لا تبكي يا صاحبة الفيروز، إنهم محتالون ، كاحتيال المسلسلات التركية، ما أنت بالنسبة لهم سوى حلقة في مسلسل درامي ستنتهي حلقاته ذات يوم، فهم في كل الأحوال ممثلون جاهزون للصراخ والانفعال، والحب المصطنع .. فنحن أمة الدهشة والإعجاب، سهل الإيقاع بنا في فخ الكواليس، فلا تتفاجئي، بعد أشهر ستكوني وحدك مع أطياف الأهل الراحلين، سأدلك على مكان يحبك، إلى مكان لا يكذب، إنها رمال الشاطئ، اذهبي هناك بل أقيمي هناك ، بدون افتراش .. واخلعي حذاءك .. وخبئي أقدامك في الرمل الناعم ولا تغادري ، فثمة طيور من النورس وغروب شمس لن تتخلى عنك. تنفسي بعمق بدخول شهيقك فهي عملية فاعلة تتطلب منك جهداً.. أما زفيرك لا يتطلَّب جهداً فهو تلقائي .. يأتي كنتيجة حتمية لعملية الشهيق .. فثمة رمل حبيب، كثيف وصموت وصادق، ينتظرك، ليخبرك بحقيقة ما حدث، دون مقابل، إنه مفطور على هكذا حياة، لا يعترف بالضجيج المتلاطم بين الجدران الأربعة..لأنه يكون صادقاً معك. فاذهبي هناك الآن .. لا تتردي ، حتى توفري عليك صدمة المفاجآت والمنغصات اليومية في دار أنفاسها حاقدات عليك.. لا تبكي يا صاحبة الفيروز.. فنحن أمة النحيب والدموع والأصوات والنسيان، من يتذكر البائع المتجول بوعزيزي الذي أشعل في نفسه النار بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس الآن ؟ أين ذهب الحزن على صديقي المصري وهي تخرج روحه في ميدان التحرير ؟؟ بعد أشهر قليلة ومن فرط تكرار مشهد دموعك المتساقطة، وأنت تبكين على موت أبويك ، في عمرك السابع .. لا تصدقي سينسون يا صاحبة الفيروز حزنك وألمك وأوجاعك، وستجف دموعك بسرعة، وستجرفك مشاهد أخرى ليوم أو يومين وسيمضون إلى تجارتهم ومتعهم وأطفالهم وكلابهم المدللة وأعمالهم الفاسدة ، وهكذا دواليك تمضي أمة الندب والنحيب والدموع حياتهم بين دموع ونسيان، لا تصدقيهم أرجوك، كل أولئك الذين اتصلوا بك عارضين تبنيك، إنما يستخدمون مأساتك ليتطهروا ويغسلوا ضمائرهم.. بمائك الطاهر.. وهم في دنيا دخلت قلوبهم بأسهل الطرق .. من غير جهد أو وقت ثمين . . لا تصدقي حزنهم عليك.. فكلهم آتين إليك ياصاحبة الفيروز لمصالحهم الدنيوية : لا تصدقيهم، صدقي الرمل الآن الذي تختبئ فيها أقدامك فقط.