تقدم ملف النفايات الداهم على موضوع مناقشة آلية العمل الحكومي، وشهدت مداولات جلسة مجلس الوزراء عرض اقتراحات حلول، لكنها بقيت في إطارها ولم تخرج الى حيز الحل النهائي للأزمة، ما دفع برئيس الحكومة تمام سلام الذي رأس الجلسة الى دعوة جميع الأفرقاء الى تحمل المسؤولية والمشاركة في حل مشكلة النفايات. وقال سلام في مستهل الجلسة وفق مصادر وزارية، إن «الخلاف ليس موضوع نفايات ولا يمكن أن يكون كذلك. البلد يعيش في أجواء تصادم سياسية في وقت تغلي المنطقة، ونحن يجب أن نتعاون لحماية البلد. لا أحد يعتقد أن الخلاف إداري على النفايات، الخلاف له خلفية سياسية». ولفت الى أن «التصادمات التي تحصل داخل مجلس الوزراء وخارجه تؤدي الى رمي هذا الملف وغيره في وجهنا». وزاد: «أنا لست متمسكاً بالكرسي وأترك خياراتي مفتوحة على كل الاحتمالات، ومن يريد التعاون والحوار فأنا حاضر، ولم أكن يوماً إلا مع هذا الخيار. أنا قلت وما زلت أكرر إنني أتحمل مسؤوليتي حتى آخر لحظة، وعندما أجد أن لا حل لهذه الأزمات من الممكن أن ألجأ الى خيارات لا تعجب أحداً». وأضاف: «هناك ثلاث نقاط نتكلم فيها، هي: النفايات والاستحقاقات المالية الداهمة، وهذا الموضوع لا يتعلق فقط بسمعة لبنان المالية أمام العالم وإنما نحن مضطرون للاكتتاب بسندات خزينة باليورو بوند لترتيب أمورنا الداخلية، والثالثة، مقاربة عمل مجلس الوزراء». وتحدث وزير الزراعة أكرم شهيب، فقال: «نحن تحملنا في السابق موضوع النفايات في مطمر الناعمة عن جبل لبنانوبيروت الإدارية، والآن أؤكد، وهذا ما سعى إليه رئيس اللقاء الديموقراطي النيابي وليد جنبلاط، أننا نتحمل أكثر من 50 لا بل 60 في المئة. فاتفقوا على حل يعالج ال40 في المئة المتبقية». وهنا توجه الوزير نبيل دي فريج الى سلام قائلاً: «اسمح لي دولة الرئيس بكلام قد لا يعجب البعض». وسأل: «هل يعقل أن تصبح وحدة لبنان من وحدة نفاياته؟ لنكن صريحين ولا نلتف على الحقيقة. مطمر الناعمة استوعب خلال 17 عاماً 4 ملايين طن نفايات من بيروت الإدارية والضاحيتين وكسروان، والآن نطرح حلاً موقتاً. وكما قال الوزير شهيب فلنتعاون من أجل إيجاد حل للنفايات». وأضاف: «لأن بيروت هي للجميع وكلنا نعيش ونعمل ونقيم فيها، من حقها علينا، كونه لا توجد فيها أماكن للطمر، أن نبحث عن حل، ونطلب الشراكة في ذلك، فلا تسيِّسوه ولا تطيفوه. أنا لست اشتراكيا ولا جنبلاطياً ولا مع اللقاء الديموقراطي، ولكنني مضطر أن أقول الحقيقة». وقال وزير الصناعة حسين الحاج حسن: «يمكننا البحث عن مكان في السلسلة الشرقية غير مأهول لمعالجة النفايات وهنا علينا أن نقر مشروع تنمية للبقاع الشمالي لموافقة الناس على اعتماد مكان الطمر في هذه السلسلة». وفي مداخلة لوزير العدل أشرف ريفي قال: «مناطق الحرمان محصورة أساساً في البقاع الشمالي وعكار. وهناك النفايات في المرامل والكسارات والمقالع، وهناك زراعة المخدرات في البقاع، إضافة الى ما يمكن أن يستجد علينا من خلال الأحداث الدائرة في سورية وانعكاسها على الوضع الداخلي ومعاناة الناس من الحرمان، فلنتعاون لوضع خطة جدية للبقاع الشمالي وعكار وننتقي نقاطاً لمعالجة النفايات في السلسلة الشرقية، إذ إن معالجتها وصولاً الى محارق يمكن أن تنتج لنا كهرباء نزوّد بها البقاع الشمالي وعكار مجاناً. وأن نحصر المرامل والكسارات والمقالع في السلسلة الشرقية انطلاقاً من قرار سابق لمجلس الوزراء ونمنع تمددها الى السلسلة الغربية ومناطق أخرى، حيث تزيد من التلوث وتخرب الطرق». وأضاف: «لا أحد يفكر بالسلسلة الغربية لأنها مأهولة وحق الناس أن تعترض، لوجود خزانات المياه الجوفية فيها». وسأل: «لماذا لا نعيد ترميم وتأهيل شبكة سكة الحديد على طول الخط الساحلي وربطها جنوباً في اتجاه البقاع الشمالي ومن ثم بعكار. وتمكننا الاستفادة من السلسلة الغربية لنقل البحص إلى عكار وتأمين مورد رزق للأهالي وإقامة مشاريع تنمية، إضافة الى تأمين مورد رزق للبقاع الشمالي من خلال أزمة معالجة النفايات في سورية». وقال: «لا تلوموا الناس لأنها محرومة، وتجب تلبية طلباتها وإلا ستكون لها ردود فعل سلبية، وهذه المشاريع كفيلة بمكافحة زراعة المخدرات، كون المشاريع البديلة فشلت». وتطرّق ريفي الى ما حصل أمام منزلي الرئيس سلام وفؤاد السنيورة والاعتداء على الوزير رشيد درباس، فقال: «إذا كان البعض يحاول أن يستثمر الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب في لبنان فهو مخطئ وسيكتشف أن رهاناته ليست في محلها. وما حصل أمام هذه المنازل من اعتداءات يذكرنا ب7 أيار (مايو) 2008 وإنما مخففة، وكلنا يعرف أن 7 أيار لم تأت إلا بالويلات على لبنان وعلى الشراكة الوطنية وعلى من قاموا بها، وأعتقد أن الزمن انتهى الذي يفرض فيه أحد رأيه علينا خارج قناعاتنا الوطنية والسلم الأهلي. وإذا كان يظن أن في إمكانه فرض مرشح للرئاسة من 8 آذار فهو خاطئ. نحن أيضاً لدينا مرشح ونتمسك بتأييده، ولا حل إلا بالتوافق على رئيس توافقي، فلنمش في هذا الخيار». ورد الحاج حسن قائلاً: «لا علاقة لحزب الله بكل الارتكابات التي حصلت، ونحن سارعنا الى الاتصال بالرئيس سلام ولم نغط أحداً. ونحن ليس وارداً عندنا استغلال وضع كهذا وليس وارداً لا 7 أيار جديداً ولا حرق إطارات». من جهة أخرى، اعتبر الوزير محمد فنيش أن كلام الوزير ريفي «غير موضوعي ويجافي الحقيقة». وقال في شأن النفايات: «لا بد من التعاون، ومسؤوليتنا جميعاً أن نتعاون من أجل الحل». وردّ ريفي: «بالنهاية هذا رأينا وانتهى زمن التعالي والأستذة علينا». ورد فنيش: «هناك شريكنا في الوطن، وهو قوة وازنة وموجودة وزارياً ونيابياً ونحن ندعمه حتى النهاية لأنه على حق». وأما وزير الخارجية جبران باسيل فقال في مداخلته: «لا تتذكروا الشراكة الوطنية معنا إلا في النفايات، فيما ترفضون الشراكة معنا في كل شيء. حقنا في الشراكة ألا نطلبها من أحد. فلا شراكة تدوم إلا إذا أخذنا في الاعتبار الأحجام والأوزان. وعندما نطرح مرشحاً لرئاسة الجمهورية فهذه قناعتنا وينسجم مع حجمنا ووزننا. ولا يمكن لدولة أجنبية أن تفرض علينا أي خيار لا نريده، هذا خيار الشعب». وأكد وزير الأشغال غازي زعيتر أن «مشكلة رمي النفايات في محيط المطار تم علاجها». وطرحت بعض الأفكار منها مسألة التصدير عبر شركات ألمانية أو سويدية مختصة. وأوضحت المعلومات أن وزير السياحة ميشال فرعون طرح اقتراح ترحيل النفايات الذي أيّده فيه الوزير ريفي، معتبراً أنه «إما أن نذهب في اتجاه طرح فرعون أو خطة تنمية شاملة في السلسلة الشرقية». وأشارت مصادر وزارية ل «الحياة» إلى أن «الوزراء وقعوا على مراسيم ترقية ضباط الأسلاك والمدرسة الحربية باستثناء وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله». وقال الوزير الحاج حسن: «أنا لم ولن أوقع أي مراسيم ونأمل بأن نصل إلى حل في ملف النفايات». وشهدت الجلسة مغادرة الوزير درباس قبل انتهائها بقليل واكتفى بالقول: «ما فهمنا شي». وإثر انتهاء الجلسة، قال وزير الإعلام رمزي جريج، إن «الرئيس سلام جدد المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية لملء الفراغ الدستوري وإعادة التوازن الى المؤسسات. ثم تطرق إلى مشكلة النفايات التي وصفها بأنها «كارثة وطنية لا تهدد المناخ الصحي والبيئي في البلاد فقط، وإنما تهدد المناخ الأخلاقي والسياسي والوطني». وقال إن «مشكلة النفايات وصلت الى ما وصلت إليه اليوم نتيجة تراكم سنوات من محاولة معالجة هذا الملف بطرق غير مجدية وغير فاعلة، وبحلول موقتة ومرتجلة. واللجنة الوزارية المكلفة ملف النفايات تبذل جهودا كبيرة، لكن الصراع السياسي القائم على قدم وساق في أماكن عدة وعلى مختلف المستويات حول هذا الموضوع، حال دون التوصل إلى مخارج». أضاف سلام: «إنني أخاطب القوى السياسية لأقول دعوا جانباً الصراع السياسي واشتركوا جميعاً في إبعاد هذه الآفة الكبرى عن اللبنانيين». وقال: «هناك قسم كبير مما يجري يتم في العلن وقسم يتم في الخفاء. وبين العلن والخفاء هناك عجز وقصور». ووجه نداء إلى الجميع «للعمل بصدق وإخلاص لإيجاد حلول لهذه المشكلة». وعرض سلام الاستحقاقات المالية الداهمة والأضرار التي تتعرض لها البلاد نتيجة تعطيل المؤسسات الدستورية، قائلاً: «هذه الأضرار قد لا تكون ظاهرة مثل النفايات، لكنها تضرب في العمق بنيتنا ومسارنا. هناك مجموعة اتفاقات تتعلق بهبات إلى لبنان أقرت ووقِّعت وتنتظر مراسيم الإبرام وتبلغ قيمتها الإجمالية 98 مليون دولار أميركي. كما أن هناك اتفاقات قروض لمشاريع حيوية وقِّعت وتنتظر مراسيم الإحالة الى المجلس النيابي ويبلغ مجموعها 244 مليون دولار أميركي. يضاف الى ذلك اتفاقات أقرت من الممولين تنتظر موافقة مجلس الوزراء عليها لتوقيعها وتبلغ قيمتها 401 مليون دولار أميركي. وبذلك يبلغ المجموع العام لهذه الهبات والقروض المعلقة أكثر من 743 مليون دولار». أضاف: «هناك أيضاً موضوع إصدار واستبدال سندات خزينة وتأمين الرواتب، إضافة الى مشاريع مراسيم يقارب عددها 200 مرسوم (تعود الى القطاعين العام والخاص) اضافة الى اتفاقيات الهبات والقروض التي عددها مبيناً قيمة كل منها وهي 14 اتفاقية، وهي متوقفة». وانتقل سلام بعد ذلك الى الحديث عن مقاربة العمل داخل مجلس الوزراء، فقال: «اعتمدنا في بداية الشغور الرئاسي مبدأ التوافق المنصوص عليه في المادة 65 من الدستور. لكن التوافق تحول بالممارسة الى إجماع، الأمر الذي أدى الى التعطيل. عندها اعتمدنا مقاربة جديدة في عملنا للحد من أضرار التعطيل. لكننا عدنا منذ شهرين الى هذا التعطيل». أضاف: «إذا لم نجد مخارج وحلولاً جدية لاستمرار عمل مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي، فسنصل إلى عجز كبير. لقد سبق أن قلت إنني مستعد للمساعدة في تجاوز هذه المعضلة، لكني إذا اصطدمت بحائط مسدود، فإن خياراتي مفتوحة وسألجأ إليها إذا احتجت إلى ذلك. آمل بإبعاد المواضيع السياسية الخلافية والسعي الى تسيير شؤون البلاد والعباد. مجلس الوزراء الحالي ليس مكاناً لحل هذه الخلافات السياسية، فلا تحملونا وزرها». وأمل سلام ب «أن لا نبتعد من اللبنانيين ولبنان، ومن مسؤولياتنا الوطنية. وإذا استمررنا في ما نحن فيه فلن يكون هناك جدوى لمجلس الوزراء أو لأي مؤسسة دستورية». وتحدث الوزراء عن مجمل المواضيع التي تناولها عرض رئيس الحكومة، فاستنكر الجميع بداية الحادث الذي تعرض له وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وما جرى أيضاً من تصرفات أخرى غير مسؤولة، وأبدى كل من الوزراء رأيه في كل المواضيع المثارة، وبخاصة موضوع النفايات. وأشار جريج إلى أنه «بنتيجة مناقشة مستفيضة لهذا الموضوع، أكد مجلس الوزراء قراراته السابقة في موضوع النفايات، على أن تتابع اللجنة الوزارية المكلفة هذا الموضوع مهمتها وتجتمع بعد الظهر لإيجاد الحل المناسب». وعما إذا كان مجلس الوزراء تناول مسألة الفلتان الأمني، قال: «الفلتان الأمني دخل في المواضع التي عرضها الرئيس سلام، ولم يعرض حوادث معينة، بل تناول الوزراء الفلتان الأمني الناتج من اشمئزاز الناس جراء عجز الحكومة الناتج من التعطيل في معالجة كل الملفات التي يشتكي منها المواطنون، ونأمل في أن تعود الحكومة وتقوم بعملها بفاعلية وتواجه كل العقبات وتلبي حاجات الناس في هذه الظروف الصعبة». وعما إذا كانت ستعقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، أجاب: «نعم». إشارة إلى أن هذه الجلسة ستعقد في 6 آب، أي عشية تاريخ انتهاء ولاية رئيس الأركان في الجيش اللبناني وليد سلمان يوم الجمعة في 7 آب. وفي خضم أزمة النفايات وقعت الواقعة بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس بلدية بيروت بلال حمد على خلفية طلب الأول من الثاني شراء أجهزة اتصال مضادة للحريق لفوج إطفاء العاصمة، ثم توجيه الوزير كتاب تأنيب للثاني بحجة تأخره في ذلك، بصفته رئيس لجنة المناقصات، وعند تسرب نبأ الكتاب للإعلام أصدر حمد بياناً قال فيه إنه لا يحق للوزير تأنيب رئيس المجلس البلدي، وعلم أن المشنوق سحب عناصر الحراسة من غير الشرطة البلدية المولجين حماية حمد، فاتصل الأخير بالرئيس سلام محتجاً.