ذاكرة المهنة كتاب وثائقي من إصدار الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف قدم له معالي وزير الحج الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي الذي عده الأول من نوعه في هذا المجال.وفي مقدمة الكتاب وعن الرعيل الأول قال المطوف فائق بن محمد بياري رئيس الهيئة التنسيقية إن مهن أرباب الطوائف تزخر بكثير من القامات السامقة من الرجال الذين قاموا على خدمتها على مدى عقود طويلة وواكبوا تطوراتها وشهدوا تحولاتها. ويضم الكتاب التوثيقي الفخم بين دفتيه لقاءات مع الرواد الأوائل نشرت في نشرة الهيئة الفصلية الرفادة من عام 1427ه إلى 1430ه.احتوى الكتاب أيضاً على تمهيد عن مؤسسات أرباب الطوائف، حيث تحدث الأستاذ محمد بن حسين قاضي الأمين العام للهيئة عن منظومة المؤسسات ومراحل الطوافة في العهد السعودي الزاهر والواجبات والمهام وغير ذلك مما يتعلق بأعمالها ولجانها. يفتخر دائماً ويعتز بأنه قد بدأ المسيرة من أولها، وشق طريقه بنفسه، وصعد سلم النجاح درجة .. درجة، ليتبوأ هذه المكانة البارزة، وليعد أنموذجاً آخر للعصامية وبناء الذات، وليصبح واحداً من أهم المستثمرين - ليس في المملكة فحسب - وإنما في العالم العربي والإسلامي. وليدون اسمه مع عظماء العالم، في مجال المال والأعمال، وليحق له أن "يعتد" بنفسه، وأن "يفخر" بتجربته، وأن "يعتز" بما حققه من نجاحات، نتيجة لمثابرته وجده واجتهاده وليضع تجربته هذه أمام الشباب الطامحين في تحقيق النجاحات وليظل يردد في كل مناسبة ومحفل، أنه منذ البداية قد اعتمد على نفسه، وبدأ مشواره ببيع لعبة "الكبوش" الشعبية، وأنه كان يدور بسيارته، ليبيع أدوات الكشافة ومستلزماتها، وأثناء دراسته الجامعية كان يبيع المذكرات المستنسخة، وبعض المواد الغذائية للطلاب، ليدخل دنيا المال والأعمال من أوسع أبوابها، ولينجح فيها، ويصبح من أسمائها اللامعة - محلياً وإقليمياً. شخصية عصامية إنه الشيخ صالح عبدالله كامل.. هذه ا لشخصية العصامية الفريدة، التي عاشت مع والدها حياة الفقر.. والتعب والكفاح.. حتى أصبح علماً عربياً وإسلامياً ودولياً في عالم المال والأعمال والإعلام.. وليبني نفسه بنفسه، مستفيداً من قدوته والده عبدالله كامل - يرحمه الله - الحفر في الصخر .. حتى بلغ هذه الشهرة التي قل أن يبلغها رجل مثله.. فقد انطلق من عزيمة وصبر.. وعاش يحمل فكراً.. وهدفاً.. واتخذ لنفسه منهجاً وطريقاً في عمله، كان - بعد عون الله تعالى وتوفيقه - سبباً في نجاحه، وليؤسس مجموعة سعودية كبرى بحجم "دلة البركة"، التي هي مجموعة مصرفية واقتصادية واستثمارية وخدمية، متنوعة النشاط، أسهمت ولاتزال تسهم بجهود كبير في تنمية الاقتصاد السعودي والعربي والإسلامي، من خلال مشروعاتها الاستثمارية المنتشرة في مختلف الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، والتي يعود خيرها على شعوب تلك الدول. فهو لم يفكر في نفسه كجامع ثروة ينفقها على رفاهيته وأسرته فحسب، وإنما على مجتمعه وعالمه الإسلامي الرحب، انطلاقاً من مبدأ أن ما أفاء الله عليه من مال، فإنه مال الله.. وأن إعمار الأرض.. وتشغيل آلاف الأيدي العاملة، هدف ينتج من أن المال وسيلة سخرها الله له لإسعاد نفسه والآخرين. بناء الذات واصل الشيخ صالح كامل دراسته التعليمية حتى المستوى الجامعي، ودرس في مصر سنة واحدة فقط، وأكمل بعد ذلك في جامعة الرياض - في بداية افتتاح كلية التجارة - بعد ذلك انخرط في العمل الحكومي، كفترة تمهيدية قبل ولوج القطاع الخاص، وتنقل في كل وزارات الدولة وفي كل مدن السعودية. بعد ذلك تفرغ للعمل الخاص كمراجع حكومي أو ما يسمى ب"معقب". وعن نشأته الأولى والظروف التي مر بها، يقول في حواره مع نشرة (الرفادة) الذي نشرته في عددها الأول الصادر في 28 ذي القعدة 1428ه، الموافق 8 ديسمبر 2007م: "نشأت في أسرة متوسطة الحال، وخير مثال على حال أسرتي وقتها، إنه عندما توفي جدي، لم يكن لدى والدي الشيخ عبدالله كامل - يرحمه الله - ما يفي بمراسم العزاء، لولا أهل الحارة، وبعض الريالات التي وضعها الشيخ محمد سرور الصبان في جيب والدي وهو يعزيه في أول أيام العزاء، وقد نشأت أنا وإخوتي، وخصوصاً الكبار منهم حسن ومحمد - رحمهما الله - وليلى، في ظروف متوسطة الحال، فقد كنا صغاراً نعيش على راتب الوالد المتواضع وقتها، وكنت منذ صغري، أبحث عن مورد مالي أعين به أسرتي، وأذكر أن والدتي - يرحمها الله - كانت ترسلني الى الشيخ عبدالرحمن بقبق شيخ تجار الحطب، لنستلف منه حتى نستعين بذلك على متطلبات الحياة، فالوالد كما سبق وذكرت لك لم يجد في عام 1352ه - وقد مرت نحو ثلاث سنوات على وظيفته - لم يجد ما يمكنه من شراء كفن جدي والوفاء بمراسم العزاء، كل ذلك جعلني ومنذ صغري أفكر بشكل جاد ومستمر في دخل أسعد به والدي ووالدتي، وأسهم - ولو بالقليل - في مسؤولية البيت". مطوف عريق والكل يعلم أن الشيخ صالح عبدالله كامل رئيس مجموعة "دلة البركة"، من أكبر وأهم رجال المال والأعمال والمستثمرين السعوديين، ولكن الذي قد لا يعرفه أغلب الناس - إن لم يكن كلهم - أنه "مطوف" عريق، مارس "الطوافة" وعمل بها، وعشق هذه المهنة الشريفة التي له معها ذكريات كثيرة، وأحاديث ذات شجون، ولا تزال في محور اهتماماته، تشغل حيزاً مقدراً في ذاكرته المليئة بالمشروعات والأرقام، بوصفه مكي المولد والمنشأ، ومن أسرة مكية امتهنت الطوافة، كمعظم الأسر المكية التي نالت شرف خدمة ضيوف الرحمن منذ وقت طويل. وعن بداياته في مهنة الطوافة يقول الشيخ صالح: "ولدت في مكةالمكرمة، ونشأت في مجتمعها المحافظ، ودرست فيها وفي الطائف أيضاً، وذلك بحكم عمل والدي - رحمه الله - وفي النيابة العامة وفي ديوان رئاسة مجلس الوزراء، فقد كان ينتقل مع الديوان صيفاً إلى الطائف، ولذلك فإنني ومعظم أخوتي كنا بين مكةالمكرمةوالطائف، كما قضيت وأخي الدكتور حسن - يرحمه الله - جزءاً كبيراً من حياتنا في الطائف، ولقد كانت مكةالمكرمة هي مكان الارتباط الأساس، بصفتها مسقط رأس والدي وأسرتي ووالدتي، وتقريباً كل إخواني وأخواتي، فارتباطنا جميعاً بمكةالمكرمة لن ينفصل - إن شاء الله - لأننا أسرة مطوفين، نشأنا على الطوافة، فالوالد الشيخ عبدالله كامل - يرحمه الله - كان مطوفاً، وعندما أصبحنا شباباً - أخي حسن وأنا - اعتمد الوالد علينا في "الطوافة"، وقد تعلم أخي حسن اللغة التركية، لأن حجاجنا الأوائل كانوا من الأتراك، وازداد اهتمامنا بهذه المهنة، بعد أن انشغل الوالد بالعمل الحكومي انشغالاً تاماً، حيث لم يكن يفرغ منه إلا لفترات بسيطة في موسم الحج، فكانت مسؤولية الطوافة ملقاة على عاتقي أنا، وعلى عاتق أخي حسن - طيب الله ثراه - الذي كان يأتي من القاهرة في موسم الحج، إذ كان مبتعثاً لدراسة الطب فيها، والذي رغم ذلك لم يبتعد عن هذه المهنة التي عمل فيها منذ نعومة أظافره". برنامج رئيس ويضيف: "كانت كل الأسرة تستعد لموسم الحج منذ وقت مبكر جداً، حيث كان الحج يمثل برنامجاً رئيساً وأساساً في محور حياة كل أفراد الأسرة، إذ كان بعض الحجاج في تلك الأيام يفدون إلى الأراضي المقدسة في شهر رجب أو شعبان لأداء الحج، مما يتطلب استعدادات كثيرة لاستقبالهم واستضافتهم هم وعائلاتهم طوال هذه الفترة الطويلة، ولم نكن نشعر بضيق أو حرج أو كلل أو ملل من طول فترة استضافة الحجاج في بيوتنا، بل كنا نتوق ونشتاق شوقاً شديداً لوصولهم، فقد اكتسبنا حسن وفادتهم ورفادتهم من الوالد والوالدة - رحمهما الله - اللذين كانا يسهران الليالي لراحة هؤلاء الحجاج، وإكرامهم وحسن معاملتهم، وتوفير كل وسائل الراحة لهم".ويواصل الشيخ صالح كامل الحديث في هذا الشأن: "كان الوالد - رحمه الله - يوزع علينا المسؤوليات، ويحدد لكل شخص منا مهام ومسؤوليات وواجبات بعينها لكي يقوم بها ويؤديها، وبالتحديد أخي حسن - طيب الله ثراه - وأنا، فكنا آخر من يأكل بعد أن يأكل كل الحجاج، وآخر من ينام بعد نوم الحجاج جميعاً، كما كنا نعاون الوالد في تجهيز المخيمات بمشعري منى وعرفات، وتوفير الماء والوجبات لهؤلاء الضيوف الكرامن وكانت كل هذه الأعمال تتم تحت إدارة وإشراف الوالد - يرحمه الله - الذي كان ونحن في مقتبل العمر يأخذ إجازة من العمل في موسم الحج".وتحدث عن ارتباط الأسرة الوثيق بالطوافة قائلاً: "الطوافة هي المهنة الأساسية لأفراد الأسرة، فجدي محمد عبدالسلام كامل - يرحمه الله - كان نقيب العلماء، ومفتشاً على المدرسين والأئمة والمؤذنين والمطوفين وخدم الحرم المكي الشريف، أما الوالد عبدالله كامل - طيب الله ثراه - فقد كان في شبابه يعمل ك"صبي مطوف" لدى بعض المطوفي في تطويف الحجاج، وكان ذلك يدر عليه دخلاً يسد بعض المتطلبات وليس كلها، بالإضافة الى عمله في الدولة، والذي استمر قرابة (44) عاماً، بدأها من كاتب في النيابة العامة حتى وصل إلى منصب المدير العام لديوان رئاسة مجلس الوزراء، ثم فكر في طلب شهادة (مطوف)، إلى أن أصبح شريكاً لأصحاب التقارير، بمنحة من الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ويكفينا شرفاً أن الوالد كان يردد دائماً: (الطوافة جزء مني، وهي عمل اتشرف به، وسأظل طوال عمري أحمل هذا الشرف، فقد كنت أقف شخصياً على حجاجي وأشرف على خدمتهم). الدروس والذكريات يروي الشيخ صالح كامل درساً لن ينساه أخذه من والده، ويحكي بعض ذكرياته في عمل الطوافة، فيقول: "يحكي والدي - غفر الله له - أنه في زحمة الحج في المواسم، كان دائماً يتسابق مع المطوفين على السيارات، حرصاً منهم ومنه على تحضيرها ومنذ وقت مبكر لنقل الحجاج من مكةالمكرمة الى مشعر منى في يوم التروية، ثم في وقت الصعود الى مشعر عرفات، ثم النفرة، وهكذا.. فكان عندما يتم تحديد السيارات الخاصة بالوالد، يأخذ أرقامها ونبدأ نحن والأولاد صغيرهم وكبيرهم نجوب شوارع مكةالمكرمة مشياً على الأقدام للبحث عنها، حتى نجدها فنحضرها للحجاج، فجئت أنا بسيارة بعد أن تعبت من البحث عنها، وكان وقتها قد فتح الله عليّ باب الرزق، فقلت لوالدي: (يا بويا.. كم يجيك في هذه الشغلة؟ مليون؟.. اثنين؟ نجمعها أنا وإخواني ونعطيك إياها، وبلاش هذا التعب)، فقال لي: (إن شاء الله)، وتركني حتى صعدنا إلى عرفات، وأخذ يدعو مع الحجاج بجوار جبل الرحمة، فكانت إحدى الحاجات تقف بجوار الوالد - "وإخواني حسن ومحمد وأنا" - متوجهة نحو السماء تدعو، فقال لي الوالد: (يا صالح أنت وإخوانك.. شايفين هذيك الحاجة التي تدعو؟ لو جمعتم ملايينكم كلها لن تساوي عندي دعاء هذه الحاجة)، فهذه الحادثة تدل على مدى عشق الوالد لمهنة الطوافة، وتعلقه بها، وإخلاصه لها، وتفانيه في خدمة وفد الله، رغم ما يلاقيه من عناء ومشقة وتعب، بحكم طبيعة هذه المهنة الشريفة، وما تتطلبه من أعمال ميدانية. "الطوافة" الجامعة كما تطرق الشيخ صالح كامل للحديث عن تدرجه في مهنة الطوافة قائلاً في هذا الصدد: "عندما تعشق أو تتعلق بعمل ما أو بمهنة معينة منذ صغرك، تجد أنها تسيطر على كل تفكيرك، فالطوافة هي الجامعة الحقيقية التي تخرجت فيها، ولذلك فقد تدرجت في هذه المهنة حتى وصلت الى مرحلة توليها بالكامل، وأصبحت مسؤولاً عنها، في فترات سفر أخي حسن في بعثته، ومع انشغال الوالد التام في ديوان الأمير (الملك) فيصل - يرحمه الله - ولهذه الأسباب والعوامل، توليت مسؤولية الطوافة تماماً، وحاولت تطبيق النظريات والأسس العلمية عليها، فتضاعف عدد الحجاج بشكل كبير، فبدلاً من مئات الحجاج، أصبح لدينا آلاف الحجاج، لأنه من المعروف أن غالبية المطوفين يتعاملون مع مهنة الطوافة بشيء مع التعود، أو كما كان آباؤهم يعملون، أما أنا فلا أدعي بأنني ابتدعت شيئاً جديداً في المهنة، وما قمت به لا يتعدى تحديث عمل أو ممارسة المهنة، فالطوافة شأنها شأن أية عملية اقتصادية تدخل فيها جميع العناصر الموجودة في الأعمال التجارية، من تسويق ودعاية وضبط للحسابات وتحديد للمسؤوليات ورقابة فعلية على الأداء، وذلك هو ما قمت به، فتطور عدد حجاجنا إلى الآلاف". تخطيط وإدارة ويمضي الشيخ صالح قائلاً : "نحن أسرة - ولله الحمد - امتهنت الطوافة، وقد كانت هي مصدر الدخل الأساسي لنا منذ أن كنا صغاراً - وبالتحديد أخي حسن وأنا - فقد اندمجنا في هذه المهنة مع الوالد - يرحمه الله - فقد كنت أقوم بتطويف الحجاج والسعي بهم، منذ أن كان عمري أحد عشر عاماً، والطوافة - في رأيي - تخطيط وإدارة واستثمار، وإذا أحسن أداؤها، فإن المردود منها يكون جيداً للطرفين، الحاج والمطوف". ويقول كذلك: "كان تفكيري التجاري الذي عرفته ومارسته بشكل بدائي ومحدود في تلك المرحلة، خلف دخولي كلية التجارة، فقد كنت أطمع في الجمع بين توجهي وبين الناحية العلمية أو التفكير التجاري العلمي، فلقد استفدت كثيراً من علم التجارة وقواعدها ونظرياتها في حياتي العملية الوظيفية وأعمالي الخاصة، فحتى الطوافة طبقت فيها الأسس الاقتصادية والتجارية والعلمية" واختتم الشيخ صالح حديثه ل(الرفادة) عن ممارسته لمهنة الطوافة بقوله: "لقد مارست مهنة (الطوافة) في كل مراحل حياتي، وفي البداية كان حجاجنا من تركيا، وكانت لنا اتصالات بهم، والوالد - يرحمه الله - زار تركيا مرات عديدة، وله صداقات كثيرة مع عدد كبير من الشخصيات، ثم بعد ذلك قمنا بخدمة حجاج افريقيا، وبعد أن تحولت الطوافة من العمل الفردي الى نظام المؤسسات، لم يعد هنالك مجال لممارستها بشكل فردي، فقد كنت الى ما قبل عهد قيام المؤسسات أمارسها مع إخواني بعد أن كبروا، واستمرينا في ممارستها بعد ذلك لفترة طويلة، من خلال مشاركة أخي المهندس عبد العزيز كامل - يرحمه الله - في عضوية مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول الافريقية غير العربية، وحتى وفاته، كما تضم مجموعة (دلة البركة) شركة لنقل الحجاج". قصة النجاح كانت بدايته التجارية مثيرة ومختلفة، وذلك حينما لاحظت الأسرة ذكاء الطفل "صالح" وعشقه للعمل التجاري، فحتى وقت اللعب مع أترابه، كان يخصصه لألعاب تتعلق بالبيع والشراء، وبعد هذه اللمحات الموجزة، لمسيرة الشيخ صالح كامل وأفراد أسرته في مجال "الطوافة" انتقل للحديث حول "قصة نجاحه" وسرد تفاصيل بداياته الأولى في دنيا التجارة والمال والأعمال، وعن السمات والعوامل المهمة، التي وصلت به للتربع على رأس امبراطورية اقتصادية، تمتلك وتدير ما يزيد على (12) مليار ريال، موزعة على (300) شركة وبنك ومؤسسة في المملكة، وفي نحو (45) دولة حول العالم، والذي تقدر الأوساط المصرفية في المنطقة الخليجية، حجم استثماراته المصرفية، بأكثر من مليار دولار، تدار من خلال شركة: (البركة المصرفية القابضة)، التي تتخذ من العاصمة البحرينية (المنامة) مقراً لها، والتي تملك وتساهم في ملكية (17) مصرفاً إسلامياً، قائلاً في هذا الصدد: "قصة مشواري التجاري قصة طويلة، تتعدد فصولها، وانتهز هذه الفرصة لأؤكد أنني قد اتخذت الجد والاجتهاد مبدأ اساسياً في حياتي، وقررت خوض تجربة التجارة التي اعتبرها موهبة، حيث بدأت في ممارستها من مرحلة الطفولة، وأعتقد أن بدايات حياتي في العمل التجاري، كانت من خلال ممارستي للعبة شعبية تسمى (الكبوش) يوم كان عمري أقل من (10) سنوات، حيث اكتشفت ميولي التجارية، حينما قمت بصناعة أجزاء هذه اللعبة من عظم الخراف، وبيعها على زملائي الأطفال، حيث توضع هذه العظام في حفرة صغيرة، ويكون فائزاً من يستطيع إخراجها من تلك الحفرة، فانتقلت بهذا العمل من (لاعب) إلى (منتج) و(بائع) لهذه اللعبة، وإنني اعتبر هذه الممارسة الخطوة الأولى نحو عالم التجارة". وأضاف: "إنني ومنذ نعومة أظفاري لم أطمح يوماً في أن أكون موظفاً حكومياً - ولا حتى وزيراً - وكل ما كنت أطمح إليه أن أكون تاجراً، فقد كان والدي موظفاً حكومياً، وكانت حالته المادية متوسطة، بينما كانت حالة عائلة (البوقري) - وهم جيران الوالد بمكةالمكرمة - ميسوري الحال، لأن والدهم رجل أعمال، فقررت منذ تلك الفترة أن لا أكون موظفاً حكومياً مثل الوالد، وإنما أردت أن أكون صاحب عمل مثل جاره، فقررت التدرج في الأعمال التجارية منذ الطفولة، حيث انتقلت من عمل لآخر، فكانت والدتي - رحمها الله - تبطخ لي (البليلة) لأقوم ببيعها على الزملاء في الحارة، فجمعت من هذه المهنة أموالاً، وكانت تلك ثاني مهنة تجارية أقوم بها". مستلزمات الكشافة ويضيف: "أما المهنة التجارية الثالثة.. فقد أصدرت أول مجلة مدرسية مطبوعة خلال دراستي في المرحلتين الإعدادية والثانوية، باسم (مرآة تحضير البعثات)، حيث عملت في تحرير وإنتاج المجلات المدرسية وبيعها، والكسب منها، وأود أن أضيف في هذا الصدد، أن الاتجاه الإنتاج هذه المجلة المدرسية كان انطلاقاً من محبتي للإعلام، الذي دخلت مجاله وأنا في تلك المرحلة، لا أعرف ما هو الإعلام". وزاد: "وعندما كنت أدرس في المدرسة النموذجية بجدة ترأست جمعية الكشافة في المدرسة، وقد كنا نشتري مستلزمات الكشافة من السوق وبأسعار مرتفعة، فخطرت لي فكرة تأمين تلك المستلزمات من لبنان، وقتها أخذت من والدي - رحمه الله - مبلغ (3.000) ثلاثة آلاف ريال، وتوسط والدي لدى المرحوم محمد سرور الصبان، عندما كان وزيراً للمالية حينها، بهدف تحويل المبلغ إلى ليرات لبنانية، حيث كان وقتها تحول العملات مرتبطاً بوزارة المالية، ووقتها كان الريال يساوي ليرة واحدة في السوق العادي، فأخذت تحويلاً رسمياً ب (3.000) ثلاثة آلاف ليرة، وسافرت إلى لبنان، واشتريت بدل كشافة وصافرات وسكاكين وكتب كشفية وجلبتها معي إلى السعودية، وفي المرحلة الجامعية، وأثناء دراستي في جامعة الملك سعود، عملت تاجراً من (شنطة السيارة) فعند وصولي الى السعودية من لبنان، كنت أضع بضاعتي في حقيبة سيارتي، وأدور بها على مدارس جدة". المطبعة والمطبخ ويمضي الشيخ صالح كامل في استعادة شريط أحداث بداياته الأولى قائلاً: "وقد أثر عملي كتاجر شنطة في دراستي، فلم اتمكن من كتابة المذكرات، فدفعني ذلك لدراسة فكرة افتتاح مطبعة لطباعة المذكرات، وحصلت على إذن لتأمين مطبعة لنسخ مذكرات الطلاب - بعد موافقة رئيس الاستخبارات العامة - والذي سمح للناسخين بالعمل لدي خارج أوقات دوامهم الرسمي، لضمان ألا يطبع ما يخالف الأنظمة فيها، وقمت باستئجار محل صغير قرب الجامعة، اسميته: (دار ومكتب الكشاف السعودي)، وقمت بافتتاح أول مطبعة في الرياض، وأصبحت أبيع لزملائي المذكرات المستنسخة، واستمر محلي هذا في العمل من عام 1959م حتى تخرجي من الجامعة في عام 1383ه، 1963م، وكان يدر عليّ دخلاً مرتفعاً بالنسبة لطالب جامعي، كما كنت أقوم ببيع بعض المواد الغذائية للطلاب، وانخرطت بعد التخرج من الجامعة في الوظائف الحكومية، فالتحقت بوزارة الشؤون الاجتماعية، حيث كنت أعمل بإدارة رعاية الشباب، وبعد فترة بسيطة انتقلت للعمل في وزارة المالية، حيث كنت أعمل ممثلاً مالياً في الصباح، وعاملاً في مطبعتي في المساء، حيث كنت احرص على وجودي في المطبعة بعد الدوام لممارسة بيع المذكرات الدراسية للطلاب". ويمضي قائلاً: "وبما أن طموح الخريج الشاب لا يقف عند حد معين، فكرت في إقامة عدد من المشروعات الأخرى، التي بدأت تنمو وتتنوع بمرور الوقت، فكنت من أوائل الذين افتتحوا المطابخ في الرياض، حيث افتتحت مطبخاً اسمه: (مطبخ الملز الشرقي)، فقد كان لدينا طباخ ماهر في منزلنا في جدة اسمه صالح خاطر، تعاونت معه في إنشاء المطبخ، وهكذا أصبح وقتي موزعاً بين عملي الحكومي الصباحي والمطبعة وفي المساء مع المطبخ، ثم افتتحت محل أزياء باسم ابنتي غدير، وجلبت باكستانيين للعمل كخياطين، وأصبح محل الأزياء من ضمن مجموعة العمل التي أديرها".