لم يكن «مؤتمر مسيحيي الشرق الأوسط: تراث ورسالة» الذي اختتم أعماله في جامعة سيدة اللويزة في لبنان أمس، موضوعاً مسيحياً فقط، بل كان موضوعاً يهم المسلمين بالقدر ذاته، لأنه يتعلَّق بمصيرهم الواحد في الشرق في ظلّ تهديدات التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية وغيرهما. لن تتوقّف أعمال المؤتمر عند جلسات المقاربات المعمّقة للمشاركين بشأن ما يتهدد الحضور المسيحي وسبل مواجهته بمبادرات إيجابية، بل سيتابع المؤتمرون العمل على مشروع فتح مكاتب في روسيا وبروكسل وواشنطن تعمل على متابعة قضية مسيحيي الشرق الأوسط في عواصم القرار واستقدام مساعدات اقتصادية تخدم مقومات صمود الشعوب. أهداف سياسية واجتماعية عدَّة، داخلية وخارجية، دفعت الرابطة المارونية إلى تنظيم المؤتمر للتلاقي، بمشاركة رجال دين وعلمانيين مسيحيين ومسلمين من لبنان والبلاد العربية، لتوحيد الجهود للوصول إلى رؤية موحّدة، «لأن المستقبل هو أن نعيش معاً مسلمين ومسيحيين في حوار»، ووضع «خطة طوارئ» للأمد القصير ورؤية مستقبلية للأمد المتوسط والبعيد لمواجهة التطرّف، كما قال رئيس اللجنة التنظيمية فادي جرجس ل «الحياة». ركَّزت حلقة النقاش الأولى في المؤتمر على أهمية حوار الأديان، والتفاعل في ما بينها لمواجهة كلّ أشكال التطرف. أما حلقة النقاش الثانية، فركزت على دور الرسالة في المجتمع، وكان تأكيد خلالها على أهمية تعزيز التعليم في مراحله كافة، لأنّه الكفيل بالحدّ من الجهل الذي يقود إلى التعصّب. واتّفق المشاركون على أن العيش المسيحي-الإسلامي يشكل سمة في أي مقاربة لإدارة سليمة للتعددية في هذا الشرق «من منطلق مد الجسور مع الإسلام الأصيل المعتدل وصون كرامة كل إنسان، مع التشديد على إبراز قواسم روحية مشتركة والتفاهم على دور الدين في حياة الإنسان من أجل السلام في العالم، إضافة إلى تحالف موضوعي عقلاني بين الأديان بين قوى مسيحية مشتركة وإسلامية معتدلة». ولم يخل المؤتمر الذي سيطلق المشاركون فيه مقرراته الأسبوع المقبل من مطالبة القادة العرب المسلمين بأن يعطوا رأيهم بصراحة وبشكل متواصل من الإرهاب والعنف الممارس في بلدان الشرق الأوسط. ويرى جرجس أن «عدم إطلاق القادة العرب موقف واحد متكرر يساهم في امتداد القوى الظلامية التكفيرية». وأكد «أننا سنطالب الموفدين إلى لبنان بأن يعتمد قادتهم مواقف لإدانة التطرّف». واتّخذ المؤتمر طابعاً معنوياً، إذ شدد جرجس على أننا من خلال المؤتمر «نقول للمسيحيين إننا نعمل لأجلكم عبر مشروع توحيد ووضع رؤية لإبقائهم في أرض الأجداد». أما رئيس مؤسسة «أديان» الأب فادي ضو، فاعتبر أن من «أهم العوامل الإيجابية التي تساعد المسيحيين اليوم في المنطقة، هي ازدياد عدد المسلمين المقتنعين بقضية المواطنة والحرية والعيش معاً، والأهم أن يعرف المسيحيون الاستفادة منها من خلال بناء شراكات مع المسلمين». وقال: «لا مستقبل للمسيحيين والمسلمين من دون المواطَنة». وعن مطالبة الكنيسة المارونية مراراً المسيحيين بالتمسك بجذورهم، أكد ضو أنها «لا تدعوهم على حساب كرامتهم، بل تذكرهم بأن لدينا رسالة في الشرق، وألا نيأس، وعلى العكس فعند الاضطهاد المباشر تدعو الكنيسة الناس إلى حماية أنفسهم»، مطالباً بألا يصبح الخوف من التطرف عنصراً وجودياً، إذ لا نعود نرى أن هناك مسلماً حليفاً لنا». ورأى أن «الحضور المسيحي الفاعل الذي يجب أن يزداد فاعلية هو في لبنان ومصر».