي أصيب بها قبل أسبوع عندما ألقى متطرفون يهود قنابل حارقة على منزله ليلاً في قرية دوما قرب نابلس شمال الضفة الغربية، ما أدى إلى وفاة ابنه الرضيع علي حرقاً، فيما لا تزال الأم رهام (28 سنة) التي أصيبت بحروق وصلت إلى 90 في المئة، والابن الثاني أحمد (4 سنوات) الذي أصيب بحروق بلغت 60 في المئة، راقديْن في مستشفى إسرائيلي في حال حرجة للأولى ومستقرة للثاني. التشييع وانطلقت المسيرة الجماهيرية من مدخل قرية دوما مشياً على الأقدام باتجاه مقبرة القرية مسافة تقدر بأكثر من ثلاثة كيلومترات بمشاركة الآلاف من المواطنين، وعشرات المسؤولين في السلطة، وأعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وعدد كبير من ممثلي الفصائل الوطنية، وممثلي الأجهزة الأمنية، ومدراء المؤسسات الرسمية والخاصة. وردد المشاركون في المسيرة هتافات تطالب بالانتقام، منها: «بالروح بالدم نفديك يا شهيد»، و»يا شهيد ارتاح ارتاح احنا بنواصل الكفاح». كما رفع المشاركون صور الطفل علي وعائلة دوابشة وأعلاماً فلسطينية وأعلام الفصائل خلال الجنازة التي شهدت مشاركة رسمية واسعة غابت عن الأنظار لسنوات طويلة في الشارع الفلسطيني. من جانبه، أعلن جيش الاحتلال حال التأهب على طول الشارع 60 في منطقة حوارة، ونشر المزيد من قواته. وأصرت الجهات الرسمية في السلطة الفلسطينية على تشريح الجثة في المشرحة التابعة لجامعة النجاح الوطنية لاستكمال الإجراءات القانونية والطبية لتقديم الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية رسمياً. وأثارت وفاة سعد غضباً عارماً في الشارع الفلسطيني الذي يتابع باهتمام كبير وضع العائلة التي تعرضت إلى عملية حرق بشعة. ومما يزيد في غضب الشارع الفلسطيني تساهل الحكومة الإسرائيلية مع القتلة، إذ لم تعلن توقيف أي منهم على خلفية القضية، فيما اكتفت بالإعلان عن اعتقال ثلاثة لمدة ستة أشهر إدارياً «لوجود شبهات». وتأتي هجمات المتطرفين اليهود في وقت يتزايد الجنوح نحو اليمين المتطرف داخل إسرائيل، وآخرها دعوة الحاخام المتطرف والعنصري شموئيل إلياهو إلى «شنق كل فلسطيني نفذ عملية فدائية ضدنا في قلب القدس على شجرة بارتفاع 50 متراً». وثيقة الإرهاب كما كشفت أحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس عن وثيقة عثرت عليها أجهزة الأمن لدى إحدى المجموعات الإرهابية اليهودية تضمن تعليمات لأعضائها عن تنفيذ عمليات حرق بحق الفلسطينيين شبيهة بعملية الحرق التي تعرضت إليها عائلة دوابشة. وحملت الوثيقة التي قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» انه عثر عليها في بيت ناشط في احدى المجموعات الإرهابية يدعى أورباخ، تعليمات مفصلة عن التحول من إحراق المساجد إلى إحراق المنازل بمن يقطن فيها. وجاء في الوثيقة: «أحياناً نمل من التسبب بالضرر للممتلكات. نريد توجيه ضربة تثبت أننا نقدر... نريد إحراق البيت نفسه بمن فيه». وأضافت: «ما الفرق بين البيت والمسجد؟»، لتجيب: «يجب التسلح بزجاجة حارقة، ويفضل أن تكون بحجم ليتر ونصف الليتر مع قداحة وقفازات وقناع وهراوة ومطرقة وحقيبة. عندها يتم الوصول إلى القرية والبحث عن منزل بابه مفتوح أو نافذته مفتوحة ومن دون حماية. إذا لم تجدوا، ابحثوا عن بيت ضعيف يمكن اختراقه بسهولة. وعند فشل الاقتحام، يتم خلع نافذة». والسيناريو الذي رسمته الوثيقة هو تماماً ما تعرضت إليه عائلة دوابشة، فالبيت مؤلف من طبقة أرضية واحدة، وهو ليس مسوّراً، وقام الإرهابيون بكسر زجاج غرفة النوم وإلقاء القنبلة الحارقة داخلها. وهو أيضاً ما تعرض إليه بيت مماثل مجاور، لكن لحسن حظ عائلته أنها كانت تبيت في بيت آخر للعائلة في مدينة نابلس في تلك الليلة. ويقع بيت عائلة دوابشة في قلب حي في طرف القرية. وتجاوز الإرهابيون البيوت الأخرى المسورة، وتلك المؤلفة من أكثر من طبقة بهدف ضمان وصولهم إلى الضحايا. المالكي: لن تمر بلا عقاب في هذه الأثناء، قال وزير الشؤون الخارجية رياض المالكي عن جريمة دوما إنها لن تمر من دون عقاب. وحمّل في بيان أمس «الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المسؤولية كاملة عن هذه الجريمة الإرهابية، وعبر عن استيائه لصمت المجتمع الدولي وعدم اتخاذ إجراءات فاعلة وصريحة ضد الإرهاب الاستيطاني في الأرض المحتلة. وأوضح أنه شرح للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية وطاقمها المختص بملف دولة فلسطين، أن هذه الجريمة الإرهابية اليهودية الأخيرة هي انعكاس واضح لسياسة التحريض والكراهية التي تبثها الحكومة الإسرائيلية بمكوناتها المختلفة يومياً ضد الوجود الفلسطيني. وأكد أن الحراك السياسي والديبلوماسي الفلسطيني في ملاحقة المجرمين والمسؤولين في سلطات الاحتلال الإسرائيلي على هذه الجرائم مستمر على الصعد والمستويات كافة في المحافل الدولية والمنظمات الحقوقية المختصة، وأن هذه الجريمة ستكون بداية إنهاء الاستيطان والمستوطنين. ملادينوف: العدالة من جانبه، دعا منسق الأممالمتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف مجدداً أمس إلى تقديم مرتكبي جريمة دوما إلى العدالة. وقال في بيان: «أشعر بحزن عميق لوفاة سعد دوابشة»، مجدداً الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتقديم المستوطنين «إلى العدالة على وجه السرعة». كما دعا «القادة السياسيين والاجتماعيين والدينيين من جميع الأطراف إلى العمل معاً، وعدم السماح للمتطرفين بتصعيد الوضع والسيطرة على جدول الأعمال السياسي». واعتبرت حركة «حماس» في بيان أن دوابشة هو «أحد ضحايا الإرهاب والتطرف والحقد الإسرائيلي الدفين على كل من هو عربي وفلسطيني». وأكدت أن «المقاومة الباسلة في الضفة تتجهز للرد على جريمة استشهاد الرضيع علي وارتقاء والده سيجعل المقاومة أشد حرصاً على إيلام العدو والثأر لدماء أبناء الشعب الفلسطيني». ومساء الجمعة، جرت أعمال عنف جديدة في قطاع غزة، اذ شن الجيش الإسرائيلي غارة على أحد مواقع «حماس» خلفت أربعة جرحى من أفراد الشرطة، أحدهم في حال الخطر، وذلك رداً على صاروخ أطلق من غزة وسقط خارج تجمع سكاني إسرائيلي قرب الحدود، من دون ان يتسبب في أي خسائر مادية أو بشرية. وقالت جماعة سلفية صغيرة إنها أطلقت الصاروخ، غير ان الجيش الإسرائيلي أعلن انه يحمل «حماس» مسؤولية أي هجوم انطلاقاً من القطاع، وقال إنه رداً على ذلك «استهدف أحد البنى الأساسية للإرهاب التابعة لحماس في قطاع غزة».