ذاكرة المهنة كتاب وثائقي من إصدار الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف قدم له معالي وزير الحج السابق الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي الذي عده الأول من نوعه في هذا المجال. وفي مقدمة الكتاب وعن الرعيل الأول قال المطوف فائق بن محمد بياري رئيس الهيئة التنسيقية إن مهن أرباب الطوائف تزخر بكثير من القامات السامقة من الرجال الذين قاموا على خدمتها على مدى عقود طويلة وواكبوا تطوراتها وشهدوا تحولاتها. ويضم الكتاب التوثيقي الفخم بين دفتيه لقاءات مع الرواد الأوائل نشرت في نشرة الهيئة الفصلية الرفادة من عام 1427ه إلى 1430ه. احتوى الكتاب أيضاً على تمهيد عن مؤسسات أرباب الطوائف، حيث تحدث الأستاذ محمد بن حسين قاضي الأمين العام للهيئة عن منظومة المؤسسات ومراحل الطوافة في العهد السعودي الزاهر والواجبات والمهام وغير ذلك مما يتعلق بأعمالها ولجانها. قد يعلم كثير منا أن الأستاذ الدكتور عبدالله حسين باسلامة من كبار الاستشاريين وأول طبيب سعودي يحصل على "الزمالة البريطانية" في اختصاص أمراض النساء والولادة في عام 1971م وأول سعودي يحصل على لقب "أستاذ" في الطب (في امراض النساء والتوليد) واول رئيس للجمعية السعودية لامراض النساء والتوليد منذ انشائها في عام 1409ه والمشرف على تأسيس كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز في عام 1395ه والذي قد لا يعلمه بعض منا ان الدكتور باسلامة مطوف حتى النخاع مارس مهنة الطوافة كمعاون لوالده المطوف حسين باسلامة ثم ك "صبي مطوف" مع المطوف مصطفى عالم ثم في الوقت الحالي كعضو معين في مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي اوروبا وامريكا واستراليا التقته "الرفادة" في عام 1427ه لتنأى به بعيداً عن دروب الطب والجامعات والمستشفيات ولتسبر معه أغوار عالم مهنة "الطوافة" التي تجري في دمه. علاقة تاريخية ابن مكةالمكرمة الذي ولد وتلقى تعليمه الاساسي بها الأستاذ الدكتور عبدالله باسلامة سليل بيت طوافة عريق وأسرة مطوفين شهيرة امتهنت هذه المهنة منذ ان قامت بأم القرى قبل نحو 400 سنة. حاورته "الرفادة" وواصلت معه السير في دروب هذه الرحلة الروحية التي بدأها بأدائه لنسك الحج في هذا العام الذي التقته فيه فكان هذا الحوار الذي نشرته في عددها "الرابع" الصادر بتاريخ 18 ذي الحجة 1427ه الموافق 8 يناير 2007م الذي استهله بالحديث عن علاقة أسرته التاريخية بالطوافة قائلا في هذا الخصوص: "علاقتنا بالطوافة علاقة تاريخية موغلة في القدم وضاربة في أعماق التاريخ فرغم ان الوالد كان عضواً في مجلس الشورى قبل نحو (60) عاماً ومشغولا بشؤون هذه الوظيفة الرسمية في الدولة بجانب عمله في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك انشغاله بالتأليف إلا انه كان مهتماً بمهنة الطوافة ورغم بعده الجسدي الاضطراري عنها بسبب العمل إلا انه كان مرتبطاً بها روحياً ووجدانياً" ويضيف المطوف الأستاذ الدكتور باسلامة قائلا: "أدركت أنا علاقة الأسرة بالطوافة بعد وفاة الوالد - يرحمه الله - وكان عمري وقتها حوالي خمس او ست سنوات حينما كانت ترسلني الأسرة الى شيخ المطوفين لاستلام ما يخصنا من عوائد من مهنة الطوافة، ومن هنا بدأت ممارستي الاولية الفعلية لبعض جوانب هذه المهنة الشريفة التي كانت في ذاك الوقت تُعطى كمنحة من اشراف وحكام مكةالمكرمة، ومما أذكره ان الأسرة كانت تهتم بالطوافة وأمورها أكثر من اهتمامها بايرادات وعوائد الكتب التي قام الوالد - يرحمه الله - بتأليفها وذلك لحرصها الشديد على الارتباط الوثيق والمستمر بهذه المهنة. المطوف اليتيم بدأ المطوف الدكتور باسلامة حديثه ل "الرفادة" باضاءة سريعة عن نشأته بقوله: "لم ألحق بوالدي كثيراً فقد توفي وأنا في السادسة من العمر وقد قيل لي انه كان مهتماً بالحصول على العلم من منابعه في الحرم المكي ومصر والشام ووجدت له رسائل متبادلة مع الشيخ محمد حسين نصيف الذي عمل له وكيلاً تجارياً كما كان قائمقام الشريف حسين على مدينة ينبع والى ما قبل ايام دخول الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الى مكةالمكرمة فتولت أمي تربيتي وأختي، رفضت الزواج مرة أخرى - رغم صغر سنها - فعلمتنا العزة والكرامة وكانت - رحمها الله - تردد دائماً - مع انها أمية لا تقرأ إلا القرآن ولا تكتب - بيت الشعر: تعلم يا فتى فإن الجهل عار ولا يرضى به إلا حمار ويواصل سرد تفاصيل حياته بقوله : "اليتيم احياناً حظه في الحياة يبدأ مع وفاة أبيه لكن هذه ليست قاعدة واليتيم في ذاته ليس مصيبة لأن الله هو الذي اختار له ذلك، فسخّر له جنوداً كما سخّرهم لي ولوالدتي - رحمها الله - ولأختي فقد ترك والدي بضعة كتب عندما توفي في مكتبه فدا الى جوار مكتبة الثقافة في باب زيادة وكتب في المقعد وابتدأت الأسرة تبيع بعض الكتب فكنت أذهب الى باب زيادة لاستلم بعض قيمة الكتب ثم بدأوا بيع العصي والمسابح الى ان انتهت الموارد وأصبحت الحالة شبه صعبة وعندما شعر جدي لوالدتي (وكان كفيف البصر) بهذه الحاجة أخذني مع أختي الى زيارة الملك عبدالعزيز وقال له (هؤلاء أولاد حسين باسلامة، لا يوجد لهم رواتب ولا تقاعد ولا شيء وباعوا ما عندهم) فيقال: إن الملك قال: (لا يمكن ألا يصرف له تقاعد) وأجرى علينا الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - دخلا مادياً أعاننا على مواصلة الحياة". جبل "هندي" ويضيف قائلا: "ثم سخّر الله لنا العم مصطفى أدهم - رحمه الله - الذي عندما دخلت الى مكتب في وزارة المالية وكان في المكتب هذا عدد من الموظفين، شاهدني واقفاً في وسط الغرفة وفي يدي ورقة فقام من مكتبه واجلسني على كرسي وغاب نحو ساعة ثم قال لي ترى المعاملة تأخذ وقتاً طويلا اذهب الى المنزل وسوف احضرها الى منزلكم بنفسي وبعد أيام جاء وكانت المعاملة بخصوص تقاعد والدي، فوجدنا ان راتب المائة ريال أصبح مائة وخمسين ريالا - بفضل جهوده التي بذلها - وسلمنا المعاملة واختفى، لكنه ترك عندنا أثراً ظللنا نترحم عليه من خلال السنوات الخمسين الماضية وما بعدها، ورغم ان بعض الأسر دفعها الفقر لإخراج أبنائهم من المدارس للعمل، فالوالدة - يرحمها الله - ظلت حريصة على تعليمي لدرجة انه في أحد الايام كسفت الشمس فأظلمت الدنيا فأصرت على أخذي الى المدرسة لكي لا يفوتني شيء فوجدت المدرسة مقفلة ولا أدري فربما قد لامت المدرسة في داخلها لانها تشجعنا على الغياب - رحمها الله رحمة واسعة - فقد رأت في نجاحي ما خفف عنها تعبها وصبرها، وظللت أذهب كل صباح الى المدرسة. ومما أذكره انه بعد أن بلغ عمري نحو ثمان سنوات كنت أذهب الى الحرم في الفترة ما بين صلاتي المغرب والعشاء لكي اقوم بتطويف الحجاج وسعيهم، حيث كنت ألبس (الجبة السوداء) لاقوم بتطويف الحجاج ولحرص والدتي عليّ فلقد كانت تذهب معي الى الحرم وتجلس تصلي وتعبد الله، وأنا أؤدي عملي هذا مقابل مبلغ زهيد ومن فضل الطوافة عليّ ان ساعدتني في دراستي الجامعية فقد قمت في آخر سنة وقبل ابتعاثي للدراسة في القاهرة بجمع مبلغ (60) ريالا ساعدتني في الدراسة في الخارج حيث لم يكن لي مورد غيرها، وكان وقتها هذا المبلغ كبيراً وواصل المطوف الدكتور باسلامة حديثه عن علاقته بالطوافة قائلا: "الطوافة مهنة تجري في دمي وعروقي، فبعد ان انشغلت عنها في الفترة الاخيرة لارتباطاتي المهنية والاكاديمية وكثرة اسفاري فقد انقطعت وبعدت عنها جسدياً ولازلت مرتبط بها روحياً ومهتماً بمتابعتها بشكل مستمر، وعندما أكون في خارج المملكة في أوقات الحج تتوق نفسي الى ممارستها لأن مهنة الطوافة مهنة عجيبة وذات أسرار كثيرة، كنا نحصل منها على بركات كبيرة وتحفزنا وتشجعنا على ان نقدم عطاءً يفوق سننا وطاقتنا وامكاناتنا المحدودة في ذاك الوقت، فأذكر انني عندما كنت اقود اشخاصاً يكبروني في السن بكثير الى الحرم المكي الشريف وفي المشاعر المقدسة وكان بينهم المتعلمون وأصحاب المال والجاه يقومون بترديد الأدعية المستجابة بإذن الله والأذكار الدينية والتسابيح والنظرات الى الكعبة الشريفة خلفي، ويشعرونني بأهميتي الكبيرة. عطاء غير محدود ورداً على سؤال حول بعض الأحداث والذكريات التي لا تزال عالقة في ذهن الدكتور باسلامة منذ ذلك الوقت الذي كان يمارس فيه مهنة الطوافة حتى الوقت الحالي أجاب ضاحكا: "الذكريات والأحداث كثيرة يصعب حصرها في هذا الحيز، ومما أذكره أنني عندما كنت صغيراً في السن كنت أعمل في موسم الحج مع مطوف اسمه مصطفى عالم -يرحمه الله - دون مقابل مادي سوى أن يسمح لي بأداء الحج، وكانت مهمتي هي مرافقة الحجاج للتطويف، والسعي في الحرم المكي، وعند ذهابهم لذبح الأضاحي في (منى)، وفي (عرفات)، كنت آخذ مجموعة صغيرة من الحجاج ليقوموا بترديد الدعاء خلفي في وقت العصر، واصطحابهم في وقت النفرة من (عرفات) إلى (منى)، ثم إلى (مزدلفة). ومن ذكريات هذه الأعمال التي لا تزال عالقة بذهني أنه تحدث مأساة كبيرة لي عندما اتوه واعجز عن ايصال الحجاج الى مخيماتهم في (منى)، فأجلس أبكي بحرقة وألم شديدين والحجاج (يطبطبون) عليّ، ويطيبون من خاطري، ويطمئنونني ويهدئون من روعي، ويقولون لي: (لا تخف يا ابننا.. فالله سيفرج الحال، وسيسهل وصولنا)، وفعلا فجأة جاءت سيارة من حيث لا ندري، واخذتني والحجاج، وأوصلتنا الى مخيماتنا. ويواصل الدكتور عبدالله باسلامة الحديث قائلا: "مهنة الطوافة مهنة شاقة وفيها كثير من المتاعب والمجهودات الجسدية والمادية، وكذلك بعض المتاعب النفسية، بسبب احساس الشخص انه لم يستطع ان يقدم كل ما يجب تقديمه للحجاج من مجهود وخدمات، فإنني كنت اطمح واطمع وأنا صغير في السن وفي مثل ذلك العمر، ان اقدم للحجاج خدمات ومساعدات تفوق سني ومقدرتي الجسدية بكثير، حتى أنال رضا الرب عني، ورضا نفسي عن نفسي، فخدمة الحاج شرف ورسالة سامية يغرس الله سبحانه وتعالى حبها في نفس الإنسان، ليحفزه ويدفعه لتقديم ما يفوق طاقته الجسدية والذهنية، وإمكاناته المادية بكثير، دون أي تخطيط أو تدبير من البشر". مبادئ إنسانية كما تحدث سعادته حول ما شكّلته مهنة "الطوافة" من ملامح في شخصيته قائلا: "رسّخت مهنة الطوافة في نفسي عدة مبادئ، منها الإيثار والتفاني والإخلاص في خدمة المسلمين، وكذلك عامل الدفاع عنها كمهنة، لأنها المهنة التي تعلقت بها وأحببتها حبا شديدا، وعشقت العمل فيها، ولا زلت اشتاق لتلك الأيام التي أتمنى ان تتاح لي الفرصة لممارستها مرة أخرى، فلقد ارتبطت بها ارتباطاً وثيقاً، جعلني اقوم بالمتابعة السنوية لأحوالها وأمورها، ولما يستجد من مشروعات وخطط وتنظيمات خاصة بالحج، فلا بد لأي شخص ان يقف مشدوهاً أمام هذه المشروعات الضخمة والعملاقة التي قامت وتقوم بتنفيذها حكومتنا الرشيدة - ايدها الله - لراحة، بل لرفاهية الحجاج، والتي لم تقف عند حد التوسعة الضخمة للحرمين الشريفين، ولا عند مشروع منشأة الجمرات الجديدة، بل الحجاج موعودون في المستقبل، بالمزيد من هذه المشروعات العملاقة، التي تهدف لتيسير هذه الشعائر لهم". وتحدث كذلك عن ما قدمه لهذه المهنة من خدمات كطبيب وليس كمطوف بقوله: "عندما عدت من الابتعاث للدراسة في الخارج، كنت أعمل طبيبا للنساء والتوليد في الرياض، فكنت من ضمن مجموعة الأطباء الذين يتم انتدابهم من الرياض للعمل في موسم الحج في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة، فقمت بتوليد حاجتين في (عرفة)، وحاجتين في (منى)، وقمت بإجراء عمليات جراحية لنساء كثيرات في المشاعر المقدسة"، ويضيف سعادته قائلا: "ومما اذكره في هذا الشأن.. انه في أحد مواسم الحج، وبعد ان تمت ازالة المستوصفات الصحية التي كانت تقام بصفة مؤقتة في مشعر (عرفات)، والتي كانت تتم ازالتها وقت النفرة لمنى، فاجأت آلام المخاض حاجة سودانية الجنسية - وتحديداً في وقت النفرة لمنى - فركبت معها في سيارة الاسعاف وهي تتألم بشدة ورافقتها لمنى، وكنت خائفا عليها اشد الخوف نظرا لازدحام الطرق، وشاء الله ان يلطف بها، وعند وصولنا لباب مستشفى (منى)، ولدت بسلام في (الترولي)، النقالة المخصصة لنقل المرضى من سيارة الاسعاف الى داخل المستشفى، ومما أذكره انها سمت مولودتها عرفة". تعليق خادم الحرمين وسألت المطوف الدكتور عبدالله باسلامة عن تعليق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - عند استقباله لمعالي وزير الحج، ورؤساء مؤسسات ارباب الطوائف، عندما شاهد - يحفظه الله - الدكتور باسلامة من ضمن وفدهم في شهر رمضان من العام الماضي (1426ه)، فأجاب بقوله: "تشرفت بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مرات عديدة منذ ان كان ولياً للعهد، ويحفظه الله يعرفني كطبيب بشري وليس كمطوف، وعندما شاهدني - يحفظه الله - ضمن وفد منسوبي مؤسسات ارباب الطوائف الذين تشرفوا بالسلام عليه برئاسة معالي الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي وزير الحج، قال لي: (ايه اللي دخلك في هذه الوظيفة)؟ فقلت له - ايده الله-: (طال عمرك هذه هي مهنة أبائي وأجدادي والمهنة التي احببتها)، فقال لي خادم الحرمين الشريفين: (أتمنى أن أقوم أنا بهذه المهنة مثلكم)، فقلت له انك يا خادم الحرمين الشريفين تعمل في هذه المهنة من خلال اشرافك المباشر على راحة الحجاج، ومتابعتك الشخصية لمراحل ادائهم للمناسك في كل موسم حج، ومن خلال ما وجهت به من مشروعات عملاقة، واعمال ضخمة، ومنشآت ومرافق كثيرة، لراحة الحجاج والمعتمرين وزوار مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتي شهد بها القاصي والداني، وتلهج بها ألسن هذه الجموع الغفيرة من ضيوف الرحمن، بالشكر والثناء، والدعاء لمقامكم الكريم بحسن وأجزل الثواب، فمآثرك في هذا المجال - أطال الله عمرك - لا تحصى ولا تعد". عضو بمؤسسة "تركيا" وعن علاقته الحالية وعلاقة أسرته بالطوافة، تحدث المطوف الدكتور عبدالله باسلامة قائلا: "لم تكن الحاجة المادية أو العامل المادي البحت هو الهدف الرئيس من العمل في هذه المهنة، فقد اعتبرها كثير من الممتهنين والممارسين لها واجبا دينيا وشرفا لا يعدله شرف، وخدمة انسانية لضيوف الرحمن الذين يفدون لهذا البلد المضياف لأداء نسك الحج، ولهذا.. فلو تفحصت أسماء كثير ممن يمتهنون هذه المهنة، تجدهم من أغنياء وأثرياء هذا البلد، وبالنسبة لي أنا، فرغم المهام الوظيفية والمشاغل الحياتية، فلا زلت مرتبطا بهذه المهنة التي يجري حبها في دمي، وانني حاليا عضو معين في مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي اوروبا وامريكا واستراليا، ومن ضمن الاعضاء المعينين في مجالس ادارات مؤسسات ارباب الطوائف، ورغم ان مشاغلي وارتباطاتي الكثيرة قد اضطرتني للابتعاد عن هذه المهنة، إلا انني قد سعدت كثيرا بأن اقتربت مرة أخرى منها لأقف عن قرب على عمل مؤسسات الطوافة، التي ذكرتني أجواء العمل فيها بتلك العلاقات الحميمية التي كانت تربط المطوف بالحاج في الزمن الماضي، والتي كانت تتمثل في ان يقوم مندوب المطوف، وموظفو مكتب الوكلاء الموحد بجدة، باستقبال الحاج في جدة، ليجد عند وصوله الى مكةالمكرمة، المطوف وابناءه وبناته، وكل افراد أسرته في استقباله وضيافته، وبعد ان يقوم صبيان المطوف بتطويف الحاج وسعيه، يجلس مع المطوف جلسة أخوية في المكان المخصص له والذي يعرف ب(الجلسة)، لمعرفة احواله واخباره ومتطلباته وحل المشكلات التي قد تعترضه، كما تقوم زوجة المطوف وبناته، بالاحتفاء بالحاجات المصاحبات للحاج، من زوجات واخوات وبنات، والترحيب بهن في القسم المخصص لهن في المنزل، وهذه العلاقة الأسرية الحميمية، تمتد الى ما بعد الحج، حينما يصعب وداع هؤلاء الحجاج وفراقهم بعد أدائهم لنسك الحج، وتتجلى في الاكرام والترحيب والتقدير والاحترام، الذي يجده المطوف عند سفره الى بلد هؤلاء الحجاج، لعمل بعض الترتيبات لموسم الحج القادم".