تتسارع وتيرة الأحداث في سوريا وتجهد قوى إقليمية ودولية من أجل إنهاء هذا الملف لصالح إحداث تغيير في النظام أسوة بما حصل في مصر وتونس وليبيا وما سيحصل في اليمن. ولكن المفارقة أن روسيا تتعامل مع الملف السوري بشكل مخالف تماماً للطريقة التي تعاملت بها مع ملفات الربيع العربي لما لهذه الدولة من خصوصية وأبعاد استراتيجية ترتبط بمصير المنطقة ككل. فالأمريكيون، وإن لم يكونوا وراء انطلاق ثورات الربيع العربي إلا أنهم تمكنوا من إعادة استيعاب المتغيرات التي حصلت والتحكم بها وخاصة في ليبيا الغنية بثروتها النفطية والتي استأثرت الشركات الأمريكية بمعظم الاستثمارات فيها، وفي مصر الدولة الأكبر في العالم العربي، وفي تونس والمغرب اللتين تعتبران موطأ قدم هام للتأثير لاحقاً على مجريات الأحداث في الجزائر الغنية جداً بمادة الغاز. والأمريكيون وإن لم يكونوا وراء الثورة التي حصلت في اليمن إلا أنهم استطاعوا استيعاب تفاعلاتها، ليس لثروات هذا البلد الذي يفتقر لكل شيء بل لأنه تحول مؤخراً إلى خندق متقدم لتنظيم "القاعدة "الذي فقد وجوده الهام في باكستان وأفغانستان ومن ثم في العراق والذي بدأ يتجه إلى تركيز قواعده في مناطق اليمن الجنوبي تحسباً للانطلاق من هناك باتجاه شبه الجزيرة العربية. وهذا يعني أن أمريكا قد أحكمت السيطرة على شمال أفريقيا وعلى اليمن، وبقي أن تحكم سيطرتها على المشرق العربي الذي تعتبر سوريا مفتاحه الأساسي والتي إذا ما تم إسقاط النظام فيها فستكون واشنطن قد أصابت من وراء ذلك عدة أهداف. وعليه فالمسألة ليست مسألة تغيير نظام في سوريا أو إيصال المعارضة إلى السلطة تمهيداً لإشاعة الديمقراطية والقضاء على الفساد والبطالة، بل جوهر الخلاف حول من يمسك بالقرار في الشرق الأوسط؛ ولهذا فإن سوريا تتخبط اليوم بين السندان الروسي والمطرقة الأمريكية.