لا تقتصرمظاهر تفشي العنصرية والكراهية والتمييز ضد الأقليات والنساء والمثليين في الولاياتالمتحدة على ما تشهده المدن الأميركية يومياً من مواجهات عنيفة بين الشرطة والشبان الملونين، أو على جرائم الكراهية التي تتزايد كماً ونوعاً في مختلف الولايات، او على نزعات التحريض العنصري في خطابات رجال السياسة وفي صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إن الأرقام الاحصائية تظهر رسوخها في البنية الوظيفية للمؤسسات الاعلامية الاميركية وخصوصاً الصحافة المكتوبة. ذلك انه من بين 32807 عاملاً متفرغاً في نحو 1400 صحيفة يومية تصدر في الولاياتالمتحدة، هناك 28712 موظفاً من الاميركيين البيض، اي إن الأميركيين البيض ما زالوا يشكلون أكثر من 85 في المئة من الجسم الوظيفي في المؤسسات الاعلامية المكتوبة. ويرى كريس بيك رئيس «المنظمة الاميركية لمحرري الاخبار» التي تضع دراسات إحصائية ترصد تطور حضور الأقليات ومدى التمييز ضدهم في الصحف والمطبوعات الأميركية، انه يجب «العمل الدؤوب من أجل تدعيم حضور وجهات نظر الأقليات داخل غرف تحرير الصحف وفي كل قطاعات هذه الصناعة الإعلامية، ومنها المواقع القيادية من أجل ضمان نقل القصة الإخبارية من كل الزوايا والأبعاد. ولا تخفي كارين ماغوسون، شريكة «المنظمة الاميركية»، خيبتها من الأرقام التي أظهرتها دراسة هذا العام عن حجم حضور الأقليات في الصحف المكتوبة. فالتغيّرات التاريخية الهائلة التي شهدها المجتمع الأميركي في السنوات الماضية بدءاً من وصول اميركي من أصول أفريقية الى البيت الأبيض، وتغير السياسات إزاء المهاجرين غير الشرعيين وإقرار خطة الاصلاح الصحي (أوباما كير)، لا تجد لها مرادفاً في الجسم الوظيفي والقيادي للصحف المكتوبة حيث يسيطر الاميركيون من اصول اوروبية على مفاصل العمل. وتظهر الدراسة، التي قامت بها «المنظمة الاميركية لمحرري الاخبار» بالتعاون مع «مدرسة الصحافة» وقسم الاتصال الجماهيري في جامعة فلوريدا الدولية، ان نسبة الأقليات من العاملين المتفرغين في الصحف المكتوبة بقيت تتراوح بين 12 و14 في المئة في السنوات العشر الماضية. فيما أفادت 63 في المئة من المؤسسات المشاركة في الإحصاء بأن ثمة امراة بين الاشخاص الذين يحتلون أعلى ثلاثة مواقع قيادية في الهرمية الوظيفية. وتشير الاحصائية الى ان العاملين المتفرغين في الصحافة المكتوبة من الأقليات في عام 2015 هم: 1560 من الاميركيين الافارقة، 1377 من المهاجرين من اميركا اللاتينية، 926 من الآسيويين، 118 من الهنود الاميركيين و182 من اصول مختلطة. وتخلص الى ان واقع الأقليات في المجال الوظيفي للصحف المكتوبة لا يعكس حجم حضورهم في التركيب الديموغرافي للولايات المتحدة حيث يشكلون اليوم أكثر من 37 في المئة من عدد السكان فيما يتوقع ان يشكلوا نحو 45 في المئة من الاميركيين عام 2025. المؤسف انك لا تعثر في هذه الدراسة على حجم الأقلية ذات الاصول العربية والاسلامية في الصحافة المكتوبة الاميركية. والاسباب كثيرة وراء ذلك منها التمييز الفعلي الذي يواجه هذه الأقلية في المجتمع الاميركي من جهة، ومن جهة اخرى فشل هذه الأقلية حتى الآن في اسماع صوتها ونيل حقوقها، وربما قبل ذلك الالتباس الغامض في تصنيف العرب والمسلمين في الوثائق الحكومية الاميركية في خانة البيض، وعدم الاعتراف بهم كمجموعة اثنية وعرقية ودينية لها هويتها الخاصة. تلحظ الدراسة غياب الاحصاءات الكاملة التي تعرض لواقع الأقليات في قطاع الصحافة الالكترونية مع ان العينة الاحصائية شملت نحو خمسين موقعاً اخبارياً الكترونياً. لكن غلبة العمل التطوعي والموقت على العاملين في هذا القطاع انعكست نقصاً كبيراً في المعلومات المتوافرة عن الموظفين والصحافيين المتعاونين غير المتفرغين، وان كانت الدراسة تستنتج ان وضع الاقليات في هذه المؤسسات الاعلامية الالكترونية افضل مما هو عليه الحال في الصحف المكتوبة. خسارة وظائف في موازاة مقاربة الاعلام المكتوب من زاوية الاقليات واستمرار التمييز ضدهم في قطاع العمل الصحافي المكتوب تكشف الدراسة ان الصحافة الاميركية خسرت خلال عام واحد أكثر من 10 في المئة من الوظائف بدوام كامل. طبعاً هي سلسلة انحدارات أصابت الصحافة المكتوبة في الولاياتالمتحدة منذ تسعينات القرن الماضي حيث كان عدد العاملين المتفرغين يتجاوز 55 الفاً ليصبح هذا العام عدد الموظفين في الصحافة المكتوبة 32900 متفرغ. وهو رقم متواضع مقارنة بعدد السكان الذي يتجاوز 300 مليون نسمة وبقوة الاقتصاد الاميركي وحجمه والاعلام ودوره الريادي في الترويج لنمط الحياة الاميركية. لكن الدراسة لم تطلق احكاماً على هذا النقص ولم تقارب اسباب الصعوبات التي تواجه الصحافة المكتوبة والعلاقة التنافسية مع وسائل الاعلام التلفزيونية والرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي والأثر الذي ستتركه هذه على شكل عمل وسائل الاعلام التقليدية وآلياته. ولم نعلم بالضبط ما اذا كان الموظفون ال 3800 الذين تركوا الصحافة المكتوبة التقليدية خلال هذا العام قد جذبتهم فرص عمل اخرى في قطاعات الاعلام الحديث، علماً ان الدراسة تتوقف عند مؤشر تزايد اعداد الصحافيين العاملين في الصحف اليومية الواسعة الانتشار والتي توزع ما بين 250 ألفاً و500 الف نسخة.