تسعى القنوات التلفزيونية التونسية، الرسمية والخاصة، إلى جذب المشاهد خلال شهر رمضان. وتتنافس سبع قنوات تونسية درامياً فيما بينها من خلال عرض مسلسلات أثار بعضها الجدل الحاد والنقاش داخل الأسر وفي مواقع التواصل الاجتماعي. وتباينت الآراء بين مرحّب بهذا التنوع في الأعمال، وبين ناقد لما يعتبره كماً من العنف والإباحية. وقاطع بعض المنتقدين القنوات التونسية وما تبثه من «سموم»، وفق ما أعلنه أحدهم ل«مدرسة الحياة». لم يخفِ حلمي انزعاجه وهو يتحدث عن الأعمال الدرامية للموسم الحالي. يخص بالذكر في حديثه مسلسلات بعينها ك«أولاد مفيدة» و«حكايات تونسية» على القناة الخاصة «الحوار التونسي»، ويقول إنهما «مسلسلان ساهما في تلويث العائلات التونسية وبث سموم إعلامية لدى الناشئة»، ويضيف أنه قاطع القنوات التونسية منذ مدة حفاظاً على عائلته «من أفكار دخيلة وممارسات منحرفة». في المقابل، دفع الإعجاب ببعض المسلسلات الدرامية أحد المشاهدين إلى رسم وشم مشابه للوشم الذي يحمله بطل مسلسل «أولاد مفيدة»، وهو مسلسل يروي قصة ثلاثة أشقاء يعانون البطالة والتهميش، ما يدفعهم إلى السرقة واستخدام العنف. يصوّر المسلسل نموذجاً لعائلة شعبية في تصادمها مع محيطها الإجتماعي، وأثار انتقادات عدة لم تؤثر على نسبة مشاهدته، حيث كان أكثر الأعمال التلفزيونية مشاهدة خلال النصف الأول من شهر رمضان، وكان أيضا بشهادة المختصين أكثرها عرضاً لمشاهد حميمة وجريئة. تعبّر مريم (17 عاماً) عن إعجابها بالتنوع الدرامي لهذه السنة، وتقول إنها تشاهد مسلسل «أولاد مفيدة» بانتظام حتى أضحت مدمنة عليه، وبحسب رأيها، فإن النماذج الإجتماعية التي يصورها هي واقعية. وتضيف: «من لا يعجبه مسلسل ما، فيمكنه تغيير القناة، بدل تصديع رؤوسنا بالإنتقادات الفارغة، فذلك هو واقعنا الذي يريد البعض التغافل عنه والهروب منه». مراد (30 عاماً) أيضاً لم تزعجه مشاهد العنف والجرأة في المسلسلات التونسية، معتبراً ذلك ترجمة طبيعية لفترة ما بعد الثورة، لكن ما أزعجه هو الصورة الكاريكاتورية التي تم من خلالها تقديم الرجل الريفي، ويخص بالذكر السلسلة الهزلية «نسيبتي العزيزة» التي تبث على قناة «نسمة» الخاصة. ويقول مراد: «هناك قنوات ما زالت مصرة على إخراج الشخص الريفي في شكل سخيف، فهو شخص بسيط فكريا عادة يثير السخرية، ويرتدي ثياباً مهترئة ومن دون تناسق، وهي صورة تتعارض مع الواقع. فالشاب الريفي شاب مناضل ولد ليجد نفسه في محيط قاس، وهو يجتهد يومياً للنهوض بنفسه وتحسين وضعيته. هي صورة اعتبرها سخيفة ومثيرة للنقمة والدونية في نفوس أهل الريف». وحرك الجدل الدائر حول الدراما التونسية سواكن «الهيئة العليا للاتصال السمعي- البصري» التي اعتبرت في بيان لها أن «بعض الأعمال الدراميّة جاءت محمّلة بنسبة عالية من العنف بجميع أنواعه: الجسدي واللفظي والنفسي، وهو ما من شأنه التأثير السلبي في فئات واسعة من المشاهدين، بخاصة الشرائح الإجتماعية الهشة مثل الأطفال والمراهقين والمراهقات». وحمل البيان تهديداً لبعض القنوات بإمكان فرض عقوبات مالية على المخالفين. وركزت بعض الأعمال الرمضانية على قضايا تعتبر من المحظورات، كالإنجاب خارج إطار الزواج والعلاقات المحرمة، وهي مواضيع كفيلة بخلق نوع من الصدام مع مشاهد لم يتعود رؤية مشاكله على التلفزيون. في هذا الإطار، تقول حليمة (45 عاماً) إنها صدمت بالكم الكبير من الجرأة في الأعمال الرمضانية، لكنها تضيف: «عوض التهديد بمقاطعة القنوات يجب علينا مصارحة أنفسنا، فذلك واقعنا الذي نهرب منه ولا نريد الخوض فيه، المخرج حرّ في رؤيته الدرامية التي قد لا يستسيغها البعض وقد تمثل بالنسبة لهم صدمة، لكن الأصح أن ننتقد العمل الدرامي بطريقة موضوعية، لا أن نسقط عليه عقدنا النفسية والاجتماعية». أكثر الأعمال إثارة للجدل كان مسلسل «حكايات تونسية» الذي يبث حالياً على قناة «الحوار التونسي». وأثار المسلسل عاصفة من النقد جعل البعض يدعو النيابة العامة لإصدار أمر بإيقافه كونه يطرح قضايا حساسة كتجارة الجسد. وتقول سهام (موظفة استقبال في فندق): «أنتمي لعائلة عائلة متحررة فكرياً، لكن هذا المسلسل صدمني وصدم عائلتي فعلاً، وعلى رغم الصورة الجميلة والأداء التمثيلي الجيد، فإنني أعيب عليه هذا الكمّ من الوقاحة والجرأة غير الموظفة. قد يبدو المسلسل عادياً بالنسبة للبعض، لكن علينا ألا ننسى أننا نعيش في مجتمع محافظ لم يتعود على طرح هذه المواضيع بهذا الأسلوب الفج». تتباين آراء المشاهد التونسي بين مرحب ومعارض تجاه الأعمال الدرامية التي يشاهدها يومياً عبر قنواته، جدل لم يؤثر على نسب المشاهدة العالية التي تحظى بها عادة تلك الأعمال الجريئة، لتبقى الجرأة سلاحاً ذا حدين، قد يثير عاصفة من الانتقادات، لكنه يزيد في المقابل نسبة المشاهدة.