الحديث عن فقيد الشعر الشعبي والألعاب الشعبية ذي الحنجرة الذهبية والنبرات الشجية السيد منصور بن ناصر العلوي حديث متجدد لا ينتهي ولا يمل سماعه. متجدد لأن ذكرياته تتجدد في كل مناسبة من المناسبات التي كان يحييها .. فكلما اجتمع السمار تمنوا لو كان بينهم يتغنى بأشعارهم ويردد محاوراتهم فيطربون لسماعه وينشطون لأدائه.. وكلما أقيم فرح تمنوا لو كان بينهم يحيي ليلتهم ويشيع البهجة في نفوسهم ويبث الحماس فيهم ويشجعهم على مواصلة الفرحه عارفا للشاعر واللاعب والمغني أقدارهم ويضع كل شخص في مكانه اللائق . كما كان رحمه الله يتنقل في الليلة الواحدة بين عدة قرى لحضور المناسبات والأفراح وأداء الواجبات وتلبية الدعوات ولاسيما عندما كانت الأفراح تستمر ليلاً ونهاراً فإنه يعتبرها فرصة مواتية يغتنمها ليكمل أصحاب المواجب الذين يعتبرون حضوره مكسباً لأفراحهم وذكرى تسجل على مر السنين.. ويأتي هو ليفرغ تلك الشحنة والرغبة الشديدة في نفسه للمشاركة في الألعاب الشعبية وتنظيم صفوف اللاعبين وترتيب أدوارهم ليأخذ كل شاب فرصته ويظهر مقدرته ومهارته في الرقص أوالغناء أوالاستعراض سواء في التقاطيف أوالعرضة أوالبدواني أوغيرها من ألعاب المنطقة، وتراه يوزع يومه وليلته بين أصحاب الأفراح على حساب راحته وصحته بل وسلامته أحيانا. ولقد تعرض لحادث مروري وهو عائد إلى بيته بجدة من إحدى القرى فبالقرب من داره اعترضه شاب مسرع بسيارته فأدى ذلك إلى اصطدامه بخزان ماء وانقلبت السيارة وأصيب رحمه الله فقال معبراً عن ذلك: سبحان ربي عظيم الشان مسيّر الكون وممّشيه يوم القدر والمقدر كان واللطف قد فاز به راعيه صدمت في جانب الخزان وبيتي قريب وانا ارعيه عرض لنا ذلك الانسان في وقت ماني مأمل فيه وقد روى لي أحد أصحابه أنه كان في إحدى سفراته إلى الشام عندما كان يتاجر في السيارات والشاحنات وبعد أيام من وصوله إلى هناك تذكر أن زواجاً سيقام عند أحد معارفه في بحرة أوالجموم.. فما كان منه إلا أن قطع الرحلة وحجز للعودة إلى الديرة وحضر الفرح وشارك فيه وبعد أداء الواجب عاد لإكمال مهمته في الشام ، وهو مع ذلك من المعدودين في حل القضايا القبلية والشخصية يرجع إليه فيها الأخصام ويصدرون عن حكمه مقتنعين راضين تقديراً لوجاهته واحتراماً لشخصيته . وهو في ذلك يسير على نهج والده السيد ناصر بن هاشم العلوي الذي كان بين معارفه وجيرانه محسوبا من ( الموامين ) اي جمع مأمون على القضايا والمحكمين فيها والعارفين بحلولها عند أهل تلك الفترة . ومن يسمع كسرات السيد منصور يلمح فيها روح القضاء والأحكام القبلية مثل عبارة ( المشاورة _ الحكم _ الفصل _ الإقرار _ الصواب ) وغير ذلك من ألفاظ الحقوق والأخذ والعطاء . يقول في إحدى محاوراته مع الشاعر والراوية المعروف غالب الأحمدي : الآن في مجلس الشورات في دورها لا تغربها هيهات يا صاحبي هيهات نبغى البعيدة تقربها رادار يكشف لك الغايات حتى تقرر مراتبها ان صبتها ابرك الحزات ولااخطيتها كيف اطببها..؟ ومن الذين كثرت بينه وبينهم المداعبات الشعرية حامد بن عبدالحميد الجحدلي حيث يقول حامد : سلام توه جديد وطب يمديك تعرف مساحاته من يوم جيتوا من المغرب وقلوب ترسم في لوحاته وهكذا تستمر المحاورة بين الطرفين إلى أن يقول السيد منصور في أحد ردوده له : صحيح نار الهوى تلهب للي تماثل لشبكاته واحنا على مثلنا يصعب له جيل من غيرنا عزاته وفي مجال آخر يقول السيد منصور مخاطبا حامد عبدالحميد : سلام جو المعاني طاب وش قاصي العلم وش دونه انا سؤالي عن الاصحاب بس الخبر لا تكنونه حامد : يا مرحبا للوفا محضاب يا معدن الطيب توفونه نعطيك نشره تصل للباب في اللي عنيته وتطرونه السيد : أنا من أول حسبت حساب ما اعطي طريق(ن) تعرفونه عواض في الدرب مثل الداب رمشه مغطي على نونه حامد : ما تعرف ان الهوى غلاب ولازم يدّخلك في شؤونه وعواض في عالي المرقاب والعلم ما ينقصر دونه مع العلم أن عواض هذا الذي تكرر ذكره هنا هو عواض بن حماد الفارسي صديق الطرفين والشاعر المعروف بل من الذين تأثروا كثيرا بعد وفاة السيد منصور ورثاه من بين الراثين ، وقد خصني الأخ عواض الفارسي بكسرة حول الفقيد يقول فيها : مهما أقولك من الأشعار ومهما أعبر عن أحزاني ابغى أقنع العين باللي صار ودقات قلبي تحداني ومن المهتمين بحفظ تراثه المكتوب والمسموع صديقه ورحيمه عازف السمسمية الشهير حمد حمدان البلخي والراوية والشاعر الشاب صابر المحمدي الذي استفدنا منه كثيرا في إعداد هذا البحث . والسيد منصور رجل عصامي كوّن نفسه من الصفر وبدأ حياته العملية سائقا في النقل الثقيل والخطوط الطويلة حيث أتاحت له هذه الحياة فرصة الغناء بحرية وانطلاق كما هو حالة عندما عمل في ينبع في بداية إنشاء ميناؤها البحري ثم مارس التجارة في السيارات ومواد البناء . وقد سافر عدة سفرات إلى الشام ومصر والمغرب وكوريا للتجارة وعقد الصفقات ومنها رحلاته للعلاج والنقاهة وفي جميع رحلاته كانت الكسرة هي المتنفس الأول تأليفا وغناء . منصور في سطور - هو منصور بن ناصر بن هاشم السيّد العلوي . - من مواليد قرية بحرة المعروفة بين مكةالمكرمةوجدة سنة 1350ه . - والده السيّد ناصر بن هاشم العلوي أحد أعيان قريته ومن الموامين فيها على القضايا والمشكلات القبلية والفردية . -أخواله من الجحادلة آل منيف العليان بقرية طفيل بين مكةالمكرمة والليث . - تأثر كثيراً بخاله الشيخ فيصل بن مسمّى العلياني والذي كان شاعراً متميزاً في منطقته . - تزوج بثلاث نساء أولاهن من نفس العائلة والثانية بنت الشاعر الشعبي حامد بن ساعد الجدعاني والثالثة من قبيلة الجغاثمة من وادي قديد . -له من الأبناء ستة ذكور وتسع إناث . -ابنه الأكبر ( نصار ) ورث عنه نظم الشعر وحفظه ونقده وعمق النظر فيه وابنه ( يوسف ) أخذ عنه حسن الصوت وجماله في أداء الكسرات والتقاطيف وغيرها . - بيوته في كل من بحرةوجدة ما زالت ملتقى الأصدقاء والمعارف . -ابنه ( ناصر ) كان من لاعبي الصف الأول بنادي الوحدة بمكةالمكرمة في فترة سابقة وهو المعروف ( بناصر علوي ) . رحم الله السيد منصور العلوي رحمة واسعة وغفر لنا وله .