المعضلة الحقيقية تبدو في أنّ الثورات الديمقراطية، وما شهدته من استبسال وتضحيات شعبية كبرى، قد رفعت منسوب التوقعات لدى الشارع بتغير الأحوال الاقتصادية مع بزوغ شمس الديمقراطية على الدول العربية، فيما تشير الأرقام والمعطيات في أغلب الدول العربية إلى أزمات اقتصادية خانقة وصعبة ستواجه الحكومات الديمقراطية المقبلة، والتي سيكون على رأس أغلبها حركات إسلامية. في ضوء هذه المعطيات، يصعد السؤال الجوهري فيما إذا كانت الأزمة الاقتصادية ستكون بمثابة الفخ للحكومات الديمقراطية (والإسلامية) الجديدة، إذ ستفشل في التعامل معها، ومن ثم تقلب لهم اللعبة الديمقراطية ظهر المجن، ويبدأ العدّ التنازلي، وتصاب الجماهير بخيبة أمل مبكّرة، أم أنّ الحكومات الجديدة ستتمكن من تجاوز هذه المحنة بذكاء وبدراية؟ثمة سجال كبير ونقاش واسع في هذا الموضوع، إلاّ أنّ كثيراً من الخبراء الاقتصاديين لا يبدون متفائلين إزاء القدرة على ابتكار حلول ناجعة وسريعة، فمعدل النمو الاقتصادي في تونس وصل إلى صفر، والعاطلون عن العمل بمئات الآلاف ويتوقع مع بداية العام المقبل أن ترتفع النسبة. وفي مصر، السياحة تعرضت لانتكاسة كبيرة، ونسبة النمو فقط 2 %. والوضع في المغرب من حيث الفقر والبطالة والحرمان الاجتماعي ليس أقل وطأة، وهي مؤشرات تسير نحو الأسفل، وليس الأعلى. في المقابل، بدت وجهات نظر جديرة بالتأمل في مؤتمر اقتصادي عقد في مرسيليا لمناقشة هذا الموضوع تحديداً. ففي مداخلة لأحد أبرز الاقتصاديين المصريين، أحمد جلال، يبدو أقل تشاؤماً من أغلب المحللين، فهو يرى أنّ الحكومات القادمة ستكون منتخبة، وأقرب إلى مطالب المواطنين وتحقيق العدالة، وسياساتها ستكون أبعد عن الفساد وأكثر حرصاً على المال العام، وتمتاز بالشفافية لدى أغلب الجماهير، وهو ما سيصيب المعادلة الاقتصادية، بالضرورة، بالتحسن ويمنحها الأفضلية، ويعطيها دفعاً للأمام. ويجادل جلال بأنّ المقارنة بين المرحلة الانتقالية الحالية في الدول العربية وأوروبا الشرقية في بداية التسعينيات تعزّز من منسوب التفاؤل. فتلك الدول كانت تعاني خلال التحول من أمراض اقتصادية قاتلة، ومن معدل نمو سلبي وارتفاع كبير في البطالة والفقر، لكنّها الآن تسير باتجاه التحسن الاقتصادي برعاية الأنظمة الديمقراطية الوليدة. بالطبع، لم يسلّم خبراء أوروبيون لجلال بهذه المقارنة، إذ يرون أنّ الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتلك الدول تختلف عن العالم العربي، ودور أوروبا تجاهها يختلف أيضاً بصورة حادّة. فضلاً عن ذلك، فإنّ تلك الدول كانت تخضع للقطاع العام وهيمنة الدولة في ظل أنظمة دكتاتورية، فكانت الطريق الاقتصادية أكثر وضوحاً.