عكار.. هي المنطقة الأكثر حرماناً في لبنان. وهي تمتد على مساحة شاسعة من شمال لبنان مترامية الأطراف على الحدود مع سوريا. على الطرف السوري، مناطق مشتعلة بفعل المعارك بين النظام والمعارضة، وفي الحدود اللبنانية المقابلة، مشكلة نزوح سوري وإضرابات أمنية بفعل هذا الوجود! أعداد النازحين السوريين في شمال لبنان المسجلين بحسب إحصاءات الأممالمتحدة تصل إلى مئتين وخمسين ألفاً ، لكن غير المسجلين، يفوق عددهم هذا الرقم بكثير، تتحمل عكار نسبة كبيرة منه. وينعكس النزوح السوري على عكار أمنياً واجتماعياً واقتصادياً. هذه المعلومات، استقتها «الجزيرة» من نائب عكار نضال طعمة، الذي تحدث عن وضع المنطقة على كل الأصعدة، خصوصاً مشكلة النزوح السوري وانعكاساته على أهل عكار، إضافة إلى المساعدات التي يتوقعها لبنان من الدول العربية، وكيف يقوم الدور السعودي الإيجابي بالنسبة للبنان. وفي ما يلي نص الحديث مع النائب نضال طعمة: * أستاذ نضال طعمة، الأنظار اليوم تتجه إلى عكار في الموضوع الأمني بفعل عدة عمليات أمنية جرت ضد الجيش اللبناني. أولاً، هل تم التوصل إلى خيط عن المسؤولين عن تلك العمليات؟ ومن له مصلحة في ضرب الجيش في عكار التي تُعتبر حاضنة للجيش لأن معظم أبناء عكار ينخرطون في الجيش؟ - الوضع الأمني في عكار بشكل عام مستقر، والجيش اللبناني والقوى الشرعية اللبنانية هي سيدة الساحة دون أي منازع. وأي كلام غير ذلك مناف للواقع وللحقيقة. ويتمتع الجيش اللبناني في عكار بحاضنة شعبية واسعة. وجاءت أعراس شهداء الجيش، لتؤكد وقوف عكار بكل مكوناتها وراء المؤسسة الوطنية التي يعتبرها أهل عكار ضمانة وجودهم وضمانة وجود لبنان. الجيش هو الوطن، الجيش هو العمود الفقري لاستقرار واستمرار البلد. أما الخروقات الأمنية التي حصلت واستهدفت عناصر للجيش أثناء تنقلهم، فتعكس عقلاً جباناً ضعيفاً يتلطى بالعتمة ليخرب ويؤذي، ولو أن لهؤلاء حاضنة في عكار لكانوا تجرؤوا واستطاعوا أن يضروا أكثر بسبب رقعة عكار الواسعة وانتشار الجيش على رحابتها. ثم إن هؤلاء المخربين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى أي من مراكز الجيش، أو أن يعترضوا دورية كي يبعثوا برسالة تهديد حتى، ما يعكس فكرة أن هذه الحالات فردية وتفتقر إلى من يتبناها. فعكار ستبقى درعاً للشرعية بإذن الله. أما فيما يخص التحقيقات، فهي ملك للجيش اللبناني الذي نقدر عمله وسهره، كما ندعمه في كل خطواته، وهو الذي ينفذ يوميا مداهمات، ويلقي القبض على مشبوهين ومشتبه بهم، فلندع القضية تأخذ مجراها آملين في كشف المخربين والاقتصاص منهم. * هناك من يتهم «طرفاً ثالثاً» غير الإسلاميين واللاجئين السوريين بمحاولة دق آسفين بين أهل عكار (غالبيتهم من السنة) والجيش. إلى أي مدى هذا الموضوع دقيق؟ - قد يكون هذا الاحتمال وارداً، ولكنه مجرد فرضية. ونميل إليه لقناعتنا الراسخة، بأخلاقيات وأدبيات أهلنا في عكار. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون الجيش مستهدفا من أهله. فرغم الفقر والحرمان الذي يطال كل أبناء عكار، ومنهم السنة، وهؤلاء مستهدفون اليوم، كي تلوث العصبيات صفاء انتمائهم، ولتحويلهم إلى وقود حي لخدمة الإرهابيين، إلا أن هؤلاء أصلاء في انتمائهم الديني الصحيح، وخطاب قادتهم الروحيين والمشايخ الكرام في عكار شكلت لهم حاضنة آمنة رغم كل التحديات. ثم إن النازحين السوريين في عكار، يدركون أنهم ضيوف أعزاء، ولهم أخلاقهم وعزة نفسهم، ولا بد أن يتخلقوا بأخلاق مضيفيهم. ولكن لكل قاعدة استثناء، فالأجواء الطائفية والخطاب المتطرف القاسي من هنا وهناك، قد يغرر ببعض ضعاف النفوس، فيظنون بسبب جهلهم أن تصرفات معينة قد تكسبهم أجراً عند القدير، دون أن يدروا أن لا أجر أثمن من أجر الرحمة والمعروف والسعي إلى خير العباد وسلامتهم. من هنا أقول مجدداً: من المبكر البت بمثل هذه القضايا، ولنترك للجيش، وللمرجعيات القضائية، إيضاح مثل هذه الأمور في حينها. * رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري لطالما أكد دعم التيار للجيش. كيف ينعكس هذا الدعم برأيكم، خصوصاً في مناطق «الثقل السني» ومنها عكار؟ - لا شك أن خطاب الرئيس سعد الحريري، تكامل مع الخطاب العقلاني الموضوعي الذي تحدثنا عنه في عكار. ويأتي موقف الرئيس الحريري ليبلور الخيار السياسي، مؤكداً الخيارات الوطنية لتيار المستقبل ومؤيديه. فتيار المستقبل ملتزم النهج المنفتح، وخيار الشراكة الوطنية، ويفهم البعد الحضاري للإسلام المتمثل بقبول الآخر، والتعايش معه دون التفريط بالمسلمات الإيمانية. وهذا الكلام يعطي دفعاً كي ينبري المواطن العكاري ويناصر الحق. فمن كان مشوشاً بتبعية التكفيريين يرعوي، ومن كان مترددا يحسم أمره، والمتفرج يدرك أن عليه القيام بمبادرة ما، والمتحمس يقود إخوانه إلى الشهادة الحقة. ونرى في غير مكان في عكار، وخاصة بعد حديث الرئيس الحريري، لقاءات شعبية جامعة، تؤكد الوقوف قلباً وقالباً مع جيش الوطن. * بالنظر إلى التركيبة الاجتماعية السياسية لعكار، هل تتخوفون من تغلغل مجموعات متطرفة بين الأهالي بفعل وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين في عكار؟ - ثمة ما يدعو للسهر وأخذ الحيطة والحذر، نظراً لاتساع منطقة عكار، وكثافة الوجود السوري فيها، الذي فاق في بعض القرى وجود سكانها الأصليين! ولكن رهاننا دوماً على وعي الأهالي، على مصداقية قسم كبير من النازحين، وعلى تعاون الجميع مع الجيش، والقوى الأمنية، التي تتابع وتلاحق وتسهر على الاستقرار. ونحن ندرك وبموضوعية أن عكار قد تستهدف كمحاولة لتخفيف الضغط عن الإرهابيين في أمكنة أخرى. ولكن حكمة العكاريين ووطنيتهم، ستفوتان على الحاقدين فرصة من هذا النوع، بإذن الله. * هل لديكم إحصاءات عن أعداد اللاجئين السوريين في عكار، والشمال عموماً؟ - تتضارب الأرقام والإحصاءات فيما يخص الوجود السوري في عكار. وتشير الأرقام إلى ما يقارب الثلاثمائة ألف لاجئ سوري، أي أكثر من أربعين ألف عائلة سورية، ويقدرون بنصف عدد سكان عكار الأصليين، ويشاركونهم بالموارد الفقيرة أصلاً، وبالبنى التحتية المهترئة، وبسوق العمل، ما يجعل المنطقة حبلى بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية على اكثر من مستوى. وتشير أرقام مفوضية الأممالمتحدة إلى تسجيل أكثر من مئتين وخمسين ألفا من اللاجئين الذين يتلقون منها المساعدات شمالاً، وهم يشكلون حوالي 30% من النازحين المسجلين، فيما هناك أعداد كبيرة لم تسجل، وأعداد قيد التسجيل. * وإذا أردنا الحديث عن مفاعيل الوجود السوري، كيف أثر ذلك على معيشة الأهالي: أمنياً واجتماعياً واقتصادياً؟ - عكار بيئة فقيرة ومهملة ومنسية، ولما كانت بناها التحتية بالكاد تكفي حاجات أبنائها، نرى اليوم واقعاً أليماً على مختلف الصعد. ففي مجال الصرف الصحي، ازدادت نسبة التلوث بشكل واضح، وأكوام النفايات التي لم تكن عكار تمتلك آلية صحية لتصريفها أصلاً نراها تتكدس هنا وهناك، ما ينذر بمصاعب صحية وتلوث في التربة والمياه الجوفية. ولمياه الشفة والكهرباء قصة حرمان مزمن في عكار، اشتد إيقاعها هذه الأيام، حتى زحمة السير باتت تشكل أزمة واقعية. وفي مجال فرص العمل فماذا عسانا نقول ولمن نشتكي؟ الجوع يهدد معظم العكاريين، فكم بالحري سيكون الحال بالنسبة للنازحين مع ازدياد العدد بشكل كبير. صحيح أن هناك مساعدات تقدم لهؤلاء، ولكن الإشكالية ليست فقط في عدم كفايتها في بعض الأحيان، بل أيضا في الأعداد الكبيرة المنتشرة للنازحين، والتي لم ترصدها الإحصاءات بعد. والسوري الذي يبحث عن فرصة عمل في عكار، لا شك أن العكاري سيشعر بأنه يأخذ من طريقه، اللهم إلا في قطاع البناء في بعض القرى، فما زال العمال السوريون يشكلون حاجة للمنطقة نسبياً. * من منبر «الجزيرة» السعودية، هل من نداء أو رسالة إلى العالم العربي بضرورة مساعدة لبنان لمواجهة تحديات النزوح السوري إليه؟ ما المطلوب؟ - لبنان بلد فقير، يعتمد على السياحة كمورد أساسي، ويعلم القاصي والداني الضربة القاسية التي تلقاها قطاع السياحة والخدمات، ودخل البلد في كابوس اقتصادي مخيف. إن الوقوف إلى جانب لبنان اليوم هو واجب عروبي حقاً، وهو الذي يحتضن أكثر من نصف سكانه من النازحين السوريين. فهل يجوز ويعقل أن يتحمل هذا البلد الصغير وحده هذا العبء الكبير؟ انطلاقا من الحس الإنساني، انطلاقا من الحس الوطني العروبي، انطلاقا من الحس الديني المناصر للمقهور والمظلوم، لا بد من لفتة إلى لبنان، لا بد من خطة طوارئ عربية لإنقاذ كرامة العرب من مستنقع النازحين السوريين في لبنان. إننا ندعو الدول العربية الشقيقة أن تعقد عزمها وتلعب الدور المطلوب منها، فلبنان مثقل بالجراح، وله حق على إخوته بالمبادرة إلى مداواة جراحه. ولبنان يحتاج إلى مؤازرة جيشه وقواه الأمنية بالعتاد والسلاح. وكذلك يحتاج لبنان الخطاب العقلاني المستند إلى قيم الدين الحقيقية بعيداً عن التطرف والتعصب. * بالحديث عن السعودية، لا شك أن الهبتين المقدمتين من خادم الحرمين الشريفين للجيش اللبناني هما الأكبر في تاريخ لبنان. متى تتوقعون صرف الهبتين؟ وكيف ستكون النتائج الإيجابية؟ - للمملكة العربية السعودية أياد خيرة على أكثر من صعيد في لبنان، وواجب شكرها حق على كل لبناني يعترف بالجميل. أما الهبتان الكبيرتان للجيش اللبناني فهما خاضعتان لمعايير عسكرية، ولطبيعة العتاد والسلاح، نأمل أن يستطيع الجيش اللبناني أن يستفيد منهما عملياً في أسرع وقت ممكن لحاجته الماسة، خصوصاً وهو يواجه اليوم التكفيريين على حدوده في مواجهة مصيرية ويبدي بطولات في لحمة الحي ننحني لها مقدرين ومعتزين. * أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق قبل أيام عمّا يشبه انتكاسة في الخطة الأمنية التي كانت تنفذها القوى الأمنية في البقاع (مناطق نفوذ حزب الله) إذ استمرت حالات خطف الأشخاص مقابل فدية. كيف تقيمون ذلك؟ - باختصار شديد، إذا استمر حزب الله في الاستقواء على الجميع في البلد، ستستمر الأزمات وردات الفعل غير المحسوبة في أكثر من مكان. لا يمكن أن نستمر بمنطق الدويلة ضمن الدولة. إن التزام جميع اللبنانيين بمرجعية دولتهم، هو الضمانة لبناء الاستقرار الحقيقي في البلد، من هنا ندعو حزب الله، إلى التخلي عن ارتباطاته الخارجية، ولبننة هويته بشكل صريح كي نستطيع من خلال الشراكة الوطنية أن نتعاون في مشروع الدولة. أما استمرار الحزب في نهجه فهو تحد لجميع اللبنانيين، ولحلم بناء الدولة الذي إن تأخر اليوم إلا أنه سيتحقق يوماً هذه هي حركة الشعوب، وهذا هو التطور الطبيعي للأمم. * هل ترون حلاً قريباً لمسألة إطلاق سراح العسكريين اللبنانيين الأسرى لدى الجماعات المسلحة في جرود عرسال؟ هل انتم متفائلون بنهاية سعيدة خصوصاً أن أهالي العسكريين يقطعون طرقات في بيروت والمناطق وينتظرون إطلاق أبنائهم؟ - نأمل أن تحل أزمة العسكريين المخطوفين بأسرع وقت ممكن. ولعل الصعوبة الأساسية تكمن في هوية الخاطفين، وفي ازدواجية مرجعياتهم. وعلى ما يقال، هناك فرق ما بين جبهة النصرة وداعش، من ناحية الأسلوب وطبيعة الطلبات. ونرجو أن تلعب الوساطات العربية دوراً إيجابياً في وصول هذه القضية إلى خواتيمها السعيدة. والمرونة التي تبديها الحكومة اللبنانية قد تساعد وتعجل في هذا المسار. أما حراك الأهالي فنتفهمه ونقدر لوعتهم، وهو يصب في خانة لفت النظر إلى القضية وتذكير المسؤولين بها، ويساهم في تفريغ غضبهم المشروع، راجين أن يلتقوا بأبنائهم في أسرع وقت ممكن.لكن الخوف هو في أن يتحول الخلاف مع الإرهابيين، إلى خلاف مع الدولة اللبنانية في الداخل، خصوصاً أن الأهالي هددوا بتصعيد تحركهم.