عاد الحذر يلفّ توقعات الاقتصاديين ورجال الأعمال الألمان بعد انطلاقة موعودة بداية السنة الحالية ظلَّلتها أخيراً بيانات تفيد بأن إحصاءات كانون الثاني (يناير) الماضي لم تكن واعدة كما كان يُؤمل بسبب الشتاء القارس المستمر، وبأن عجز الموازنات العامة في كل من اليونان وإرلندا وإسبانيا وإيطاليا أخاف الجميع من كارثة إفلاس تكون نتائجه وخيمة على أوروبا، وبخاصة على ألمانيا بسبب تداخلها المالي مع هذه الدول. وكما ذكرت النشرة الاقتصادية الشهرية الجديدة الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية (الغرفة)، فإن البيانات التي تتحدث عن تحسُّن الأجواء والأعمال في الشهور المقبلة، وعن ازدياد تفاؤل الشركات الألمانية للمرة الأولى منذ بدء الأزمة الدولية صيف 2007 بتحقيق نمو جيّد، لم تنفع في التخفيف من القلق المسيطر حالياً على الاقتصاديين الألمان والمنعكس سلباً على سير عمل بورصة الأسهم في فرانكفورت. وقال رئيس قسم النمو في معهد الراين - فيستفالن للبحوث الاقتصادية رولاند دورن، إن الشتاء الحالي «استثنائي في قسوته» من دون أن يستبعد تسجيل انكماش في الناتج القومي للربع الأول من السنة الحالية، أو انخفاضه حتى عن الناتج القومي المسجَّل في الربع الأخير من العام الفائت، الذي لم يتجاوز معدل صفر في المئة. ولفت دورن إلى أنه ليس متفائلاً لوضع السنة الحالية ويتوقَّع نشاطاً اقتصادياً ضعيفاً. وأضاف «أن الانحدار توقف، لكن انتعاشاً قوياً لا يبدو في الأفق، أما التقدم الحاصل فبطيء». ولم يستبعد مصرف «فيست إل بي» الوطني ايضاً تراجع نمو الاقتصاد الألماني «بعض الشيء» في الربع الأول، عازياً السبب إلى أزمة التصريف التي يعانيها حالياً قطاع السيارات وإلى الشتاء القارس. وتابع: «حتى لو تحسن الطقس سيبقى الضغط على الاقتصاد الألماني كبيراً بسبب التراجع الذي يسجِّله الاستهلاك الشخصي خوفاً من البطالة المتنامية في البلاد». وإذا كانت مجموعة دول منطقة اليورو ال 16 أعلنت في تقرير اقتصادي أخير، أنها لا ترى في ألمانيا «دولة مأزومة، وتتصدّر أوائل الدول التي ستتعافى اقتصادياً نظراً إلى قدرتها التنافسية وإنتاجها المرغوب فيه خارجياً»، فإنها لن تكون قادرة على تجاهل الأخطار والتحديات التي تواجهها داخل منطقة اليورو حيث سجل الناتج القومي في الربع الأخير الماضي نمواً من 0,1 في المئة فقط، فيما بلغ متوسط معدل النمو السلبي على مدى العام الفائت 4 في المئة. وهذا يعني ببساطة أن الطلب على الإنتاج الألماني في أوروبا، الذي يشكل نحو 60 في المئة من مجمل صادراتها إلى العالم، سيكون محدوداً السنة الحالية. أما الخوف الأكبر فيأتي هذه المرة من أزمة العجز والديون التي وقعت فيها الدول الأوروبية الخمس. وحذّر خبراء في برلين من أن تقضي الأزمة في سرعة على براعم الانتعاش الضعيف الذي بدأ مطلع السنة، مشيرين إلى أن المصارف الألمانية، وبخاصة المصارف الوطنية التي تعثَّرت غالبيتها بفعل الأزمة المالية والاقتصادية الدولية المستمرة، مهدَّدة بقوة من أزمة ديون حكومات هذه الدول. ونشرت وكالة الأنباء الاقتصادية «بلومبيرغ» نقلاً عن مصرف «سوسييته جنرال» الفرنسي أن مؤسسات المال الألمانية تضمن أوراقاً حكومية لليونان والبرتغال وإسبانيا وإرلندا بقيمة تزيد عن 500 بليون يورو. وذكر خبراء أن هذه المؤسسات تخشى من وقوع اليونان في إفلاس حكومي يُعرف كيف يبدأ، ولا يعرف كيف ينتهي. وألقت الأزمة الجديدة بثقلها على بورصات العالم مسببة خسائر كبيرة فيها. وتراجع مؤشر أسهم «داكس» الألماني بقوة في فرانكفورت منحدراً في سرعة إلى أقل من 5400 نقطة بعدما حقق تسلقاً مثيراً فوق 6000 نقطة مطلع السنة قبل أن يبدأ عملية متفاوتة ما زالت مستمرة وسط بلبلة عارمة في أسواق المال الأوروبية والدولية.