لم يهرول «الذئب الداعشي المنفرد» طويلاً، حتى بات في قبضة رجال الأمن، الذين أجهضوا مخططاته الإجرامية، وقطعوا أنيابه التي كانت تنوي أن تنغرس في جسد الوطن بجميع مكوناته وتصيبه في مقتل. إلا أن الجهود الأمنية المكثفة أحبطت جميع مخططات تنظيم «داعش» الإرهابي، كاشفة عن حجم «الكارثة»، التي كان يخطط للإيقاع بها على أرض لا تقبل التعامل مع الإرهاب بلين، بل بحزم وعزم. وتشير جميع المؤشرات إلى فشل التنظيم الإرهابي في تحقيق أبرز وأهم مخططاته في حربه مع دولة تحمل قدراً كبيراً من الاحترافية في التعامل مع الإرهاب، حتى باتت واحدة من أهم الدول التي يُشار لها بالبنان في هذا المجال. ولعل من أبرز مخططاته تحويل الوطن إلى «ساحة صراعات». إلا أن عملياته ارتدت عليه، فزادت من اللحمة الوطنية وأكدت أيضاً قوة الأمن السعودي، الذي كشف وباحترافية عالية عمليات التنظيم ومخططاته الإجرامية عبر البيان الأخير. وكشفت الجهود الأمنية عن أن التنظيم كان ينوي نقل الصراعات المذهبية والطائفية، وحتى القبلية إلى السعودية، بعد أن أشعلها في دول مجاورة وأحالها إلى دمار، بما بات يُعرف ب «حرب الاستنزاف الطائفية»، والتي التهمت الأخضر واليابس، وحقق من خلالها تقدماً كبيراً على أرض تلك المناطق. بيد أن «داعش» فوجئ برد فعل لم يحسب لها حساب، إذ كان يظن أن مواجهته ستكون مع رجال الأمن فقط، لتشترك جميع الأطياف في النسيج الوطني وتئد مخططه قبل أن يولد. وأظهرت الأحداث الأخيرة تماسكاً وطنياً مميزاً، ولم تفلح خلايا «داعش» العنقودية في أن تتغلغل في الجسد الوطني، بل زادته تلك العمليات «مناعة»، ليعلن الوطن بجميع مكوناته وأطيافه أن «الجرح واحد، والعدو واحد، والهدف واحد». وكشف بيان وزارة الداخلية الأخير عن جهود الأجهزة الأمنية، التي أطاحت بخلايا التنظيم الإرهابي، ضمن تشكيل عنقودي يُدار من خارج الوطن، ومن أراضي الصراع، هدفه إثارة «الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى، واستباحة الدماء الزكية، من خلال تبادل الأدوار وتنفيذ المخططات والأهداف التي تملى عليهم من الخارج». ولعب التنظيم لتحقيق أهدافه ضمن مستويات عدة، بدأها باستهداف مصلين في المنطقة الشرقية ضمن ثلاث حوادث متفرقة، متخطياً كل المعايير الإنسانية والدينية، فلم يستثن المساجد والمصلين والشيوخ والأطفال، وحتى النساء أو العجزة. فيما معظم المنفذين من فئة الشباب، ما يظهر عمليات غسيل المخ، التي يتبناها التنظيم في التغرير بالشبان عبر العزف على وتر «الجنة والحور العين». ووضع «داعش» رجال الأمن كهدف رئيس، من خلال عمليات إطلاق نار على دوريات أمنية راح ضحيتها رجال أمن خلفوا وراءهم أرامل وأيتام. وكانوا على رأس العمل في حماية الوطن والمواطنين، وكدليل واضح على بشاعة الفكر الذي يتبناه هذا التنظيم البعيد عن الإسلام ومبادئه، ما قاموا به بعد الهجوم الذي نفذوه على دورية أمن المنشآت في موقع الخزن الاستراتيجي جنوبالرياض، حين قاموا بالتمثيل بجثة قائد الدورية وحرقها، في مشهد بعيد كل البعد عن الإنسانية أو الدين. لم تشتعل الفتنة الطائفية كما كان مخططاً لها، وبات المواطنون المواجه الأول لهذا الفكر الضال. فيما أفرزت العمليات الإرهابية حساً وطنياً وإنسانياً عالياً، تجسد في مشاركة جميع أطياف الوطن في نبذ هذه النعرة النتنة، والتأكيد على اللحمة الوطنية، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بنبذ التطرف بجميع أشكاله، والتأكيد على أن الوطن «خط أحمر». فيما أظهرت الحوادث الإجرامية الثلاث التي وقعت في المنطقة الشرقية، الرابط القوي بين الدولة والمواطنين، ورفعت حشود مشيعي ضحايا الإرهاب الغاشم لافتة منددة بالتطرف وشق الصف الوطني. وتقدم العلم السعودي في مراسم التشييع التي شاركت فيها جميع المذاهب الإسلامية وأطياف وطنية مختلفة، أحبطت مخطط «داعش» في شق الصف والوحدة. فيما حالت الجهود الأمنية دون وقوع أعداد لا حصر لها من الضحايا، فيما كان التنظيم يستهدف اغتيالهم من خلال زرع المزيد من الانتحاريين، الذين كانوا ينوون التوغل في المساجد وبين المصلين الآمنين، ومنهم المصلون في جامع قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، ومساجد متنوعة في المنطقة الشرقية بشكل متتابع كل جمعة، واغتيال رجال أمن، وجميع هذه العمليات كان من المقرر أن تتم في الجمعة، اليوم المقدس عند المسلمين، إلا أنه «يوم الدم والموت» عند «داعش» الإرهابي. وحاول التنظيم زرع قنابله التحريضية في شبكة الإنترنت، وبات مرتادو وسائل التواصل الاجتماعي هدفاً لإدخال هذه الفايروسات المدمرة للعقل، من خلال بث الخوف والرعب فيه، واستقطاب مريدين وأتباع ونشر الإشاعات والأكاذيب والتحريض المستمر على الدولة ورجال الأمن والمواطنين. إلا أنه تم إحباط هذا المخطط الخطر، من خلال رصد ومتابعة وإلقاء القبض على عدد من أصحاب هذه المعرفات، الذين يسوقون للنشاط الإجرامي على الإنترنت. ولم تتأخر وزارة الداخلية في بيانها الذي أصدرته أمس، في الكشف عن تفاصيل دقيقة جداً للمتورطين في عمليات إجرامية، كانت حديث الشارع المحلي والخليجي والعربي، وحتى العالمي. وأظهر البيان الجهود التي بذلت لإحباط مخططات متتالية للتنظيم، كانت تستهدف أرواح الأبرياء والآمنين. وعكس البيان أيضاً أهدافاً تبناها «داعش» في جعل الوطن «منطقة صراع مفتوحة»، من خلال العزف على «الوتر الطائفي»، والتقليل من قدرة الجهود الأمنية ورجال الأمن. إلا أن التنظيم عانى نكسة كبيرة في مواجهة وطن اعتاد كسر شوكة الإرهاب. «كبار العلماء» : على الجميع كشف عوار الفكر الخارجي الخبيث أكدت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء أهمية المضامين التي جاءت في بيان وزارة الداخلية أمس (السبت)، مشيرة إلى أنه «يبين ضبط تنظيم مكون من خلايا عدة تنتمي إلى تنظيم داعش الضال الخارج على جماعة المسلمين وإمامهم، ويتبنى أفكاراً لا تمت إلى الإسلام بصلة، وله أجندات تخدم أعداء الإسلام والمسلمين». وقالت الأمانة في بيان صحافي أمس - بحسب وكالة الأنباء السعودية - «نحمد الله عزّ وجل، الذي مكّن رجال الأمن من القبض على هؤلاء المجرمين قبل إكمال تنفيذ مخططاتهم وجرائمهم في استهداف المساجد وجماعة المسلمين»، مشددة على «ما سبق أن صدر عن الهيئة من بيانات وفتاوى تدعم تتبع هؤلاء المجرمين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم الشرعي العادل». وأوضحت أنه «على الجميع، كل في مسؤوليته ومكانه، أن يكشفوا عوار هذا الفكر الخارجي الخبيث، سواء في ذلك طلبة العلم والخطباء والمدرسون والكتاب والإعلاميون وكل من يملك أداة للبيان والإعلام وموقعاً للإصلاح والتقويم، وعلى الأسر دور بارز في توجيه الأبناء والبنات وتحصينهم من هذه الأفكار الدخيلة على مجتمعنا وديننا، وضرورة التواصل مع الجهات المسؤولة عند ملاحظة الانحراف قبل أن يحدث ما لا تحمد عاقبته؛ حماية لنفسه ولدينه ولمجتمعه، لئلا يتورط بإزهاق دم حرام يوبق دنياه وآخرته». وأضافت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء أن «مجتمعنا المسلم في المملكة سيبقى، بإذن الله تعالى، كما العهد به؛ مجتمعاً واحداً متماسكاً ضدّ الأفكار الدخيلة عليه، سواء أكانت من جانب التطرّف أم من جانب الانحلال، متمسكاً بعقيدته عاضّاً عليها بالنواجذ ملتفاً حول قيادته ناصحاً لها، وسيرى الأعداء - بحول الله وقوته - ما يسوؤهم من تماسكنا واجتماعنا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم».