ينظر المحللون السياسيون لما يحصل في مصر على أنه مؤشر مهم لما قد تؤول إليه التجربة في أماكن أخرى من دول العالم. ثورة 23 يوليو 1952م ، أشعلت الثورات ضد الاستعمار في عدد من الدول العربية والإفريقية ، وبقي الغرب يحاصرها من كل الجهات ؛ بسبب توجهاتها لاستعادة الحق الفلسطيني ، وتوجهاتها النهضوية داخل مصر وخارجها ، وخلال مسيرتها ارتكب قادتها بعض الأغلاط التي أعاقت بشكل جوهري حركة النمو والتغيير في العالم العربي ، وتنافس المعسكران الغربي بقيادة أمريكا حامية إسرائيل ؛ والمعسكر الشرقي بقيادة روسيا على اجتذابها ، الأول مستخدمًا أسلوب الإكراه والتركيع .. والأخير بأسلوب الإغراء وتقديم البديل ، واستمر الصراع على مصر والمنطقة بصفة عامة حتى قرر نظام السادات الانفصال عن المعسكر الشرقي ، وإبرام معاهدة كامب ديفيد ، وقد نتج عن ذلك إبعاد مصر من الجامعة العربية ، ونقل مقر الجامعة إلى تونس ، واستمرت القطيعة حتى غزو الكويت من قِبل نظام صدام حسين ، وفُتح الباب لعودة مصر للصف العربي ، والجامعة العربية لمقرها الرئيس في القاهرة. وبقيت معاهدة كامب ديفيد مثار جدل ، وعقدة مؤلمة في العلاقات العربية ، لأنها أحكمت بصيغة تضمن مصالح الطرف الإسرائيلي على حساب علاقة مصر بالعالم العربي، حيث إنها مهّدت الطريق لإسرائيل للتوسّع ، وابتلاع أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لفلسطين ، وتعقيد الأمور بخلق أمر واقع تتذرع به إسرائيل وحلفاؤها. في العام المنصرم تحرّك الشعب المصري بعد صبر طويل دام ثلاثة عقود تحت نظام حسني مبارك ، وأحدث ثورة جديدة سلمية ، عندما تُقاس بالثورات الكبرى ، أو بما حصل في غيرها من الدول العربية ؛ من بداية موجة الربيع العربي مثل ليبيا واليمن ، وحاليًّا سوريا. وتجري الآن انتخابات ديمقراطية على أسس تحديد مدة ولاية الرئيس وصلاحياته ، بموجب دستور جديد يُنظِّم شؤون الدولة وعلاقتها بالعالم الخارجي ، كدولة محورية في منطقة الشرق الأوسط. والمشهد المصري يتمتّع بمقومات وتقاليد عريقة ، قد لا تتوفر لغيرها من الدول ، حيث لديها رصيد ثري من التجارب ، وعدد كبير من الكفاءات في شتى المجالات ، بمقدورها أن تخرج متطلبات العمل بالشكل الذي يوافق تطلعات الشعب المصري ، ويخدم مصالحه، ويراعي التزامات الدولة مع العالم الخارجي ، ورغم كل ذلك فإن التجربة تعاني بين حين وآخر من المداخلات والتقلبات التي تؤثر على متطلبات التنمية بشكل عام. قد يرى البعض بأن محدودية الموارد الطبيعية عامل معيق .. وأن عدد السكان أيضًا يضغط على مرافق الدولة ويرهق موازنتها العامة .. وأن الاعتماد على المعونات الخارجية يحد من إمكانية الدولة على الحركة بشكل إيجابي .. كما أن هناك الكثير من الأمور التي يصعب الخوض في تفاصيلها ، لأن المهم استخلاص ما تُمليه التجربة ، وكيف يمكن توظيف إيجابياتها في أماكن أخرى من العالم العربي ، وتجنب السلبيات التي حصلت من بداية الثورة الحالية ، والمرشحة للاستمرار إذا لم تُفرز الانتخابات رئيس مُتمكِّن يلم الشمل ، ويقود مصر نحو تحقيق أهداف ثورتها المجيدة. مشوار مصر إلى ما وصلت إليه بدأ مع بداية النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي ، ومر بأحداث مثيرة هزت العالم ، وأثّرت في العلاقات الدولية ، والكل ينظر لما يحصل في مصر حاليًّا على أساس أنه مؤشر ومحرك لما قد يحصل في مناطق كثيرة في الشرق الأوسط، والمراقبون الغربيّون متوجّسون من إفرازات الثورة المصرية الحالية ، التي فاجأتهم بأحداثها وطريقتها السلمية ، ومازالوا يترقبون إلى أين سيكون مدى تأثيرها على السياسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط.